عبر ندوة علمية افتراضية نشّطها أكاديميون مختصون

المجمع الجزائري للغة العربية يحتفي بالمخطوط العربي

فاطمة الوحش

احتفى المجمع الجزائري للغة العربية بيوم المخطوط العربي، عبر ندوة علمية افتراضية تحت عنوان: “التراث المخطوط: أهميته، وآليات خدمته”. نشطّها أساتذة أكاديميون حاولوا من خلالها إظهار أهمية المخطوط الجزائري والعربي بصفة عامة وإبراز دوره في الحفاظ على الهوية وشخصية الأمة الجزائرية وثقافتها وتحدّيات الصراع الحضاري الذي ما انفك يتفاقم في الظروف الراهنة، وحمايته من عبث الأيدي وعوادي الدهر وصيانتها والحيلولة دون تشويهها. والتفكير في جمع الجهود التي بذلت في دراسته وتحقيقه.

أكد الدكتور بشير إبرير خلال الندوة، ان التراث يمثل ذخيرة حية أصيلة أصالية يمكن توظيفه واستثماره في تدبير شأن الأمة في مجالات عديدة؛ وبخاصة في البحث اللغوي وما يتعلق به من مرجعيات فكرية وفلسفية ودينية روحية.. موضحا ان العرب القدامى أولوا لغتهم عناية كبيرة، فدرسوها من جميع نواحيها، وأسسوا مفاهيمها ومصطلحاتها وجمعوا ألفاظها، ووصفوها وصنفوها وشرحوها وحللوها وفسروها وأولوها، وحددوا أبنيتها وسياقاتها، ومقاماتها الاستعمالية؛ ذلك ما يجده القارئ الباحث الحصيف للتراث العربي بمختلف تنوعاته مثل: مصنفات النحو وأصوله، وما يمثله التراث البلاغي في جانبه الفني والأدبي والنقدي.
مضافا إلى ذلك الجانب الكلامي المهتم بإعجاز القرآن وعلم الكلام. وما تعلق بأصول الفقه وكتب التفاسير. وما يخص المعاجم وصناعتها. ونضيف إلى كل ذلك الجانب التربوي –يقول ذات المتحدث-.
ويضيف: “هذا يؤكد أن التراث ذخيرة علمية ولغوية ومعرفية ثرية خصبة يمكن الانطلاق منها بدراستها وتعميق البحث فيها وإخراج ما بها من أسرار وفوائد من مستوى الكمون الساكن إلى مستوى التحقق، ومن مستوى الموجود بالقوة إلى الموجود بالفعل” .
كما لفت يبرير، الى انه لا يمكننا الانطلاق من العدم وإنما نحن مثقلون بدين كبير لعلمائنا السابقين نستلهم مما أورثونا من تراكم لغوي وثقافي له فرادته وتميزه. مؤكدا انه علينا أن نقرأ تراثنا بعيوننا نحن لا بعيون الآخرين قراءة واعية باصرة به من نواح عديدة فكرية ومنهجية ومعرفية، قائلا ان المسألة لا تتعلق باستعادة التراث بسذاجة والتقوقع في بعض هوامشه، وإنما تتعلق بثوابتنا الفلسفية، بمفهومنا عن التاريخ وعن اللغة وعن الهوية.
من جهته ذكر الدكتور عبد الكريم عوفي في مداخلته “ثقافة المفهرس والمحقق”، ان التراث العربي الإسلامي الذي أُنتج عبر العصور المختلفة، أغنى تراث عرفته الشعوب والأمم، فهو يتبوأ المركز الأول، من حيث كميته وثراؤه، وهو يوجد بغزارة في كبريات مراكز البحث العلمي في أنحاء شتى من العالم، وذلك لتميزه في مضامينه ومناهجه، ففي تلك المراكز الخارجية آلاف المخطوطات، كما هي بالملايين في أوطانها الأصلية، وهو يشكل معلما بارزا في حضارة الأمة العربية والإسلامية.
