في ندوة نظمها المجـمع الجزائري للغة العربيـة

اللّغة الأم.. مكوّن من مكوّنات هوية الفرد وبناء التماسك الاجتماعي

فاطمة الوحش

أقام المجمع الجزائري للغة العربية بمقره، أمسية لغوية خصّصها لدراسة “مظاهر استعمال اللغة العربية وآلياته ومستوياته في الوسطين الاجتماعي والمدرسي من قبل الأطفال الجزائريين”، نشطها عضوا المجمع الدكتورة شريفة غطاس، والدكتور رابح دوب، احتفاء باليوم العالمي للغة الأم، بحضور جمع من رجال الأدب واللغة والثقافة.

قال رئيس المجمع الجزائري للغة العربية، البروفيسور شريف مريبعي في كلمته الافتتاحية التي ألقاها بالمناسبة، إن “المقصود باللغة الأم تلك اللغة التي يتعلمها الطفل منذ ولادته بين أهله وذويه ومحيطه الاجتماعي القريب، إلى أن يصل إلى مرحلة التمدرس”.
وأوضح مريبعي أن هذا اليوم أقرته الولايات المتحدة الأمريكية من أجل ترسيخ فكرة تعدد اللغات وانتشارها والحفاظ عليها من الاندثار، أمام هيمنة بعض اللغات الأجنبية الكبرى مثل اللغة الإنجليزية التي تأتي في مقدمة اللغات المهيمنة في زمننا هذا، وذكر النتحدث، أن “الدارجة التي نتحدث بها مع أطفالنا بعيدة إلى حد ما عن اللغة المعيارية التي يتعلمونها بالمدرسة، وهنا نجد أنفسنا أمام إشكالية لسانية تربوية ينبغي الانتباه لها”.
من جهتها، أكدت الدكتورة شريفة غطاس أن موضوع اللغة الأم شغلها لأكثر من 4 عقود. وانطلقت في مداخلتها الموسومة بـ«تصورات واستراتيجيات التلاميذ ذوي 5 و7 سنوات تجاه لغة البيت ولغة المدرسة” من مقولة مشهورة لنيلسون مانديلا إذ يقول: “إذا تكلمت مع إنسان في لغة يعرفها ويفهمها فقد تكلمت مع فكرة، ولكن إذا تكلمت معه في لغته فقد تتكلمت مع قلبه”، ومقولة أخرى لأحد علماء الاجتماع يقول: “اللغة الأم هي لغة القلب”.
وتطرقت الدكتورة إلى مفهوم اللغة الأم مشيرة إلى أن هذا الأخير ظهر في أوروبا وكان يدل على العامية، وهي اللغة المبتذلة التي يكسبها الطفل من خلال التعامل مع أمه، في مقابل اللّغة العلمية التي تقتضي تعليما وتعلمها صريحا في فضاء مدرسي يستدعي التفكير والمنطق من طرف المتعلم، ومع تطور العلوم النفسية، وعلم النفس اللغوي، وعلم الاجتماع المعرفي، وعلم الاجتماع اللغوي - تقول المتحدثة - أصبح مفهوم اللغة الأم أكثر وضوحا، وصار ينطبق على اللغة التي تكتسب بصفة عفوية خلال التفاعلات اللغوية والاجتماعية مع محيط الطفل.
وأشارت شريفة غطاس، إلى أن للغة الأم وظائف عديدة كونها الوسيلة المثلى للتنشئة الاجتماعية وبناء التماسك الاجتماعي، كما أنها مكون من مكونات هوية الفرد التي تمنحه الثقة والتماسك، وهي أيضا قاعدة أساسية متينة يكتسبها الطفل للتفكير والتفسير والبرهنة، مؤكدة أنها - أي اللغة - المرجع الأساسي للمتكلم.
وأوضحت المتحدثة أن المجتمع الجزائري معروف بالتعددية اللغة منها: العربية بمستوياتها، اللغات المختلفة والفرنسية، إضافة إلى اللغة الإنجليزية التي عرفت في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا وسط الجزائريين، وقالت الدكتورة أن هناك “تحولات اجتماعية ثقافية حضارية كبيرة طرأت على المجتمع الجزائري”.
كما عرضت غطاس نتائج الدراسة الميدانية المزدوجة التي أجرتها مع بعض التلاميذ في الابتدائية، إذ تبين أنّ التلاميذ يتبنون ثلاثة استراتيجيات؛ استراتيجية التواصل بين اللغة الدارجة واللّغة الفصحى، استراتيجية الاستبدال وحسن التخلص، استراتيجية الانغلاق على النفس.
من جهته، تحدث رابح دوب في مداخلته المعونة بـ«تهذيب السنن اللغوي بين تلقائية لغة الأم ومعيارية اللغة الأم”، عن إشكالية لغة الأم واللغة الأم، قائلا: “أن هناك فجوة كبيرة في لغة الأم لأن هناك مشكلة بين اللغة المعيارية واللغة التي نتحدث بها”.
وأشار دوب، إلى أن “المدرسة السجن” التي تحدث عنها محمد علي خليفة في كتابه، تقضي على تلقائية اللّغة التي يكتسبها الطفل، مؤكدا أن للطفل الصغير من 5 إلى غاية 7 سنوات قابلية عجيبة للحفظ، لذلك يمكنه في هذه السن أن يتعلم لغة ثانية وثالثة، لكنه لا يتعلّمها بالمعيارية أو بالقواعد.
ولفت المتحدث - في السياق ذاته - إلى أن عدو اللغة هو فرض المعيارية على الطفل مستشهدا بقول أبي حيان التوحيدي في كتابه “البصائر والذخائر” أنّ “العرب ترفرف على الأعراب ولا تتفيقه به”، ليذكر أن هناك كثيرا من الألفاظ في لغتنا الدارجة فصيحة مثل “زاڨات عليك” هي باللغة العربية الفصحى “الزاقوآت” بمعنى الموت المحتم، و«بتية” التي هي الباطية التي يعتق فيها الخمر، وعرمة أو عرام ومعناها العرمرم وقد وردت عند عنترة بن شداد.
وختم الدكتور رابح دوب حديثة بالقول “ينبغي التقريب من المعيارية والتلقائية... يجب أن نجد جسرا للتواصل ونقرب الفجوات”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024