الأستاذ فؤاد جدو يقف عند أبعاد الأزمة في مالي

لابدّ من حلّ توافقي بين السلطة والمعارضة وتفادي العنف

حوار: إيمان كافي

تقف «الشعب» مع السيد فؤاد جدو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بسكرة، عند التطوّرات الخطيرة التي تشهدها دولة مالي على ضوء الاحتجاجات التي تهزّ العاصمة باماكو، منذ نهاية الأسبوع الماضي، للمطالبة بتنحي الرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا.
«الشعب» تحاول فهم خلفيات الأزمة التي تعيشها الجارة الجنوبية، والأسباب التي تدفع المعارضة هناك للإصرار على تنحية الرئيس الذي يقود البلاد منذ 2013، وتبحث في انعكاسات عدم الاستقرار في مالي على المنطقة والإقليم عموما، وعلى الجزائر خصوصا.

- « الشعب»: ما هي قراءتكم للوضع في مالي على ضوء الأزمة السياسية المتفجّرة هناك؟
 الأستاذ فؤاد جدو: ما يحدث في مالي في الفترة الأخيرة يعبّر عن تراكمات منذ إعادة انتخاب الرئيس المالي إبراهيم أبوبكر كيتا في 2018، وتأزّم الوضع أكثر بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في مارس الماضي، حيث رفضت المعارضة هذه النتائج خاصّة بعد أن ألغت المحكمة الدستورية أصواتا فازت بها المعارضة، ما دفع هذه الأخيرة إلى تحريك الشارع وتنظيم احتجاجات رفعت سقف المطالب عاليا ودعت إلى استقالة رئيس الجمهورية، وبالتالي إذا نظرنا إلى هذا المشهد السياسي، نجد أنه حوصلة لعدم قدرة النظام الحالي على الاستجابة لمطالب الشعب المالي مع الوضع الاقتصادي والأمني الصعب الذي تعيشه البلاد في ظل التحولات الإقليمية، وللأسف فإن المشهد عرف سقوطا لضحايا مدنيين وبالتالي فالأولوية أن تجد السلطة والمعارضة حلولا سريعة لاحتواء الوضع قبل أن يعرف انفلاتا أمنيا يصعب التحكم فيه.
-  التوتر الذي تعيشه دولة مالي مدفوع بعدة أسباب لعل أهمها، رغبة المعارضة وإصرارها على تنّحي الرئيس، فلماذا تريد المعارضة رحيل كيتا، وهل من عوامل أخرى وراء التصعيد الذي تشهده الجارة الجنوبية؟
 إذا استطعنا أن نحدد أسباب التوتر في مالي، فيمكن الإشارة إلى نقاط معينة تتعلق أولا بالمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها المواطن وهي في تزايد، فرغم أن مالي من بين أفقر الدول في العالم، إلا أن انتخاب الرئيس كايتا والوعود التي قدمها كانت تضع أملا في التغيير خاصة على مستوى  الدّفع بعجلة التنمية المحلية ومواجهة مظاهر الفقر والبطالة والإرهاب، لكن الواقع بعد سبع سنوات لم يكن في مستوى التطلّعات، وظلّ الشمال مصدر توتّر أمني واستنزاف للأموال خاصة مع رفع نفقات الجيش المالي وعمّق الأزمة الاقتصادية، ثانيا إعادة تشكيل المحكمة الدستورية التي رفضتها المعارضة وخاصة ممثلي رئيس الجمهورية في المحكمة، رابعا الانتخابات التشريعية التي تم إجراؤها في مارس الماضي والتي اعتبرتها المعارضة غير نزيهة ولا تعبر عن حقيقة وإرادة الشعب المالي، خامسا، ضعف الأداء الحكومي وبقاء مظاهر الفساد. هذه أهم العوامل التي دفعت بالشارع المالي إلى الاحتجاج على الأوضاع والمطالبة باستقالة الرئيس.
-  الأزمة السياسية في مالي تضاف إلى وضع اجتماعي واقتصادي صعب، وإلى تدهور أمني بفعل التهديد الإرهابي وتنامي العنف العرقي، ألا تخشون أن تقود هذه العوامل دولة مالي إلى ما لا يُحمد عقباه؟
