دعت الجمهورية الصحراوية، في مداخلة قدّمتها خلال الدورة 83 للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، المنعقدة في عاصمة غامبيا، بانغول، في الفترة من 2 إلى 12 ماي الجاري، إلى فتح تحقيق دولي وأفريقي في حالات الاختفاء القسري في الأراضي الصحراوية المحتلة الواقعة تحت الاحتلال المغربي غير الشرعي.
مثّل الجمهورية الصحراوية في هذه الدورة السفير ماء العينين لكحل، حيث أشار إلى أن الجمهورية الصحراوية “لا تطالب بأقل من كرامة الحقيقة، واستعادة العدالة، ووضع حد للإفلات من العقاب”، كما حثت اللجنة على “إبقاء قضية الاختفاء القسري في صدارة جدول أعمالها في مجال حقوق الإنسان.”
وقد أوردت الجمهورية الصحراوية الديمقراطية في مداخلتها، بأن الاختفاء القسري لا يزال واحداً من أفظع وأطول انتهاكات حقوق الإنسان التي يعاني منها الشعب الصحراوي، وهو ناتج عن الاحتلال الاستعماري المغربي المتواصل للصحراء الغربية منذ عام 1975. وأكّدت أن هذه الظاهرة تركت ندوباً عميقة على الأفراد والعائلات، وأثرت على الهوّية الجماعية للشعب الصحراوي، وتشكل جريمة ضد الإنسانية وهجوماً ممنهجاً على حقوق الإنسان وعلى الذاكرة الجماعية.
معدّل الاختفاء هو الأعلى عالميا
وبسبب الطبيعة السرّية للاختفاء القسري المتواصل منذ عام 1975، في ظل الغزو العسكري والمقاومة المتواصلة، يصعب تأكيد الأرقام الدقيقة. ومع ذلك، فإن جمعية عائلات المعتقلين والمفقودين الصحراويين (افابريديسا) توثق حالات الآلاف من الضحايا، العديد منهم احتُجزوا في أماكن سرّية لعدّة أشهر أو لسنوات وبعضهم لأكثر من 17 عاماً.
ويُعدّ التقرير المؤلف من مجلدين بعنوان: “واحة الذاكرة”، الذي أعده الدكتور كارلوس مارتين بيرستين، الخبير في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية ومناطق أخرى، والدكتورة إلويسا غونثاليث هيدالغو، المتخصصة في دراسات حقوق الإنسان، أحد أوثق التقارير لهذه الظاهرة. فقد عملا على توثيق أكثر من 800 حالة اختفاء بين عامي 1975 و1993، لا يزال حوالي 400 شخص منهم في عداد المفقودين. وبالنظر إلى قلة عدد الشعب الصحراويين، فإن معدل الاختفاء القسري المسجل يُعد من أعلى النسب عالمياً – متجاوزاً الوضع الذي وُثق في الأرجنتين أو تشيلي، ويضاهي سياقات إبادة جماعية مثل حالات غواتيمالا أو تيمور الشرقية، كما أكد الباحثان.
إبادة جماعية غير معلنة
وقد اتبعت هذه الاختفاءات نمطاً وحشياً: اعتقال تعسفي بدون إجراءات قانونية، واحتجاز مطول في مرافق سرية مثل أكدز، قلعة مكونة، أو السجن الشهير “السجن لكحل” بالعيون، مع استخدام كبير للتعذيب. كما حُرمت العائلات بشكل ممنهج من أي معلومات، مما يتسبب في صدمة نفسية مستمرة وفي التفكك الاجتماعي.
ومن بين الأمثلة البارزة، حالة الطفل البشير ولد سلمة الدف، البالغ من العمر 14 عاماً، والذي اختُطف عام 1976 أثناء جلبه الماء لعائلته، ثم لم يُرَ مجدداً، وقد أكدت شهادات الناجين لاحقاً وفاته أثناء الاحتجاز. مثال آخر مروّع هو اكتشاف مقبرة جماعية تضمّ ثمانية من البدو الصحراويين، بينهم اثنان يحملان الجنسية الإسبانية، أُعدموا على يد القوات المغربية. وقد أكدت التحليلات الجنائية أنهم قُتلوا في الوقت ذاته وتم إخفاء جثثهم بشكل متعمّد.
وعليه، تمت دعوة اللّجنة الأفريقية والمجتمع الدولي الأوسع ومنظمات حقوق الإنسان إلى دعم آليات التحقيق والتعرف على الضحايا وتعويضهم في قضايا الاختفاء القسري في الصحراء الغربية