الأدب والنقد الجزائري من خلال كتاب من قضايا الأدب والنقد

«قـراءات في مختلف الخـطابـات» للــدكتـورة الـنـاقـدة راويـة يـحياوي

بقلم: د. محمد الأمين لعلاونة

يأتي كتاب «من قضايا الأدب الجزائري المعاصر- قراءات في مختلف الخطابات» للأستاذة الدكتورة راوية يحياوي كمحاولة لاستنطاق المدونة الأدبية الجزائرية في الألفية الثالثة، حيث قسمت الناقدة كتابها إلى خمسة فصول، بلورت من خلالها الحس النقدي والخلفيات الابستيمولوجية التي رسمت مسارها خلال تتبّعها لسيرورات الأدب الجزائري المعاصر.

استهلت الناقدة «راوية يحياوي» كتابها بتقديم كان بمثابة النافذة التي يستبصر من خلالها القارئ مختلف القضايا الشعرية والأدبية الجزائرية وفق مقاربات ما بعد حداثية شكّلت رؤيتها النقدية الوارفة لمجموع نصوص كانت عبارة عن محطات متنوّعة أثارت مجموعة من القضايا لعلّ أبرزها إلحاح الناقدة على اختلاف الخطابات / شعر/ رواية / مسرح لتتعداها إلى المدونة النقدية الجزائرية، ليتبع اختلاف الخطابات اختلاف لمنتجي تلك الخطابات بين الرجالي والنسائي وبين الجيل الأدبي الراهن والجيل الذي سبقه، لتكون بذلك قراءتها قراءة شاملة للمدونة الأدبية / النقدية الجزائرية.
جاء الفصل الأول موسوما بـ: «قراءات في الخطاب الشعري الجزائري»، وهو أكبر فصول الكتاب وأكثرها خصوبة من حيث تنوّع النصوص الشعرية واختلاف المقاربات النقدية.
افتتحت الناقدة فصلها الأول بمقال - تمثل الذات في النصوص المشاركة في عكاظية الجزائر للشعر العربي» الذي يمكن أن نصنّفه في مصاف الدراسات الما بينية التي جمعت الشعري بالفلسفي فالنقدي، وهو ما تحيل إليه عبارات العنوان التي تعكس اهتمام الباحثة في بحثها عن علاقة النصوص ببيئات منتجيها، حيث اعتبرت «الشعراء الجزائريين المعاصرين من فئة المثقفين، في مناخ التنوّع المعرفي والتعدّد الفكري، مراعين في هذا كل ما حدث للقصيدة الجزائرية من تحولات..» ص15، وهذا ما اقتفته الناقدة من خلال تتبعها لقصائد شعراء صنعوا المشهد الشعري الجزائري على اختلاف تياراتهم وقناعاتهم الفكرية كالشاعر عيسى لحيلح الذي ربطت شعره راوية يحياوي بشعر الالتزام/ المقاومة/الأنا الجمعية والذي شكل حسبها اشكالا نقديا يتمحور في سؤال جوهري طرحته الناقدة والمتمثل في أين نصنف القصيدة العمودية الحديثة؟ وما وموقها من الحداثة العربية؟
كما تطرّقت الباحثة في خضم حديثها عن الذات إلى ثنائية المرأة/ الأنثى، وعلاقتها بالآخر المذكر/ الرجل، وهذا حين تناولها أسماء نسائية كالشاعرة زهرة بلعالية والشاعرة نصيرة محمدي والشاعرة عفاف فنوح، وغيرهن من الشاعرات اللواتي حاولن - حسب الناقدة راوية يحياوي - تفكيك السلطة الذكورية، فالقصائد حسبها شحنت بحمولاتها الدلالية، وطالبت بتحقيق وجود الذات الأنثوية وعلاقتها بالوجود والآخر الذكوري.
جاء المقال الثاني بعنوان: الرؤى المتعدّدة في النصوص المشاركة في عكاظية الجزائر للشعر العربي، حيث تطرّقت الدكتورة راوية يحياوي إلى قضية تصنيف الشعر الجزائري بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة التي جاءت مع حركة التجديد منذ أربعينيات القرن الماضي، لتجد الناقدة أن التجديد لا يقتصر على شكل القصيدة إنما يقتصر على إبداع الشاعر لأشائه بطريقة جديدة وتجريد تلك الأشياء من هويتها المعتادة في الحياة اليومية ليمنحها دلالة أخرى تتأتى قراءتها من العالم الداخلي للقصيدة وهذا ما أبرزته الناقدة من خلال تناولها لأسماء شعرية مختلفة الرؤى كالشاعر ابي القاسم خمار وحنين عمر وعبد الرزاق بوكبة وعاشور فني وغيرهم.