وأشار عوفي، الى ان المشتغل بالتراث المخطوط في مجالاته المختلفة يحتاج إلى ثقافة موسوعية خاصة، حتى يتمكن من خدمة المخطوط وإخراجه على الوجه الأكمل، ولذلك فإن التسلح بالثقافة الواسعة والمعرفة العلمية هو مفتاح الدخول إلى عالم المخطوطات، وثقافة المفهرس والمحقق من الموضوعات التي يوصي بها المشتغلون بعلم المخطوطات؛ فهرسة ورقمنة وتحقيقا ودراسة ونشرا، مؤكدا ان العمل في حقل المخطوطات يتطلب من صاحبه أن يكون على قدر عال من الثقافة العربية الإسلامية التراثية والفكرية والمنهجية واللغوية، وغيرِ ذلك مما له صلة بالعلوم المختلفة التي ينتمي إليها موضوع المخطوط المراد فهرسته ورقمنته أو تحقيقه ودراسته، فالمفهرس والمحقق –حسبه- ينبغي أن يكونا قارئين واعيين ناقدين، لا مجرد ناقلين أو مرددين، فهما يحتاجان إلى التحلي بصفات خاصة، كالإيمان بالتراث، والأمانة العلمية، والتخصص في المجال الذي ينتمي إليه المخطوط، ومعرفة مصطلحاته، لأن توفر الحس اللغوي عند المفهرس والمحقق يؤدي إلى فهم النص، الذي قد يأتي في صور أسلوبية تبدو أحيانا غريبة.
وخلال حديثه عن “المخطوطات الجزائرية وتحديات الرقمنة” قال الدكتور أحمد جعفري: “ليس من المبالغة في شيء إذا قلنا إن المخطوطات العربية هي من أقدم الآثار الفكرية والإنسانية التي وصلتنا سالمة حتى هذا العصر، وليس من المبالغة في شيء كذلك إذا قلنا إن المخطوطات العربية قد فاقت في عددها وتنوعها أي تراث فكري عالمي آخر. لكن مع كل هذا فقد استطاع العدد القليل من هذا الإرث أن يفلت من قبضة الزمن وظل هذا القليل ولفترة طويلة يصارع الزمن مجهولا عند عامة الباحثين لعدم وجود فهارس وتحقيقات تذكر”.
وأكد المتحدث في السياق ذاته، انه على قدر أهمية المخطوط في حفظ المعارف الإنسانية ونقلها إلى الأجيال تأتي الأهمية في جمع هذه المخطوطات وفهرستها وجردها ثم بعد ذلك رقمنتها، من أجل تسهيل تحقيقها وإخراجها من غياهب النسيان وعاديات الدهر ليستفاد منها في شتى معارف الإنسانية، لافتا الى انه بارتقاء البحث العلمي والمعارف الإنسانية ارتقت وسائل جرد المخطوطات وفهرستها وإحصاءها، وأضحى الباحثون في علم التحقيق يستعينون بهذه الوسائل التي تذلل التحقيق وتيسر سبله للباحثين والمشتغلين بهذا العلم.
وقال احمد جعفري “الجزائر كغيرها من الحواضر العلمية تنام على خزان هام من المخطوطات في مختلف التخصصات وهي موزعة في نسخها وأماكن حفظها على خزائن عامة وخاصة في مختلف الحواضر العلمية عبر العالم.”
وأضاف: “من هذا المنطلق ارتأى مخبر المخطوطات الجزائرية في إفريقيا بجامعة أدرار أن يؤسس لعمل إلكتروني يتماشى ومتطلبات العصر بهدف رقمنة ما أمكن من المخطوطات الجزائرية المحفوظة في الداخل والخارج ومن ثم إتاحتها لكافة الباحثين والدارسين فكانت الأرضية الرقمية الموسومة بـ : البوابة الجزائرية للمخطوطات التي تعنى بداية بفهرسة وجرد أكبر قدر ممكن من هذا الإرث التاريخي داخل الجزائر وخارجها لتكون البوابة دليل الباحثين ومرشد المهتمين في هذا المجال.”
وفي السياق ذاته أشار الدكتور محمد سماير، الى ان التوجه نحو الرقمنة في عالم المخطوط واقع تفرضه لغة العصر وظروفه المجبرة على المسايرة والانتظام في الركب، علاوة ما يحققه من أهداف تدور في فلك الإتاحة والصيانة، والمحافظة على الأصول، والمعالجة لتسهيل قراءة النص، موضحا أن الرقمنة ليست قصرا على التصوير فحسب، بل ان الرقمنة بمفهومها الموسع تشمل بخدماتها المخطوط بجانبيه المادي والعلمي بتحويلها لمصدر المعلومات التقليدي المتواجد بشكله الورقي أو ما هو في حكمه كوسيط تخزين تقليدي، إلى شكل إلكتروني، يمكن استغلال جملة من الوسائل التكنولوجية والممارسات الرقمية للتمكِّن من الاطلاع عليها أو معالجتها باستعمال الحواسيب وأدوات الإخراج الإلكترونية مما ييسر دراسة المخطوط وتحقيقه، زيادة على حفظه وإتاحته.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024