الكاتب أحمـد سالمي لـ”الشعب”:

القصـة الــقصيرة .. الفن الأكثر تعبـيرا عن روح العصر

حوار: فاطمة الوحش

إذا أردت أن تصــبـح كـاتـبا جــيدا عـلـيك أن تــكون قــارئا ممــتـازا

الكاتب أحمد سالمي، أستاذ اللغة العربية في الطور الابتدائي، يحضر لشهادة الدكتوراه في تخصص إدارة الأعمال بجامعة الجزائر، مهتم بالأدب عموما والرواية وفن القصة القصيرة خصوصا، رئيس ومؤسس نادي كتاب مفتوح للقراءة والكتابة الابداعية الذي ينشط منذ أربع سنوات متواصلة التابع لمكتبة المطالعة العمومية لبوسعادة، الذي يهتم بتشجيع الشباب على القراءة ويهدف إلى تكوين شباب في مجال الرواية والقصة القصيرة وذلك بتنظيم ورشات عن تقنيات الكتابة الأدبية.
في هذا الحوار مع “الشعب”، نحاول اكتشاف عالمه الأدبي ورأيه في بعض القضايا الثقافية الراهنة.

-  ”الشعب”: لماذا اخترت كتابة القصة القصيرة وليس جنسا آخر؟
 أحمد سالمي: توجد نظرية في إدارة الأعمال تسمى استراتيجية المحيط الأزرق مفادها أن الأسواق نوعان أسواق مزدحمة بالمتنافسين تدعى المحيطات الحمراء وهناك أسوق بكر لم يقتحمها أحد خالية من المتنافسين تدعى المحيطات الزرقاء. في الجزائر خصوصا وفي الوطن العربي عموما هناك اهتمام أكبر بفن الرواية مقارنة بالقصة القصيرة.
لم تنل القصة القصيرة الحظ الوافر من الرعاية والاهتمام سواء من الكتاب أو من القراء او حتى من الهيئات المنظمة ودائما ما يكون هناك تحيز للرواية على حساب باقي الفنون الأدبية. من أجل هذا أردت دخول دهاليز هذا العالم عالم القصة القصيرة.
وهناك سبب آخر للتوجّه نحو القصة القصيرة هو مقتضيات العصر الذي نعيشه والذي يتميز بالسرعة والقصر والاختصار في كل شيء تقريبا، فمن الصعب جدا أن يقرأ الشاب رواية تتكون من ستمائة صفحة هذا على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، لذلك أعتقد أن القصة القصيرة هي مناسبة لهذا العصر ولفئة الشباب.

- من أين يأخذ القاص الفكرة.. والنواة للشروع في كتابة أي قصة؟
لا تخطيط لذلك، ففكرة كل قصة هي من محض الصدفة، فلكل قصة حكاية قد تكون هذه الفكرة عن خبر في جريدة أو في التلفاز أو حتى قد يكون مصدر هذه الفكرة جلسة في مقهى، وقد تكون قصة حقيقية وأعيد صياغتها بطريقة أدبية، فمثلا هناك بعض القصص الحقيقية التي حدثت معي شخصيا، فعلى سبيل المثال قصة وفاة ابن عمي البالغ من العمر أربعين عاما والذي زار والده المريض البالغ من العمر ستة وتسعين عاما وفي طريق العودة وافته المنية بسكتة قلبية هذه القصة أثرت بداخلي كثيرا وأحزنتني وكانت احدى القصص في هذه المجموعة فلكل قصة حكاية.

- دعنا نقف عند عنوان مجموعتك القصصية “وجهان”، كيف تشرح لنا هذا الاختيار؟
 الوجه الأول هو الانسان، لا يكون الانسان صادقا الا إذا كان متناقضا فجميعنا دون استثناء نحمل هذه التناقضات في أنفسنا نحزن ونسعد نحب ونكره نكون صادقين وفي بعض الأحيان قد نكذب، هذا هو الانسان كتلة من التناقضات لكل واحد منا وجه خفي لا يمكن أن يراه إلا هو.
• الوجه الثاني هو الحياة، فكل ما نعيشه في هذه الحياة يحمل وجهان دائما ما أشبه الحياة بالقمر جاني مضيء وجانب مظلم، دائما ما ننبهر ونعجب بالقمر لكننا ننسى أن هناك الجانب المظلم من القمر، جانبا مظلما مخيفا لا يراه أحد.