أما المقال الثالث فقد جاء تحت عنوان «شعرية تجاوز العروض في ديوان الجاحظية» حيث قسمت الناقدة عنوان دراستها إلى ثلاث بؤر تحتاج إلى وقفة قراءة وفق رؤى استراتيجية ومغايرة بدءا بمصطلح الشعرية ثم تجاوز العروض ثم ديوان الجاحظية لتدرس ـ الناقدة - مجموعة من القصائد المغاربية وفق منهج واسق استنتجت من خلاله أن معظم القصائد المدرجة ضمن ديوان الجاحظية، قد تحرّرت من عروض الخليل وتنوّعت أوزانها وبحورها الشعرية كما درست راوية يحياوي قضية يمكن أن نصنفها في مصاف قضايا ما بعد الحداثة وهي قضية توزيع البياضات والسوادات كشكل من أشكال التعاضد بين القارئ ومنتج النص.
جاءت بقية المقالات لتتناول قضايا مختلفة، كالاشتغال النصي في عولمة الحب عولمة النار للشاعر عز الدين ميهوبي، حيث درست الناقدة العتبة النصية للديوان نحويا ودلاليا ثم تناولت شعرية الحضور والغياب لتجد أنها محاولة لرغبة الذات في الحضور والاختفاء في الوقت نفسه.
 أما مقال «عيوب نسق الفحل العاشق في الخطاب الشعري للشعراء النقاد الجزائريين» فقد حاولت فيه راوية يحياوي أن تبين الخصيصة الشعرية التي ينماز بها شعر الشعراء النقاد وفق دراسة نقدية ثقافية ومركزة وجدت من خلالها أن السرة الشعرية داخل نصوص كل من فريد ثابتي وفيصل الأحمر والأخضر بركة تكمن في ثنائية الظاهري الفحل والمضمر القبيح لتتشكّل مجموع أنساق وجدت الناقدة أنها أنساق مخاتلة.
ويأتي مقال أنفاس الليل لأحمد حيدوش – قراءة في لا وعي النص كمحاولة لاستنطاق المدونة الشعرية للشاعر أحمد حيدوش من خلال استراتيجيات نقدية مستمدة من دراسات «جيرار جينيت» في دراساته للعتبات النصية ودراسات كل من «سيغموند فرويد» و»جاك لاكان» في مجال التحليل النفسي للأدب كما يمكننا أن نصنف هذا المقال وفق الدراسات التي تنصب في ميدان نقد النقد؛ ذلك أن الناقدة استعانت بالآليات النقدية التي استعملها الناقد الشاعر أحمد حيدوش في ديوانه أنفاس الليل والحاحه على آليات التحليل النفسي.
تناولت بقية المقالات المدرجة في الفصل الأول قضايا يمكن أن نشير إليها بصورة موجزة لعلّ أهمها قضية الجنس العابر للأجناس في مقال سردنة الشعر وانفتاح الدلالة في شعر الأخضر بركة.
كما بحثت في المقالات الثلاثة الأخيرة من الفصل الأول والتي جاءت عناوينها كالآتي: العالم الدلالي في الخطاب الشعري للشاعرات الأكاديميات الجزائريات؛ غواية السرد وحكائية الشعر في الخطاب الشعري النسائي الجزائري؛ تماهي الذات الأنثوية مع المدينة في الشعر الجزائري.
لتخلّص في المقالات الثلاثة إلى نتائج مشتركة تمثلت في بحث راوية يحياوي عن الذات الأنثوية داخل المتون الشعرية الجزائرية وأزمة التجنيس والهوية والاستلاب وفاعلية الذات الشاعرة داخل مجتمع بطريركي جعل الأنثى تخرج من ضمير المتكلم المؤنث إلى ضمير المخاطب المؤنث داخل مدن اعتبرتها الناقدة بمثابة العوالم الداخلية التي كانت معاول بنائها تغرف من اللغة والواقع والتاريخ.
