مشروع “الإشعاع الثّقافي” يتواصل بدار عبد اللطيف

”تلاقي”..حوار “الفن”و”القانون” ينهـض بالتّـراث المعمـاري

فاطمة الوحش

حماية المباني المصنّفة..آليات تسجيل المواقع والعلاقة بالفضاء العمراني على طاولة النّقاش

انطلقت مساء أول أمس بدار عبد اللطيف بالعاصمة، فعاليات الطبعة الثانية من المشروع الثقافي والفكري “تلاقي”، الذي تنظّمه الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي بالتعاون مع الجمعية الثقافية “التراث” والتجمع الفني”Croisement”. وتمتد التظاهرة إلى غاية 24 جويلية الجاري، تحت عنوان “بناء القانون: التراث المعماري والقانون في الجزائر”. ويطمح المنظمون من خلالها إلى تسليط الضوء على العلاقة المتشابكة بين التراث المبني والقانون، من خلال فتح حوار مشترك بين الفنانين، المحامين، المعماريين والمهتمين بالشأن الثقافي.

 بالتزامن مع هذه الانطلاقة، تأتي التظاهرة في سياق لا يخلو من التحديات، حيث تشهد المدن الجزائرية تغيّرات متسارعة، ويعيش تراثها المعماري لحظة حرجة بين النسيان والمقاومة. فالعديد من الأحياء القديمة، التي نشأ فيها الناس وعاشوا تفاصيلهم اليومية بين جدرانها، بدأت تفقد ملامحها تحت ضغط الإسمنت وتوسّع العمران. من هنا، لم يعد الحديث عن التراث ترفا ثقافيا، بل أصبح قضية يومية تمسّ علاقة الناس بمكانهم، بذاكرتهم، وبالزمن الذي يصنع هويتهم.
وعلى هذا الأساس، تسعى تظاهرة “تلاقي” إلى أن تكون أكثر من مجرد فعالية ثقافية، بل فضاء مفتوح للنقاش العملي، حيث تلتقي التخصصات وتتشابك التجارب لتوليد حلول واقعية. وتطرح أسئلة لا تقتصر على الجانب الفني أو القانوني، بل تمتد إلى طرح تساؤلات عميقة من قبيل: كيف يمكن للمواطن أن يكون شريكًا في حماية ذاكرته المعمارية؟ وكيف نحوّل القانون من نصوص صامتة إلى أدوات حية تخدم المجتمع وتحترم روحه؟
وترى منسقة البرنامج العلمي، المحامية سارة بنشيخ، أن هذه الطبعة الثانية “تأتي لإعادة ربط الفن بالواقع، والقانون بالحياة اليومية، من خلال بلورة توصيات قابلة للتطبيق، تنبع من الميدان وليس من مكاتب مغلقة”. وتؤكد أن التراث “لا يمكن صيانته بالقانون وحده، بل بالحوار، بالإقناع، وبإشراك من عاشوا فيه، وسكنهم كما سكنوه”.

مشروع متعدّد التّخصّصات

ما يميز طبعة هذا العام من “تلاقي” ليس فقط موضوعها الحيوي، بل الطابع التشاركي والمتداخل الذي تنهض عليه، إذ تم انتقاء 28 فنانا ومحترفا من مختلف ولايات الوطن عبر دعوة مفتوحة، جمعت بين التشكيليين، المهندسين المعماريين، المحامين، وطلبة الفنون. ويهدف هذا التنوع إلى خلق بيئة خصبة للتفكير والإبداع المشترك، تُكسر فيها الحواجز بين التخصصات ويُعاد فيها تعريف أدوار كل فاعل في المنظومة الثقافية والمعمارية.
ويشرف على الجانب الفني من المشروع الأستاذ كريم سرقوة، أستاذ الفنون التشكيلية بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، الذي يؤطّر الورشات التكوينية طيلة أيام التظاهرة. وقد عرف اليوم الافتتاحي إقامة معرض جماعي بمشاركة أسماء بارزة مثل نور الزريمي ونبيلة وعودي، إلى جانب عروض فنية معاصرة تدخل في إطار ما يُعرف بـ “التراث الحي”، حيث يتم استحضار المعمار التقليدي من خلال وسائط فنية حديثة، تقترح قراءات جديدة للمدينة والمكان.

نقاشات علمية من قلب المدينة

يتضمّن برنامج “تلاقي” هذه السنة، ندوات علمية تبحث في الإشكالات القانونية المرتبطة بالتراث، مثل: حماية المباني المصنفة، آليات تسجيل المواقع، علاقة المواطن بالفضاء العمراني، ودور الفن في صياغة الذاكرة البصرية للمدن. وتتم هذه النقاشات بحضور محامين، مهندسين، باحثين، وممارسين ميدانيين، بهدف الخروج من منطق الخطابات النظرية إلى مخرجات عملية.
كما تنظّم ورشات ميدانية في الفضاء العام، تسمح للمشاركين بالتفاعل المباشر مع النسيج المعماري المحيط، ما يتيح التفكير في التراث ليس كموضوع مغلق، بل كحقل مفتوح لتجديد النظرة وتفعيل المشاركة. وتعدّ هذه الأنشطة أحد ركائز المشروع، إذ تسعى إلى تحويل المدينة إلى مساحة تربوية، قانونية، وفنية في آن.
وفي ختام التظاهرة، يُنتظر أن تُقدّم مقترحات عملية نابعة من الورشات واللقاءات، بهدف الإسهام في حماية التراث وتفعيله في الحياة اليومية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19825

العدد 19825

الخميس 17 جويلية 2025
العدد 19824

العدد 19824

الأربعاء 16 جويلية 2025
العدد 19823

العدد 19823

الثلاثاء 15 جويلية 2025
العدد 19822

العدد 19822

الإثنين 14 جويلية 2025