الدكتور محمد جلاط (شاهين دواجي) 

الرسالة في ظلّ الخوارزمية.. ثقب أسود في النفس

فاطمة الوحش

يرى الدكتور محمد جلاط، المعروف في الأوساط النقدية والأدبية بـ«شاهين دواجي”، أن الحكم على نهاية عهد الترسل يكون قاسيا، نظرا لأن هناك الكثير مما يشي ببقاء هذا الفن، وأشار إلى أن التضاؤل في الترسل يعود إلى تعاظم المدّ السّردي، ودخول التكنولوجيا التي قرّبت المسافات.

وذكر دواجي في تصريح لـ«الشعب” أن “الترسل والرسالة، فنّ نابعٌ من صلب العلاقات بين البشر، القصد منه ما يبتعث من كلام من مرسل إلى مرسل إليه، في موضوعٍ ما، قدْ ينقل هذا الموضوع بطريقة المشافهة، أو الكتابة من خلال وسيلة ما. غير أنّ الترسّل ربّما تمّ عن طريق الإيحاء والترميز، كمثل ما أثر من عادات العرب القديمة حيث يتعرّى الفرد حين يروم إنذار قومه بخطرٍ محدق، ومن هنا سار قولهم: “أنا النذير العُريان”.
وأشار المتحدث، إلى أنه “لا يمكن كذلك أنْ يخلو الشّعر من الترسّل، وهذا مشهورٌ قديما وحديثا من “أبلغ إيادا للقيط”، إلى “ألا لا تلوماني” لعبد يغوث “لَيتَ للِبَرّاقِ عَيناً” لليلى العفيفة؛ وكلّها نصوص ذات رسائل لها خصائص الرسالة المتعارف عليها، صاغتها عبقريّة شعرية لم يكن له إشكال مع تفاصيل الشعر”.
وقال دواجي: “سيكون حكماً قاسيا أنْ نحكم على نهاية عهد الترسّل في المجتمع الحديث - ومنه المجتمع الجزائريّ - لأنّ هناك الكثير مما يشي ببقاء هذا الفنّ؛ من خلال الترسّل القائم بين مختلف الإدارات والهيئات، وما يمكن مناقشة تضاؤله وهو ما يشكّل المقروئيّة لهذا الفنّ هو الترسّل الوجدانيّ الذي يتمّ من خلال لغة خاصّة،  لها خواصّها الوظيفيّة واللسانية، والذي أسّس له ابتداءً من عصر النهضة جبران ومي، ولاحقاً عرفنا ترسّلات غسان”.
وحسب تصور المتحدث، فانّ هذا التضاؤل في الترسل يعود إلى تعاظم المدّ السّردي، حيث صار الترسّل يتمّ من داخل الرواية والقصّة، وثانيا دخول الرقميات على الخطّ، التكنولوجيا التي قرّبت المسافات، وأنهتْ معها لواعج الشوق والنأي الذي كان يعانيه المغتربون، فصار بإمكان الإنسان أنْ يقوم بكلّ التزاماته من عزاء وتهنئة ومعايدة.. من خلال رسائل قصيرة تختزل الجهد والوقت، وهو ما يطرح إشكالا وجوديا سيحدّد مصير الإنسان لقرون لاحقة، وهو تغوّل الخوارزمية في حياة الإنسان.
ولفت محدثنا - في السياق ذاته - إلى أن الرسالة الورقية كانت تحمل في ثنايا علاماتها اللغويّة دفء العاطفة الإنسانية، لأنّها كانت بين أناس يلتقون واقعاً، وأمّا ما يحدث عبر الخوارزميات فإنّه يمثّل لحظة استسلام الإنسان للخوارزمية التي لا تؤمن بالدفء العاطفيّ، سيكون إفلاساً حقيقيا أنْ يفوّض الإنسان الخوارزمية كي تتحدّث باسمه، وهو ما ظهر في البرود الذي تشهده العلاقات الإنسانية.
وختم دواجي حديثة بالقول إن: “بعد هذا الإنسان مخيّر بين أنْ يتخلّى عن الرفاه الذي وفّرته الرقميات، أو أنْ يسير في الطريق الذي تحدّده الخوارزمية كمرجعية كونية، وأيّا كانت إجابة البعض عن هذا الإشكال بأنّ الإنسان في تحليله للبيانات الخوارزمية يكتب ذاته ووجدانه، فستظلّ الرسالة في ظلّ الخوارزمية ثقبا أسود في النفس، لأنّنا نحتفي بالرقم، بينما ما يرمّم تهالك الإنسان هو الاحتفاء بالروح. كما أنها تمتص من أعمارنا وطاقاتنا الفكرية والعاطفية والروحية الشيء الكثير دون أن تثمر غالبا في النهاية ثمارا حقيقية”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024