يأتي الفصل الثاني بعنوان قراءة في الأناشيد الوطنية ليميط اللثام عن بعض إشكالات النقد الثقافي، كثنائية الأنا والآخر والهوية والتاريخ في مجموع أبيات جاءت لتستنطق الأنساق التي تحكّمت في الأناشيد الوطنية الجزائرية التي كتبت في الفترة الكلونيالية وعبرت عن الهوية الجمعية التي تمثلها كل من الشاعر مفدي زكريا وعبد الحميد بن باديس ومحمد العيد آل خليفة ومحمد الشبوكي من خلال ترسيخهم لقيم التضحية والفداء والدين والانتماء للأرض عن طريق استنطاق الأماكن والبحث عن الأنساق التي تحكمت في بناء المدونة الشعرية الثورية الجزائرية وهذا ما سعت الناقدة إلى استجلائه عن طريق تفكيك بنيات بعض الأناشيد ـ فداء الجزائر، شعب الجزائر مسلم، جزائرنا..- ومحاولة استخراج المضمر فيها.
في الفصل الثالث تحدثت الناقدة «راوية يحياوي» عن «الأنساق المضمرة في الرواية النسائية» مستشهدة بمجموعة من الروايات النسائية كرواية «مزاج مراهقة» و»تاء الخجل» و»اكتشاف الشهوة» للروائية الجزائرية فضيلة الفاروق التي عرَّت بعض الظواهر التي كانت تعتبر من المسكوت عنه في الرواية الجزائرية، كما أشارت «راوية يحياوي» إلى قضية الفحولة والأنوثة وظاهرة الجسد وتوظيفه في الكتابة النسوية الجزائرية ممثلة في شخوص الروايات وطريقة تحرك السرد الذي تتبعته الناقدة بتؤدة استخرجت من خلالها أهم الميزات التي حدَّت روايات فضيلة الفاروق.
أما الفصل الرابع فخصته الناقدة لدراسة مسرحيات «التاعس والناعس» للكاتب عز الدين جلاوجي الذي حاولت فيه أن تستثمر مجموعة من الاستراتيجيات التي كان لها الدور الفعال في بلورة مسرحيات عز الدين جلاوجي التي عادت الى التراث واستلهمت من الباروديا لتشكل نسيجا نصيا/رمزيا فريدا من نوعه.
كان الفصل الأخير تطبيقا للحجاج التداولي ومقصدية الخطاب في رسالة الجاحظيين للكاتب الجزائري الراحل الطاهر وطار واشكالية تجنيس هذه الرسالة نظرا لتداخل عديد الأنساق.
وظفت راوية يحياوي آليات التداولية كالاستراتيجية التضامنية والتوجيهية والتلميحية واستراتيجية الاقناع، لتخلص الناقدة إلى أن استثمار التداولية جاء لمعرفة مدى الفائدة التي تحققها في هكذا نوع من الخطابات كما جاء لمسائلة خطاب لغوي جزائري ومدى قدرة الطاهر وطار على توظيف الآليات الحجاجية كغاية وتحقيق عملية الاقناع.
أرادت الناقدة راوية يحياوي في متابعاتها أن تستثمر نقد النقد بقراءتها لكتاب خطاب الأنساق للناقدة الجزائرية آمنة بلعلى وتبيان أهم القضايا التي تطرّقت إليها ثم عرّجت على مهرجان الشعر النسوي في دوراته المختلفة والجوائز الأدبية التي حظيت بها الشاعرات المشاركات كما تطرّقت إلى بعض الندوات العلمية المقامة على هامش مهرجان الشعر النسوي لتختم كتابها بدراسة احصائية أبرزت من خلالها أسماء الشعراء الجزائريين المذكورين في الموسوعة الكبرى للشعر العربي للباحثة فاطمة بوهراكة.
في الأخير لا يسعنا إلا أن نقول أن كتاب «من قضايا الأدب الجزائري المعاصر قراءات في مختلف الخطابات» للناقدة الدكتورة «راوية يحياوي» هو عبارة عن رحلة نقدية امتدت على مدار سنوات استطاعت من خلالها أن تبرز أهم المسارات والسيرورات التي مرت عليها مختلف الأجناس الأدبية الجزائرية بصورة قد تلخص سنوات طويلة في صفحات تنير دروب الباحثين والدارسين للأدب الجزائري.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024