مدير الديوان الوطني للأوقاف والزكـاة الدكتـور امحمـد بوزيـان لـ”الشعـب”:

الأمـلاك الوقفيـة رافـد هـام للتضامـن والتكافـل الاجتماعـي

حوار: سعاد بوعبوش

الاستثمـار الوقفـي يهــدف إلى تعظيـم العوائـد وتحقيـق الاستدامـــة

مشروع القانـون الجديــد تضمـن 14 صيغـة استثماريــة  

ترقية العمليات الخيرية والتضامنية وبعث الديناميكية الوقفية وتشجيعهـا وترقية استثمــار الأملاك الوقفية

 4200 وقف.. وإيرادات بلغت 205 مليـون دينـار في 2022 و 269 مليون دينار سنـة 2023

تقرر فتح الأملاك الوقفية بالجزائر للاستثمار، من أجل تثمينها وإعطائها قيمتها الحقيقية، من خلال فسح المجال لاستغلال الثروة المحبوسة التي تمثل أحد مظاهر الرقي الحضاري الإسلامي بكل أبعاده التنموية المستدامة، وهو ما أكد عليه المدير العام للديوان الوطني للأوقاف والزكاة د.أمحمد بوزيان، في حوار خص به “الشعب”، داعيا المواطنين إلى إعادة اكتشاف قيمة الوقف وأبعاده، والمساهمة فيها بثقة باعتبارها منظومة مباركة، كانت من ضمن صلب حضارتنا، وآن الأوان لإحيائها بروح عصرية تخدم الفرد والمجتمع بمختلف الصيغ المتاحة وفق آليات الإدارة والضوابط الجديدة المعمول بها في إطار التشريع الجديد الذي جاء في اطار تجسيد مخطط عمل الحكومة لتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية.

-  الشعب: بداية نود منكم تقديم تعريف موجز لمفهوم الوقف أو “الحبس” كما هو دارج في الجزائر؟
 د.امحمد بوزيان: يعتبر الوقف أحد خصائص المجتمع الإسلامي، وصفحة من الصفحات الناصعة في سجل الحضارة الإسلامية، رسمت معالمه من العهد الأول للإسلام، مشكلا مظهرا من مظاهر الرقي الحضاري للأمة في المجالات: الدينية، العلمية، الاجتماعية والاقتصادية، وقد استُمدّ مفهومه من حديث النبي صلى الله عليه وسلّم: “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له” وهو إشارة واضحة إلى أبعاده التنموية المستدامة..ومنه فالوقف – أو الحبس كما يعرف تقليديا في الجزائر – هو في أصله فِعل تبرّع تعبّدي، يقوم فيه الشخص بحبس مال معيّن، ومنع التصرف فيه بيعا أو إرثاً، وتخصيص منفعته لوجه من وجوه البر والخير، سواء كان ذلك لفرد أو لمجموعة أو لمصلحة عامة، أما شرعا، عرّفه الفقهاء بأنه حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة، ويقصد بعين الوقف أو رقبته أصله وهو الشيء الذي وقفه الواقف كأن يكون منزلا أو بستانا، كما أنه ليس ملكا للأشخاص الطبيعية ولا للاعتبارية، ويتمتع بالشخصية المعنوية، وتسهر الدولة على احترام إرادة الواقف وتنفيذها.
- ما هي الأسس الشرعية والقانونية التي يستند إليها الديوان في تسيير الحظيرة الوقفية بالجزائر؟
 يستند الديوان في عمله إلى الشريعة الإسلامية أولاً، ثم إلى القوانين الجزائرية المنظمة، لا سيما قانون الأوقاف 91-10 المعدل والمتمم، والمراسيم التنظيمية التابعة له، وكذا المرسوم التنفيذي رقم 21/179 الذي تم بموجبه إنشاء الديوان الوطني للأوقاف والزكاة وتحديد قانونه الأساسي، وهو مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي..ويعتبر الديوان أداة في مجال تسيير الأملاك الوقفية العامة، واستغلالها وتنميتها واستثمارها، طبقا لإرادة الواقف ولأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وهو آلية لجمع الزكاة وصرفها وتنميتها طبقا للأحكام المحددة شرعا.
حاليا، هناك مشروع قانون جديد يتعلق بالأوقاف يحل محل القانون 91-10 هو محل إثراء من أجل مواكبة ما تشهده تشريعات إسلامية من قفزة نوعية في تطوير وتثمين الأوقاف بهدف الوصول إلى تكامل بين أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بتسيير الوقف وبين الواقع الحالي، وهو الأمر الذي استدعى تحديث آليات إدارة الأوقاف وتسييرها وفق ضوابط خاصة بها وتعزيز الشخصية المعنوية للوقف بهدف ترقية العمليات الخيرية والتضامنية وبعث الديناميكية الوقفية وتشجيعها وترقية استثمار الأملاك الوقفية في إطار مبادئ الحرية والشفافية والمساواة واحترام إرادة الواقفين، ما من شأنه إحداث تناغم بين المجال الخيري للوقف وأبعاده الاستثمارية.