-  حدثنا عن فحوى المجموعة، وماهي أبرز القضايا التي ركزت عليها المجموعة؟
 مجموعتي القصصية وجهان تتكون من جزئين:
قصص قصرة جدا: تتكون من أربع وثلاثين قصة قصيرة جدا قصص كلماتها جد محدودة وفي أسطر محدودة جدا قد لا تتجاوز الثلاث أسطر في بعض الأحيان، لكل قصة عبرة وهدف وفي الأحيان قد تكون هذه القصة غامضة وهذا من أجل أن أدع القارئ ليقوم بالتأويل على طريقته الخاصة بهدف أن يكون جزءا من هذه القصة.
قصص قصيرة: عبارة عن سبع قصص قصيرة لكل قصة حكايتها دارت أحداث هذه القصص في مدن مختلفة من العالم، تورينو، باريس، الجزائر وغيرها، تحدثت فيها عن الحب، الحرب، الخيانة، كرة القدم وغيرها.
الركيزة الأساسية في هذه المجموعة القصصية هو الانسان فعلى ظهر هذه المجموعة القصصية كتبت: “لا يستطيع الانسان التوقف عن السرد ففي كل يوم وفي كل زمان وفي كل مكان هناك سرد، حكايات وقصص لا تنتهي، فمنذ الخليقة إلى غاية اليوم والاسان يحاول أن ينقل خبراته تجاربه والأحداث التي مرّ بها عن طريق فن الحكي، فالإنسان هو القصة والقصة هي الانسان ولا يمكن أن يوجد انسان دون أن يسرد القصص والحكايات”.
تكلمت عن كل مشاعر الانسان الحب الخيانة الكبر الحزن الوفاء والمحور الاساسي طبعا هو الانسان وفي بعض الأحيان عبرت بطريقة ساخرة عن كل هذا التضارب في هذه المشاعر المتناقضة المتضاربة.

-  في رأيك إلى أي مدى تساهم أدوات القاص اللغوية في تطوير أسلوبه القصصي؟
 دائما ما أقول إذا أردت أن تصبح كاتبا جيدا عليك أن تكون قارئا ممتازا، كل ما نقرأه يخزن في العقل اللاواعي العقل الباطن، وسيخرج بطريقة ما لاحقا عند الكتابة وسيؤثر في طريقة وأسلوب القاص بطريقة لا شعورية.
القراءة ضرورية للكاتب فهي الخطوة الأولى التي تسبق الكتابة وأنا دائما ما أشبهها بعملية الشهيق والزفير، كذلك القراءة والكتابة هما عمليتان متلازمتان لا نستطيع أن نفصل احداهما عن الأخرى.
 إذن كلما كان الكاتب قارئا هذا بالتأكيد سيؤثر على كتاباته مستقبلا وإذا أراد القاص تطوير مستواه وأسلوبه السردي عليه بالقراءة الكثيرة والمتنوعة والمستمرة.

