في مؤشر جديد على الفشل الذريع في التدبير المالي، كشف التقرير الفصلي الثاني الصادر عن الخزينة العامة للمملكة المغربية أن تنفيذ قانون المالية عند متم جوان 2025 سجّل عجزاً مهولاً قدره 24.8 مليار درهم، وهو ما يضع مجدداً حكومة عزيز أخنوش في قلب العاصفة، كمسؤولة مباشرة عن هذا الانزلاق الخطير في التوازنات المالية للبلاد.
بلغة الأرقام، فإن الموارد العادية المحققة لم تتجاوز 319.8 مليار درهم، بينما بلغت النفقات 344.6 مليار درهم، دون احتساب استهلاك الدين. ورغم محاولة الحكومة “تجميل” الوضع عبر اللجوء إلى القروض التي بلغت 73.2 مليار درهم، فإن ذلك لم يُخفِ الحقيقة المرة: تسيير حكومي مرتجل يغرق المالية العمومية في قروض متراكمة دون نتائج ملموسة.
وحتى عندما حاولت الحكومة الترويج لما سمّته “فائضاً نظرياً” بلغ 13.9 مليار درهم بعد احتساب القروض واستهلاك الدين، فإن المتتبعين يرون في ذلك مجرّد هندسة محاسباتية تضلل الرأي العام ولا تعكس أي تحسن حقيقي، بل تعمّق الاعتماد الخطير على التمويل الخارجي وترهن القرار الاقتصادي.
ســـوء تدبــير متراكــم
أخنوش ووزراؤه لم يكتفوا بإضعاف الموارد الذاتية، بل فشلوا حتى في تحصيل الضرائب التي تُعد ركيزة التمويل العمومي. فقد سجلت متأخرات الضريبة على القيمة المضافة 32.8 مليار درهم، بينما بلغت مطالبات استرداد الضريبة على الشركات 3.5 مليارات درهم، في مشهد يُظهر شللاً تاماً في جهاز التحصيل الضريبي وسوء تدبير متراكم.
ورغم ما تدّعيه الحكومة من “تحكم في النفقات”، فإن الواقع يكذب ذلك. فقد أظهر التقرير أن نفقات التسيير العادي التهمت ما يقرب من نصف الميزانية (49%)، مقابل نسبة متواضعة جداً للاستثمار لم تتجاوز 14.4%، ما يؤكد أن حكومة أخنوش تركز على الصرف اليومي أكثر مما تفكر في البناء أو الإصلاح.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه أخنوش عن الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، يواصل حكومته الاعتماد على الحسابات الخصوصية للخزينة التي استأثرت بـ27.2% من موارد الدولة، وهي صناديق يصفها المتخصصون بـ«الصناديق السوداء”، لما يلفها من غياب الرقابة والوضوح في تدبيرها.
لقد أكدت الأرقام أن إجمالي النفقات بلغ 379.1 مليار درهم، وهو رقم ثقيل مقارنة بضعف أثره على واقع المواطنين. فماذا قدمت حكومة أخنوش بهذا الإنفاق؟
لا تعليم في المستوى، لا صحة تتجاوب مع الاحتياجات، ولا مشاريع كبرى تشكل قاطرة للتنمية.
بل إن كل ما أنجزته الحكومة هو ترحيل الأزمات، وتهريب الفشل من سنة إلى أخرى، عبر مزيد من القروض والوعود والتبريرات.
العجز المسجل عند منتصف 2025 لا يُمكن أن يُقرأ إلا كإدانة مباشرة لخيارات حكومة أخنوش المرتبكة، التي لم تُحسن تدبير المالية العمومية، ولا تملك رؤية إصلاحية تُنقذ الاقتصاد من التدهور التدريجي.