أكد الروائي والناقد الجزائري فيصل الأحمر أن روايته “العشاء الأخير لكارل ماركس”، التي ضمّتها القائمة الطويلة لجائزة كتارا للرواية العربية، تنتمي إلى مشروعه السردي الذي يجمع بين الحفر في التاريخ والبحث في الوعي الإنساني، عبر أدوات فنية وتجريبية تفتح إمكانيات جديدة في بناء الرواية وتصورها للعالم.
وقال الأحمر في تصريح لـ«الشعب”، إن هذا العمل يمثل محاولة لتقديم معالجة أدبية مختلفة للزيارة التي قام بها الفيلسوف الألماني كارل ماركس إلى الجزائر عام 1882، وهي لحظة شبه منسية في كتب السيرة، لكنها اختُيرت عمدًا لتكون مركز تساؤل فلسفي عن علاقة الفكر بالواقع، والمثقف بالسلطة، والنظرية بالتجربة المعيشة.
وأوضح محدثنا أن الرواية تنطلق من سؤال جوهري ظلّ يُقلقه: “هل كان صمت ماركس عن الاستعمار الفرنسي، خلال وجوده بالجزائر، مجرّد غفلة، أم أنه يعكس مأزقا أعمق للفكر الغربي حين يواجه استعمارا وقع خارج حدوده النظرية؟”. وأضاف أن النص لا يُقدّم إجابة قطعية، وإنما يفتح الباب لسلسلة من الحكايات والمشاهد التأملية التي تكشف هشاشة الفيلسوف في لحظاته الأخيرة، وتجعله أقرب إلى الإنسان الباحث عن معنى، لا إلى المُنظر الذي يملك أجوبة.
ولفت الأحمر إلى أن الرواية تقدّم ماركس بصورة غير معهودة، حيث يظهر فيها شيخًا مريضًا، يعاني من ذات الجنب ومن الحزن على زوجته الراحلة “جيني”، ويجد نفسه في مواجهة واقع استعماري معقد، تختلط فيه اللغة بالقوة، والتاريخ بالقمع، والذاكرة بالصمت.
وأضاف أن ماركس في النص يتحول تدريجيًا من مراقب إلى منصت، من منظّر إلى متأمل، يتعلم الإصغاء للجزائريين البسطاء الذين يسمّيهم الاستعمار “الأهالي”، لكنهم في الرواية يظهرون باعتبارهم شخصيات فاعلة، ذكية، تحمل في طياتها مقاومة صامتة ونبلًا إنسانيًا خفيًا.
وأشار الأحمر إلى أن هذه الشخصيات، رغم بساطتها، تُحدث في ماركس تحولًا داخليًا عميقًا، وتكشف له عن أوجه للواقع لم يكن يعرفها، لا عبر الكتب ولا عبر التجربة الأوروبية. وقال إن الزوجة جيني، وإن كانت غائبة بالجسد، إلا أنها حاضرة في النص بصوتها وتذكيرها المتواصل له بإنسانيته الأولى، إذ كانت تسميه “نبيّي الصغير” لا بسبب لحيته فحسب، بل لأنه دائمًا ما كان ينتصر للمظلومين والضعفاء، ويبحث عن تغيير العالم من أجلهم.
وعن أسلوبه في الكتابة، أوضح الأحمر أن التجريب يشكّل هاجسا مستمرا في أعماله، مشيرا إلى أنه منذ بداياته اختار أن لا يكرر نفسه، بل أن يغامر بأشكال سردية متنوعة، من الراوي المخاطِب إلى الشكل التلفزيوني، ومن السيرة المتخيلة إلى بنية “ألف ليلة وليلة”. وأضاف أن “العشاء الأخير لكارل ماركس” تأتي ضمن هذا الخط التجريبي، ولكنها تختار طابعا تأمليا ومحمولًا بفلسفة السؤال، بدل الاعتماد على الحبكة التقليدية أو الصراع المباشر.
وأكد الكاتب، أن الرواية ليست فقط عن ماركس، بل عن الزمن الاستعماري في الجزائر، وعن سؤال المقاومة الصامتة، وعن قدرة الناس العاديين على إعادة تشكيل نظرة الآخر إليهم، دون أن يحملوا السلاح أو يرفعوا الشعارات.
ولفت إلى أن اختياره للحكاية جاء انطلاقًا من إحساسه بأننا نعيش زمنًا يحتاج إلى مراجعة المفاهيم الكبرى، بما فيها “التحرر”، و«العدالة”، و«المعنى”، من خلال إعادة النظر في سير الشخصيات المؤسسة، وفي طبيعة مواقفها حين توضع وجها لوجه أمام واقع حيّ لا يخضع للتنميط النظري.
وعن رأيه في الجوائز الأدبية، قال الأحمر إن الكاتب الحقيقي لا يكتب من أجل التتويج، لكنه لا ينكر أن الجوائز تلعب دورًا حيويًا في هذا الزمن الثقافي الصعب، من حيث تمكين النصوص من الوصول إلى قرّاء جدد، ومنح الكتاب فرصة للانتشار، والحوار، والتأثير.
وأضاف أن ترشحه في القائمة الطويلة لجائزة كتارا يشكل مسؤولية بقدر ما هو لحظة تقدير، لأنه يذكّره بأن المشروع الأدبي لا يكتمل، وأن كل خطوة في طريقه يجب أن تتجاوز السابقة على مستوى اللغة والفكر والجمال.
وختم بالقول: “أكتب لأنني أبحث، لأنني لا أملك أجوبة نهائية. أكتب لأني مؤمن أن في الأدب قوة لاستعادة ما فاته التاريخ، وما تجاهلته الوقائع. أكتب لأُصغي لما لم يُقَل.. وربما لكي أقول ما كان يمكن أن يُقال”.