كتـاب أكاديمـي جامـع للدّكتـور سليــم كــرام

أضــواء علـى أعلام الزِّيبـان

^ فـوزي مصمــودي

بمناسبة ستينية الاستقلال (1962 ــ 2022)، صدر حديثا عن جامعة محمد خيضر ببسكرة كتاب «قبس من سير أعلام الثقافة والفكر والنضال بالزيبان» للدكتور سليم كرام الأستاذ بقسم الآداب واللغة العربية بها..

قدّم للكتاب البروفيسور محمد الأمين بلغيث، الذي أثنى على منطقة الزيبان (بسكرة وما جاورها من حواضر وبلدات)، وعلى تاريخها الزاخر بالعطاء الثقافي والرصيد العلمي، وإنجاب عديد الأعلام وأساطين الثقافة والأدب والفكر والفقه بقوله: «في ذاكرة الجزائريّين بسكرة عاصمة الزيبان منطقة تركت بصمة في تاريخ الجزائر السياسي والثقافي والاقتصادي عبر العصور. ولا يحلو الحديث عن الزيبان إلا بتذكّر أسماء أعلام تذكّر الجزائريين قاطبة أنّ المنطقة جاذبة لا طاردة للخلق، بحثا عن الرّزق والأمن ومخالطة الصالحين والأدباء والمؤرخين ورجال الفكر والسياسة».
ولأنّ الدكتور سليم كرام نائب رئيس الجمعية الخلدونية للأبحاث والدراسات التاريخية لولاية بسكرة، وكثيرا ما أوكلت إليه رئاسة اللجنة العلمية لملتقياتها الوطنية (بسكرة عبر التاريخ)، فقد وجدنا الدكتور بلغيث يتطرّق في تصديره إلى هذه العلاقة بقوله: «وحتى أكون منصفا لمتصفّح هذا القبس الخاص بأعلام الزيبان، فإنّ مؤلفه الأستاذ سليم كرام واحد من رجال الجمعية الخلدونية التي وصل إشعاعها إلى أبعد مما يتصوّر باحث أو مهتم بالحياة العلمية والنشاط الثقافي في بسكرة، حيث كان ثلة من المثقّفين يبنون بسكرة ووطنهم الجزائر جسرا يربط بين ماضي البلاد العميق وحاضرها، وهؤلاء الفتية وجدوا في مؤسسات سيادية وشخصيات علمية ووطنية وقامات من أهلها يدفعونهم نحو المعالي ونشر المعرفة والخير بين أبناء الوطن».
الكتاب الذي نحن بصدد قراءته ضمن هذه المقالة جاء في (324 صفحة)، تناول من خلالها المؤلف مسيرة وآثار ثمانين شخصية علمية ونضالية وأدبية وفكرية وتربوية وصحفية من منطقة الزيبان، على امتداد حقب زمنية سحيقة، معترفا في ذات الوقت أنه قدّم مسيرتها وعطاءها باختصار شديد قد يكون مُخِلاًّ: «إنّني وأنا أستحضر كل شخصية أعمد إلى معايشتها واستشعار آفاق أحلامها، مرحلة بمرحلة عبر أطوار حياتها، أعمد إلى اختصارها وهي لا تُحتضر، لأنها لا تحمل سيرة السرد فحسب، بل مستلا من أعماق الفؤاد مضمّخا بالمشاعر الصادقة الطاهرة النقية، وهكذا بدأ الحلم يكبر والمشاريع الشخصية باتت مشاريع وطنية، بل إنسانية مكتملة».
وقد أراد الكاتب وبحسّ الأستاذ الجامعي من خلال هذا المنجز، أن ينقل تجارب هؤلاء الأعلام إلى مدارج الجامعة، ليذكّر الباحثين بأن كل واحد من هؤلاء يمثل مشروعا حيا، أوجده دون إحاطة بعلوم العصر اجتماعيا أو حضاريا أو ثقافيا، إنما هو الصدق الذي ينير درب المؤمن يشعّ من فؤاده النقي الصادق، هي الآن مشاريع تصلح أن تكون مجال بحث ودراسة وتحليل لكي يكون بعدها مشروعا إنسانيا في المجال الثقافي أو الاجتماعي أو الحضاري..