الأوقاف المدرّة للربح يسيّرها الديوان..

- معروف أن الجزائر كان لها ثقافة وأملاك وقفية مشهود لها رغم ما تعرضت له من استيلاء وسلب، ما هي الوضعية الحالية للأوقاف؟
 تطورت ثقافة الوقف عند المسلمين، حتى أصبحت اليوم تمثل مؤسسات شكلت قطاعا ثالثا مستقلا بحد ذاته مكملا ومساعدا للقطاعين العام والخاص، ومساهما في تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي للدول، ولم تكن الجزائر بدعا من سائر المجتمعات الإسلامية، حيث مثلت الأوقاف فيها رافدا هاما من روافد التضامن والتكافل الاجتماعي، ابتداء من وقف مسجد الصحابي عقبة بن نافع الفهري، مرورا بالأوقاف الجزائرية في مدينة القدس الشريف، من خلال وقفية سيدي أبي مدين الغوثي التلمساني، وصولا إلى العهد العثماني في الجزائر الذي شهد بداية توثيق الأوقاف بالعقود والحجج والسندات الوقفية.
هذه المرحلة تميزت باتساع وعاء الأوقاف في مختلف أنحاء البلاد، ومن أبرز المؤسسات الوقفية الخيرية القائمة آنذاك أوقاف الحرمين الشريفين، أوقاف النازحين من الأندلس، أوقاف الزوايا والأولياء والأشراف والمرابطين، أوقاف الجامع الأعظم، مؤسسة سبل الخيرات.
 أما خلال العهد الاستعماري، فقد اعتبرت سلطاته منظومة الأوقاف حاجزا يحد من مشاريعها الاستعمارية، فعملت على تقويض دعائم نظام الوقف، وتشتيت شمله، وهدم معالمه، عن طريق مختلف المراسيم وأولها مرسوم دي برمون في 08 سبتمبر 1830م، والذي قضى بمصادرة الأوقاف الإسلامية والاستيلاء عليها، وأعطى الحق في التسيير والتصرف وتأجير الأملاك الوقفية للإدارة الفرنسية. لتأتي بعدها العديد من المراسيم التي كرست تصفية الأوقاف واستيلاء الأوروبيين عليها.
غداة استقلال الجزائر واستعادة السيادة الوطنية، بقيت الأوقاف على حالها متأثرة بغياب العناية والصيانة، وحصرت في مجال محدود جدا..ويعتبر دستور 1989 بوابة هامة لحماية الأوقاف والاعتراف بها دستوريا، ليتجسد ذلك في القانون رقم 90/25 المتضمن التوجيه العقاري والذي اعتبر الأملاك الوقفية صنفا مستقلا من ضمن الأملاك الوطنية، وقانون الأوقاف 91/10 الذي يعتبر أول قانون ينظم الأوقاف في الجزائر.
وحدد هذا القانون القواعد العامة لتنظيم الأملاك الوقفية وتسييرها وحفظها وحمايتها، كما نص على استرجاع الأملاك التي أممت في السابق، تبع ذلك مراسيم تنفيذية وقرارات وزارية سهلت مختلف عمليات تنظيم وتسيير، واستغلال، وتثمير الأوقاف، وتطويرها.
وبخصوص نوعية الأوقاف، يجب أن نوضح نقطة تتعلق بمكونات الأملاك الوقفية، حيث هناك نوعين منها الشعائرية كالمساجد، المقابر، المدارس القرآنية والسكنات الوقفية الإلزامية، كل هذه الأملاك تدخل في تسيير مصالح وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وهي أملاك وقفية تؤدى فيها شعائر دينية ولا تدر ريعا.أما الأملاك الوقفية العامة الاستثمارية وهي الأملاك التي تدر ريعا (دخلا) والتي تعد الأكثر انتشارا ووجودا وتضم المحلات التجارية، المراكز التجارية الخدمية، الأراضي الفلاحية والغابية، البنايات الخدماتية، الأراضي القابلة للتعمير وإقامة مشاريع استثمارية، فتدخل ضمن حظيرة الديوان الوطني للأوقاف والزكاة من أجل إدارتها وتسييرها واستغلالها وتنميتها واستثمارها بمختلف عقود التمويل والاستثمار القديمة والمستجدة وفق ضوابط وأحكام الشريعة الإسلامية، واحترام إرادة الواقف والتشريعات والتنظيمات المعمول بها في هذا الصدد.

