تضخيم أرقام الماشية يضع وزير الفلاحة تحت المساءلة

الحكومــة المخزنيـــة تغــرق فـي تناقضاتهـا

 من جديد، وجدت الأغلبية الحكومية بالمغرب نفسها تحت نيران الانتقادات بسبب ما وصفه مراقبون بـ “الفضيحة الرقمية”، بعدما انكشفت تناقضات صارخة بين الأرقام الرسمية المتعلقة بالماشية خلال الفترة ما بين فيفري وأوت 2025.
القصة بدأت حين أعلنت وزارة الفلاحة في فيفري الماضي أن أعداد الماشية شهدت تراجعاً مهولاً بنسبة 38 %، وهو ما أثار حينها حالة استنفار في الأسواق وبين المربين وأدى إلى إلغاء شعيرة النحر، غير أن الإحصاء الوطني الذي أشرفت عليه وزارة الداخلية كشف لاحقاً عن رقم صادم معاكس تماماً: حوالي 39 مليون رأس من الأغنام والماعز والأبقار والإبل! وبين التصريحين، خرج وزير سابق ليؤكد أن العدد كان مستقراً عند حدود 24 مليون رأس في 2024.
كيف يمكن لأرقام الدولة أن تتأرجح بهذه الطريقة؟ مرة تتحدث عن انهيار، ومرة عن استقرار، ثم تقفز فجأة إلى “انتعاش قياسي” يقارب الضعف؟ إنه ارتجال حكومي يستخف بعقول المواطنين، وتلاعب بالأرقام لخدمة أجندات خفية.
الحكومة سارعت لتبرير هذه القفزة غير المفهومة بكونها نتيجة لدعم الأعلاف والتعويضات وحملات التلقيح واستيراد الأبقار. لكن حتى أبسط المربين يدركون أن نسبة ارتفاع تقارب 90 % خلال شهور معدودة أمر مستحيل، لا يتحقق لا بالتكاثر الطبيعي ولا بأي خطة استعجالية.
الأدهى من ذلك أنّ أصواتاً من داخل القطاع تؤكد أن بعض المربين لجأوا إلى تضخيم أعداد رؤوس ماشيتهم فقط للاستفادة من الدعم المباشر، في ظل غياب آليات مراقبة صارمة. ما يعني أن الخلل لم يعد مجرد خطأ تقني في الإحصاء، بل أصبح مؤشراً على فوضى منظمة تخدم فئات محدودة على حساب المربين الصغار والمتوسطين، الذين يُفترض أن تستهدفهم برامج الدعم.
هذه الفوضى الرقمية لا تفضح فقط وزارة الفلاحة، بل تضع الحكومة برمتها في قفص الاتهام. كيف يمكن الحديث عن سياسات عمومية ناجعة بينما الأرقام الرسمية نفسها غير موثوقة؟ وكيف يطالب المواطن بالثقة في المؤسسات إذا كانت الإحصاءات الوطنية تتحول إلى أداة للتلاعب السياسي والاقتصادي؟
الواقع أن الحكومة مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بكشف حقيقة هذه الفوارق المهولة في الأرقام، وبمحاسبة الجهات المتورطة في إنتاج إحصاءات مغشوشة أو مضللة. فالثقة في الدولة تبدأ من دقة الأرقام، وأي ارتباك أو تضارب من هذا النوع لا يضرب فقط مصداقية وزارة بعينها، بل يهز صورة الدولة برمتها أمام مواطنيها.
هذا، وقد جّه الفريق النيابي لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب المغربي سؤالاً كتابياً إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أحمد البواري بشأن “الفوارق الهائلة” بين إحصاءين متتاليين للثروة الحيوانية، وما يترتب عنها من تداعيات في سياق أزمة خانقة يعيشها قطاع تربية الماشية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19866

العدد 19866

الأربعاء 03 سبتمبر 2025
العدد 19865

العدد 19865

الثلاثاء 02 سبتمبر 2025
العدد 19864

العدد 19864

الإثنين 01 سبتمبر 2025
العدد 19863

العدد 19863

الأحد 31 أوث 2025