الإصدار عصارة أبحاث رصينة ودراسات متأنية أخذت من باحثنا الدكتور كرام خمسة عشر عاما من مسيرته البحثية والأكاديمية، مستعينا بعديد المصادر والمراجع الموثّقة التي تناولت هذه الشخصيات، على غرار أحمد بن نصر الدّاودي (ت 402 هـ - 1011 م) صاحب كتاب (النامي) الذي شرح فيه موطأ الإمام مالك، وكتاب (الأموال)، والرّحالة المقرئ أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة البسكري (1012 م – 1072 م) صاحب كتاب (الكامل في القراءات) و(الهادي) و(الوجيز)..وقد استدعاه نظام الملك السلجوقي للإقراء في مدرسته بنيسابور، والثائر ناصر السُّنّة وقامع البدعة الشيخ سعادة الرحماني (حيا 1306 م)، والمحدّث الفقيه محمد بن عنقة البسكري (1322 م – 1402م) الذي طاف بلاد المشرق في رحلة علمية شملت مصر والشام وبلاد الحجاز..والشيخ ناصر بن مزني البسكري (1379 م ــ 1420 م) العالم الفقيه وصديق العلاّمة عبد الرحمن ابن خلدون..دون أن يغفل عن المحدّثة الشهيرة أم الحياء البسكرية (ت 845 هـ ) التي تطرق إليها السّخّاوي في مصنفه ( الضوء اللامع لأهل القرن التاسع)، والشيخ أحمد بن فاكهة اللياني (ولد 1442 م) الذي وصفه المؤلف بـ: «العالم الأغر وخليل الفقه والقرآن وشارب الحديث والعربية من منابعها الحقة «، والفقيه اللغوي المحدّث البارع الشيخ محمد شمس الدين البسكري (ق 15 م)، والشيخ المعلم الكبير عبد الرحمن بن القرون الليشاني (حيا القرن 15 م)، أما العلامة الشيخ عبد الرحمن الأخضرى البنطيوسي (920 هـ - 983 هـ) فقد جعل له مساحة متميزة ضمن كتابه باعتباره لغوي وأديب ومؤرخ وشاعر وعالم في الفلك والرياضيات والمواريث.. وخلّف عديد الآثار منها: السراج، الدُّرة البيضاء في أحسن الفنون والأشياء، السُّلّم المرونق، الجوهر المكنون في صدف الثلاث فنون، مختصر العبادات، القدسية...
ومن الأعلام المحدثين تناول المؤلف الشيخ علي بن عمر الطولقي (1166 هـ - 1258) مؤسس الزاوية العثمانية بطولقة عام 1780 م التي مازالت تؤدي دورها العلمي والتربوي وإصلاح ذات البين إلى اليوم، متطرقا إلى استشهاده..كما قدّم لنا عرضا عن حياة ومسيرة العالم الشهير وشيخ التصوف بالمنطقة الشيخ محمد بن عزوز البرجي (1170 هـ ــ 1232 هـ) الذي تُنسب إليه الطريقة الصوفية العزوزية التي لها أتباع وزوايا في الجزائر وتونس..
ومن رجال المقاومة الشعبية المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي تناول المؤلف المقاوم الشهيد الشيخ بوزيان زعيم ثورة الزعاطشة 1849 بنواحي ليشانة بولاية بسكرة، الذي حزّ الفرنسيون رأسه الطاهر ثم قاموا بنقل جمجمته الزكية وجمجمة ابنه وجمجمة رفيق دربه المقاوم الشيخ موسى الدرقاوي الأغواطي، لتوضع بمتحف الإنسان بباريس، ولتسترجع إلى الوطن الأم ضمن (24 جمجمة طاهرة)، وتدفن بمقبرة العالية بمناسبة عيد الاستقلال في 5 جويلية 2020 بإشراف رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
كما تطرّق إلى المسيرة الجهادية لخليفة الأمير عبد القادر على الزيبان الشيخ الحسن بن عزوز البرجي، والمقاوم الشيخ عبد الحفيظ الخنقي (1789 م – 1850م) الذي قاد معركة واد براز في 17 سبتمبر 1849 بنواحي سيدي عقبة وعين الناقة بولاية بسكرة ضد الغزاة الفرنسيين، والتي قُتل فيها حاكم بسكرة آنذاك سان جرمان، والمقاوم الشيخ المختار الجَلاّلي (ت 1860) زعيم مقاومة أولاد جلال، والمقاوم الشيخ إبراهيم بن الصادق بن الحاج صاحب كتاب (حكمة المغانم في البلوى في جميع النعائم) وكتاب (البداية في علم الفريضة)..