..الانفتاح على مجالات الاستثمـــار الوقفي لـرفع الحصــائل..

-  تقرر مؤخرا فتح أملاك الوقف للاستثمار، ما المقصود بالاستثمار الوقفي وما هي أهدافه؟ وما الصيغ المتاحة التي يمكن استغلالها على أمثل وجه؟
الاستثمار الوقفي هو تنمية الأموال الوقفية سواء كانت أصولا أو ريعا، بالطرق التي من شأنها ضمان ديمومته والحصول على أكبر قدر من العوائد، بما هو مباح شرعا، مع مراعاة المخاطر، ما يعني وجود علاقة عضوية بين مصطلحي الاستثمار والوقف مفادها التنمية؛ لأن الاستثمار في أحد وجهيه هو تكوين رأسمال، بمعنى إنشاء مشروعات استثمارية والوقف في إنشائه وتجديده هو عملية تكوين رأسمال مشروع استثماري أي “حبس الأصل”.
والوجه الآخر للاستثمار، هو توظيف رأس المال المكون للحصول على منافع وعوائد لإنفاقها في وجوه البر، أي تسبيل المنفعة، وبهذا يكون الوقف يقدم رأس المال اللازم للاستثمار ما مفاده أن أملاك الوقف تشجع على الاستثمار وإقامة المشاريع والصناعات التي تحدث نموا اقتصاديا واجتماعيا.
هذا الاستثمار - كما سبق وأشرنا - يهدف إلى تثمير الممتلكات الوقفية، وتثمين الموارد المالية الخاصة والعمل على تدويرها بما يسمح بتعظيم العوائد وتحقيق الاستدامة المالية للجهات المستفيدة منها، كما يدعم الاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة بمختلف أبعادها، ويضفي جانبا من التكامل والتنوع في النسيج الاقتصادي، من خلال بعث وتطوير القطاع الثالث بالجزائر، ليساهم في تقليص البطالة ودعم الدخل الفردي من خلال فتح مناصب الشغل.
وتضمن القانون السابق 91-10 للأوقاف11 صيغة للاستثمار، أما القانون الجديد فتضمن 14 صيغة للاستثمار تضمنتها المادة 71، حيث يمكن أن تستغل الأملاك الوقفية العامة أو الحصة الخيرية في الوقف المشترك وتستثمر بموجب العقود الموافقة للشريعة الإسلامية، وتتمثل هذه الصيغ في الإجارة، المزارعة، المساقاة، الحكر، المرصد، المقاولة، المقايضة، الصيانة والترميم، المشاركة، البناء والتشغيل والترميم، البناء والاستغلال، القراض، المرابحة، السّلم.
هذه الصيغ يعول عليها للإسهام أكثر في توسيع دائرة الاستثمار في الأملاك الوقفية المقدرة بأكثر من 4200 وقف، والرفع من إيراداتها التي شهدت ارتفاعا ملحوظا، خلال السنوات الأخيرة، فقد سجلت سنة 2022 حصيلة بلغت 205 مليون دج، أما في سنة 2023 فبلغت 269 مليون دج، فيما تواصلت هذه الزيادة أيضا خلال سنة 2024، ومن المتوقع أن تستمر خاصة مع استرجاع وضبط وضعية الأملاك الوقفية، والانفتاح على مجالات الاستثمار الوقفي المختلفة.
-  هل يمكن الحديث عن وجود مشاريع استثمارية كبرى تعتمد على أموال الوقف؟ وهل هناك تعاون مع جهات حكومية أو خاصة لتوسيع نشاط الديوان؟
 بالتأكيد، لدينا مشاريع استثمارية في العقار التجاري، تأجير المحلات الوقفية، واستصلاح أراضٍ زراعية وقفية، تنمية الأموال الوقفية بمختلف صيغ التمويل والاستثمار الشرعية، هذه المشاريع تهدف إلى ضمان مدخول دائم ومستدام، يُعاد توجيهه إلى العمل الخيري والاجتماعي.
 وأشير هنا إلى أن الديوان الوطني للأوقاف والزكاة منفتح على التعاون والشراكات مع كل القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية الإدارية والاقتصادية، والجمعيات والمؤسسات المجتمعية والخيرية، مما يفتح آفاقا جديدة لتفعيل الأوقاف، ويدعم جهود الدولة في التنمية والتكافل الاجتماعي، حيث يسعى لتعميق التكامل القطاعي لدعم انخراط الأوقاف في رؤية الدولة الجزائرية في مختلف المجالات والقطاعات، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرة وفعالية القطاعات الوزارية وتسهيل الإجراءات الإدارية والتنظيمية اللازمة، وإرساء جذور التعاون المثمر في هذا الصدد.
 وقد باشر الديوان الوطني للأوقاف والزكاة باجتماعات مع ممثلي القطاعات الوزارية الممثلة في مجلس إدارته بجلسات عمل للتشاور والتباحث في فرص التعاون والشراكة الممكنة، لاسيما في مجال اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، الفلاحة، السياحة، البيئة وغيرها، وكذلك التعاون والشراكة مع الجمعيات المعنية للتجار وأرباب العمل والمتعاملين الاقتصاديين، ومن صور هذا التعاون الاتفاقية التي وقعت مع الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين.