إذا تواصل الوضع على ما هو عليه، واستمرّت القبضة الحديدية بين الرئيس والمعارضة  دون بلوغ حلّ وسط، فذلك  سيؤدي إلى حدوث تصادمات كما حدث يومي الجمعة والسبت الماضيين، أين سقط ضحايا بسبب المواجهات بين الشرطة والمحتجين، بل وصل الأمر إلى اقتحام مبنى الإذاعة والتلفزيون وحتى البرلمان، وبالتالي التنازلات التي قدمتها السلطة وهي تشكيل حكومة جديدة وسحب وحلّ المحكمة الدستورية لم تقنع المعارضة التي لم تعد ترضى إلا برحيل الرئيس، لذا فإن الوضع إذا استمر على ما هو عليه سيتعفن أكثر خاصة مع هشاشة الوضع في شمال مالي وانتشار الجماعات الإرهابية، وبالتالي فالأمر لا يحتمل الحدية والاستقطاب بقدر ما يحتاج إلى الجلوس إلى الحوار والوصول إلى نقاط مشتركة تخدم المواطن المالي.
- الأكيد أن للتواجد العسكري الفرنسي دوره، فيما يجري من تصعيد هناك، ما قولكم؟
 التواجد العسكري الفرنسي في مالي لا يختلف عليه اثنان، ففرنسا لديها مصالح في مالي والساحل الإفريقي عموما،خاصة في المناطق المشتركة بين مالي والنيجر، أي مناجم اليورانيوم، وأيضا أصبح الدور أكثر ضبابية بعد إعلان فرنسا مقتل زعيم تنظيم القاعدة الارهابي، وبالتالي هناك تغير في الأدوار المؤثرة في المشهد الأمني والسياسي في المنطقة، ونجد أن الموقف الأمريكي كان واضحا في هذا المقام عندما صرح بأنه يرفض أي تغيير سياسي بالقوة، وفرنسا إلى غاية الآن ما يهمها فقط، هو تأمين مصالحها في المنطقة وستبقى تراقب الوضع خاصة أن الشارع المالي يرفض التواجد الفرنسي واحتج أكثر من مرة عليه وهنا المشهد خاضع لكل الاحتمالات.
- صراع دموي في ليبيا وتوتّر سياسي وأمني في مالي،الأكيد أن الأمر مثير للقلق بالنسبة للجزائر، ما تعليقكم؟
 أكيد أن ما يحدث في مالي وليبيا ينعكس على الجزائر خاصة في الشق المتعلق بالأمن الإقليمي أو ما نعبر عنه بالتهديدات الأمنية، وبالتالي من صالح الجزائر أن يعمّ الاستقرار والأمن في المنطقة لأن أي اضطراب سيؤدي إلى حركة نزوح للاجئين من مالي نحو الجزائر خاصة إلى الجنوب، وقد يتسلّل الإرهابيون بين أمواج اللاجئين، كما أن تدفق السلاح من ليبيا قد يعطي أيضا مساحات أكبر للجماعات الإرهابية التي تتخذ من الصحراء الكبرى مجالا لحركتها مع الفراغ الأمني في ليبيا والتي تتغذى أيضا على عدم الاستقرار في مالي، وهذا سيزيد من الضغط على الجزائر أمنيا، لهذا تسعى الجزائر بكلّ جهدها إلى احتواء الوضع ودعم الاستقرار في هذه الدول لأن استقرار هذه الدول من استقرار الجزائر.
- ما تصوّركم لمستقبل الوضع في مالي؟
 أعتقد أن التطورات الراهنة في مالي لا يمكن أن تحل من طرفي الخلاف في الداخل، حيث يتطلب الأمر تدخل مجموعة الساحل الإفريقي، وعلى الجزائر أيضا أن تلعب دورا أساسيا إلى جانب الاتحاد الإفريقي والقوى الكبرى، وإن كنا لا نتوقع الكثير من هذه القوى بقدر ما يجب أن تلعبه الجزائر والاتحاد الإفريقي من دور في تقريب الرؤى، وإلا لن يكون هناك خيار آخر في ظل رفض المعارضة لكل التنازلات التي قدمها الرئيس المالي سوى استقالة الرئيس.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024