أما الشاعر الكبير عاشور الخنقي (1854 ــ 1929) صاحب كتاب (منار الإشراف على فضل عصاة الأشراف ومواليهم من الأطراف) الذي طبع عام 1914، فقد خصّه بترجمة وافية، متطرقا إلى آثاره التي فاقت العشرة، كما دَرَس مسيرة شيخ الأزهر الشريف العلامة المؤلف الشيخ محمد الخضر حسين الطولقي (1873 – 1958) صاحب المصنفات الجَمَّة والمقالات الدسمة والفتاوى الشرعية، والصحفي الكبير المفتي الشيخ المولود الزريبي (1875 ــ 1925) رئيس تحرير جريدة «الصديق»، ومؤلف كتاب (بذور الأفهام)..
كما تناول رجالات جمعية العلماء المسلمين والحركة الإصلاحية بالجزائر من أبناء الزيبان؛ كالشيخ الطيب العقبي الكاتب والعالم والخطيب المفوّه، والكشاف الصحفي محمد بن العابد الجلالي صاحب جريدة (أبو العجائب) عام 1934، ومؤلف أول ديوان للأطفال طبع بتونس عام 1939، والمسرحي المجاهد الشباح مكي، والدكتور سعدان الرجل الثاني في حركة أحباب البيان والحرية ونائب فرحات عباس، وكذا الشاعر الأديب والكشاف القاضي الشيخ الشهيد عبد الحفيظ جلاب البرجي (1898 ــ 1956)، والشيخ الأديب الشاعر المربي عمر بن البسكري، ورائد الصحافة الوطنية الأديب الشاعر محمد السعيد الزاهري (1899ــ 1956) صاحب كتاب (الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير) ومنشئ جرائد: (الجزائر، البرق، الوفاق، عصا موسى، المغرب العربي)، والأديب سعد الدين خمار (1900ــ 1956)، والعالم الشهيد عبد الرحمن بركات، والشاعر الناثر محمد الهادي السنوسي الزاهري مؤلف كتاب (شعراء الجزائر في العصر الحاضر) في جزأين عام 1926، ونائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ محمد خير الدين، والأديب الصحفي المسرحي الشهيد أحمد رضا حوحو مؤلف (صاحبة الوحي) كأول رواية جزائرية مطبوعة باللغة العربية، والشاعر أحمد سحنون، وعميد الملتقيات الوطنية الشيخ زهير الزاهري، والعلامة النسابة الشيخ عبد المجيد حبة، والوطني الصميم الزعيم الكبير الشاذلي المكي، والشيخ المربي الكاتب أحمد بن ذياب، والمؤلف الكبير الشاعر الناثر الكشاف الشيخ محمد الصالح رمضان، والعلامة أبي بكر جابر الجزائري..
ومن زعماء الثورة التحريرية المجيدة تناول شخصية البطل الشهيد محمد العربي بن مهيدي الذي شهدت مدينة بسكرة نشاطه السياسي والنضالي والكشفي والرياضي والمسرحي، والبطل الشهيد العقيد سي الحواس قائد الولاية السادسة التاريخية والشهيد محمد شعباني قائد الولاية السادسة..وغيرهم من الأسماء اللامعة.
للإشارة، فإنّ الدكتور سليم كرام تحصّل على شهادة الماجستير عام 2008 ثم الدكتوراه عام 2016، بعدها التأهيل الجامعي عام 2018، من مؤلفاته المطبوعة: ملحمة الزيبان..نشيد المجد والخلود، الطبيعة في الشعر الجزائري الحديث (أحمد سحنون أنموذجا)، رحيق من أحاديث الفؤاد، قضايا في الشعر العربي القديم (جاهلي – أموي)، وغيرها من الأعمال المنشورة والمخطوطة..  

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024