-  كيف ترون مستقبل الأوقاف في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية؟ وما أبرز التحديات التي تواجه تطوير العمل الوقفي في الجزائر؟
 إن العمل على ترقية الأوقاف وتعزيز دورها في دعم النهضة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية ببلادنا، يعتبر مستهدفا ذو أولوية بالغة والتزاما من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ضمن برنامج عمل الحكومة في إطار الجزائر الجديدة، لهذا فإن المستقبل واعد إن شاء الله، خاصة مع التوجه نحو رقمنة الخدمات، وتحديث القوانين، وتوسيع دائرة المستثمرين في الأوقاف.
 أما بخصوص التحديات فيرتبط أبرزها بضعف ثقافة الوقف لدى بعض الفئات، ومحدودية الموارد البشرية المتخصصة، إضافة إلى صعوبة استرجاع بعض الأملاك الوقفية القديمة، لكن على الرغم من ذلك نعمل على تجاوز هذه العقبات بتكثيف التوعية وتعزيز الشراكات واستغلال الآليات التي سيتيحها لنا القانون الجديد للأوقاف بعد استيفائه لكل مراحل الإثراء والمناقشة والمصادقة عليه والافراج عنه رسميا بالجريدة الرسمية.

“نظارة “ منصـة رقميـة لتسيـير وإدارة الأمــلاك الوقفيـة

في إطار التحول الرقمي الذي تشهده مؤسسات الدولة، كيف يتعامل الديوان الوطني للأوقاف والزكاة مع الرقمنة وتعزيز قنوات التواصل والاتصال؟
الديوان الوطني للأوقاف والزكاة هو الآخر استجاب لهذا التحول الرقمي وانخرط فيه، حيث نعمل حاليا على رقمنة عدد من خدماتنا، سواء في جانب التسيير أو الخدمات الموجهة للمواطنين، فأطلقنا منصة داخلية تحت اسم “ نظارة “ لتسيير وإدارة الأملاك الوقفية ومعالجتها بشكل آني، ناهيك عن وموقع إلكتروني يمكّن المواطن من الاطلاع على أخبار الديوان ومشاريعه والمساهمة فيها بكل شفافية وسهولة.
في المقابل، يعتبر الديوان الإعلام شريكا أساسيا في نشر ثقافة الوقف والزكاة، لهذا نحرص على الحضور المتزايد عبر منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى التعاون مع وسائل الإعلام الوطنية من خلال الحصص التوعوية، الحملات التحسيسية، والتقارير الدورية، كما نعمل على تطوير محتوى رقمي موجه لفئات مختلفة، خاصة الشباب، لتعزيز ارتباطهم بهذا المجال الحيوي.
وندعو من خلال هذا المنبر الإعلامي المواطنين إلى إعادة اكتشاف قيمة الوقف، والمساهمة فيها بثقة سيما وأنها منظومة مباركة، وآن الأوان لإحيائها بروح عصرية تخدم الفرد والمجتمع.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19800

العدد 19800

الأربعاء 18 جوان 2025
العدد 19799

العدد 19799

الثلاثاء 17 جوان 2025
العدد 19798

العدد 19798

الإثنين 16 جوان 2025
العدد 19797

العدد 19797

الأحد 15 جوان 2025