-  ماهي مكونات القصة الناجحة حسب تصورك؟
 قبل التطرّق لمكونات القصة الناجحة دعينا نتكلم عن تعريف القصة القصيرة أولا، فأبسط تعريف لها أنها أولا قصة وثانيا قصيرة.
القصة القصيرة، لها مكونات وأركان يجب على كل قاص أن يحترمها وإلا سيجد نفسه قد خرج عن هذا الصنف الأدبي، هي:
-  الإطار الزماني والمكاني: والذي يكون على نطاق ضيق زمان واحد ومكان واحد محدد على عكس الروايات التي قد نجد فيها أزمنة متلاحقة بل في بعض الروايات نجد حتى أجيال متلاحقة وأيضا أماكن متعدّدة.
-  الشخصيات: عادة ما تكون الشخصيات محدودة في القصة القصيرة وهناك شخصية واحدة محورية تدور حولها كل الأحداث.
- الحدث: فلكل قصة حدث معين يكون بمثابة عقدة أو صراع وهو محور القصة ويكون عادة في منتصف القصة.
- النهاية: هي حل العقدة أو نهاية الصراع الذي دارت من أجله القصة ولكل قصة نهاية سواء كانت نهاية مفتوحة أو نهاية حاسمة.
ثم القصة القصيرة جدا:
روى كاتب الخيال العلمي آرثر سي كلارك أن الكاتب الأمريكي أرنست همنغواي قد ربح رهانا مع أصدقائه في أحد المطاعم ودفع كل واحد منهم 10 دولارات وكان هذا الرهان هو أن يكتب همنغواي قصة تتكون من ست كلمات فقط فأخذ همنغواي منديل ورقيا وكتب عليه:
“For sale: baby shoes، never worn” “للبيع… حذاء طفل لم يلبس قط”
تعتبر هذه الحادثة التي وقعت سنة 1925 هي ميلاد القصة قصيرة جدا وأطلق عليها أيضا تسمية الومضة القصصية Flash fiction
بهذه الكلمات الست استطاع همنغواي بناء فن جديد من الأدب لا يزال صادما لغاية اليوم.
فالقصة القصيرة جدا تختلف نوعا ما عن القصة القصيرة فلها مجموعة من الأركان والتي يمكن أن نختصرها في حروف ثلاث حاء ميم تاء وعند جمع هذه الحروف الثلاث نكون قد شكلنا كلمة حمت.
• الحكائية: الحاء تشير الى الحكائية فلكل قصة قصيرة جدا حكاية معينة
التكثيف: التكثيف يشير الى القصر والاختزال فلا توجد أية كلمة زائدة عن الحاجة.
المفارقة: المفارقة هي نهاية القصة غير المتوقعة والتي تفاجئ القارئ وتجعله في نهاية القصة مندهشا من هذه النهاية غير المتوقعة.
القصة الناجحة باختصار هي القصة التي تترك أثرا في نفس القارئ وتلمس جانبا معينا من جوانب نفسه، القصة النجاحة هي القصة التي يتذكرها القارئ بعد أن ينهي قراءة الكتاب.

- ما نوع الدعم الذي يحتاجه المبدع المثقف في الوقت الراهن؟
 المبدع يتطلّع دوما الى تثمين عمله والاهتمام به وتسليط الضوء على ما ينتجه، إن ما يبذله الكاتب في سبيل أن يرى عمله النور الكثير والكثير جدا، فهو يستنزف الكثير من وقته وماله وفكره، المثقف هو وحده من يعرف قدر المعاناة والجهد والتعب في سبيل كتابة نص واحد، لذلك فمن الواجب أن يكون هناك تثمين لكل هذا العناء.

-  ماذا تستشرف في أفق القصة القصيرة حاليا؟
 القصة القصيرة في الجزائر كانت انطلاقتها مع حمار الحكيم لأحمد رضا حوحو ومن ضمن هذه النصوص لا أزال أتذكر لغاية اليوم نصّ حمار الحكيم والزواج الذي درسناه في المرحلة الثانوية والذي بقي راسخا في عقلي لحدّ الآن.
حاليا القصة القصيرة في الجزائر لا تزال تخطو خطواتها الأولى مقارنة ببعض الدول العربية على غرار مصر والأردن، فهي تحتاج للكثير من العمل، هنا في الجزائر هناك اهتمام أكثر بفن الرواية مقارنة بالقصة القصيرة، رغم بعض المحاولات من أجل تشجيع هذا الفن، لكن رغم هذا تحتاج القصة القصيرة الى بذل الكثير من الجهد والعمل سواء من الكتاب أو القراء أو من الهيئات الرسمية أو من وسائل الاعلام من أجل تشجيع هذا الفن الأدبي.

كلمة أخيرة؟
كلمة شكر لجريدة “الشعب” لإتاحة الفرصة لأنزل ضيفا على صفحاتها وشكرا لكل من كان جزءا من المجموعة القصصية وجهان.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024