يسيرون في رواق مميّز بنتائج باهرة

سنتــان بدون هزيمــة.. أفضل حصيلـــة في تاريخ «الخضر»

محمد فوزي بقاص

«سنتان دون هزيمة»، العنوان الأبرز لإنجاز الفريق الوطني الجزائري، بقيادة المدرب جمال بلماضي الذي أعاد هيبة المنتخب الضائعة، بعد استعادة التوازن والاستقرار ورجوع الانتصارات التي جلبت معها الثقة، عوامل عبّدت الطريق لخطف اللقب القاري الثاني في خزائن المنتخب بعد 29 سنة من الانتظار، تتويج لم يثني عزيمة المحاربين في مواصلة تسيد القارة السمراء، ليبلغ الخضر 22 مقابلة دون هزيمة في المباريات الودية والرسمية، للمرة الأولى في تاريخ الكرة الجزائرية، رقم مرشح للارتفاع بعدما أضحى هدف العناصر الوطنية تحطيم كل الأرقام القياسية القارية والدولية، لخطف لقب أفضل جيل كرة قدم في عهد الجزائر المستقلة.
يعيش عشاق الألوان الوطنية منذ تعيين نجم مارسيليا الأسبق على رأس العارضة الفنية للخضر، فترة زاهية وحلما طال انتظاره، حيث بات الجميع يشاهد مباريات المنتخب بثقة ودون ضغط بعد تحسن الأداء وتوالي النتائج الإيجابية داخل وخارج القواعد، بل وأكثر من ذلك حيث أضحوا يطالبون بمقارعة كبرى المنتخبات العالمية، لإبهار عشاق الساحرة المستديرة في المعمورة ورفع الراية الوطنية عاليا، مثلما قام به جيل فريق جبهة التحرير الوطني وجيل الثمانينيات من القرن الماضي مع المنتخب.
رحلة الألف ميل بدأت بتنظيم الصفوف، وإبعاد المشاغبين الذين افتعلوا المشاكل وصنعوا تكتلات كادت تعصف بالمنتخب الوطني، قرار اتخذه الكوتش جمال بعدما تيقن من مكان الداء، إثر سفرية البنين التي كانت أول وآخر هزيمة للخضر بتاريخ 16 أكتوبر  2018، لينطلق عداد المباريات دون هزيمة شهرا بعد ذلك، من ملعب كيغي بالعاصمة التوغولية لومي ضد رفقاء النجم أديبايور بواقع أربعة أهداف لهدف وحيد، في آخر جولة من التصفيات المؤهلة لكأس أمم إفريقيا 2019 بمصر، بعد تحرر اللاعبين وتلاحمهم فيما بينهم، محققين ثالث أثقل نتيجة في تاريخ المنتخب خارج الديار في مباراة رسمية، بعد فوز سابقيهم برباعية نظيفة في «كان» 1968 بإثيوبيا ضد منتخب أوغندا، وبذات النتيجة خلال تصفيات كأس العالم 2002 ضد ناميبيا بملعب سام نجوما.

 ورشة بناء المنظومة الدفاعية

من بين أكبر تحديات صانع ألعاب الخضر الأسبق على رأس العارضة الفنية، كان بناء منظومة دفاعية قوية لإعادة التوازن للمنتخب الوطني، الذي كان يتميز بلاعبين مهاريين في الهجوم دون دفاع صلب يحمي ظهورهم، مشكل بدأ منذ اعتزال الثنائي عنتر يحي ومجيد بوقرة اللعب الدولي، حيث لم يتمكن أحد من خلافتهما في محور الدفاع بعلامة امتياز، خصوصا مع الإصابات المتكررة التي كانت تطارد خريج مدرسة نصر حسين داي رفيق حليش، الذي اصطحبه تراجع مستوى ابن مدينة تيزي وزو السعيد بلكالام.
وضعية لم تؤرق رجل التحديات الذي يعرف كل صغيرة وكبيرة عن المنتخب، بحكم متابعته لكل مباريات الخضر قبل تقلده مهمة قيادة سفينة المنتخب، مثلما أكده في أول ندوة صحفية حين قال «أشاهد المنتخب الوطني منذ سنوات وأعي جيدا مشكلته، لدينا مجموعة مميزة من اللاعبين وبالعمل سنبني منتخبا قويا يشرف الألوان الوطنية».
نجاح بلماضي في بناء منظومة دفاعية قوية، نابع أيضا من قوة طاقمه الفني، المشكل من مدربه المساعد الفرنسي سيرج رامونو نجم دفاع فريق ميتز الأسبق، الذي عمل بجانبه لسنوات بنادي لاخويا والمنتخب القطري، وكذا مدرب حراس فريق سوشو لمدة 17 عاما كاملا عزيز بوراس، الذي زامل ابن مدينة مستغانم هو الآخر بلاخويا، ثنائي يعرف بلماضي ويقرأ اللعب جيدا بحكم منصبهما السابق فوق أرضية الميدان، وساهما رفقة الكوتش في بناء أحد أقوى دفاعات القارة السمراء، الذي قطع الأخضر واليابس على دفاعات الخصوم، بعدما تلقت شباك مبولحي ورفاقه 15 هدفا في 25 لقاء، بينها هدفان في سبع مباريات بنهائيات أمم إفريقيا.

إعادة الاعتبار ..

رهان إعادة المنتخب الوطني إلى القاطرة، مر أيضا بإعادة الاعتبار لعدد من اللاعبين من المغضوب عليهم على غرار (مبولحي و فغولي)، بسبب خيارات المدرب الأسبق رابح ماجر، الذي أكد أن شاوشي هو الحارس الأول ولا مكانة لمبولحي مع الخضر، وأوضح وقتها أن فيغولي لا يدخل ضمن مخططاته، بالإضافة إلى إعادة المبعدين تعسفا في صورة المدافع بن العمري ومتوسط الميدان عدلان قديورة، وصولا إلى يوسف بلايلي الذي لم يأخذ حقه مع المنتخب، رغم كل الإمكانيات التي كان يتمتع بها منذ نعومة أظافره، سواء في البطولة الوطنية أو في البطولة التونسية عندما حمل ألوان الترجي الرياضي التونسي.
إدماج الأسماء المذكورة مع النواة المتواجدة أعطى المنتخب الوطني قوة غير مسبوقة وروحا جديدة، زرعت التنافس بين اللاعبين وأعادت اللحمة الغائبة، التي قادت الجزائر لبلوغ المباراة النهائية في أمم إفريقيا 2019 بعد بطولة دون خطأ، بست انتصارات على كبار القارة منذ الدور الأول، انتصارات أعطت الثقة لتشكيلة آمنت بقدراتها فصنعت المعجزة بأرض الكنانة، وعادت للجزائر بالتاج القاري الثاني الذي انتظره الشعب الجزائري طيلة 29 سنة كاملة، في نهائي مثير ضد المنتخب السنغالي المرشح الأكبر لنيل اللقب قبل انطلاق المنافسة، رفقة البلد المنظم مصر.
تتويج المنتخب آمن به بلماضي منذ أول يوم تعاقد فيه مع الاتحاد الجزائري صيف 2018، حيث أكد في أول ندوة صحفية شهر سبتمبر من ذات السنة، أن هدفه الأول في المنتخب هو العودة بأمم إفريقيا إلى الجزائر 9 أشهر قبل انطلاق المنافسة، وقال وقتها بالحرف الواحد «سيعتقد البعض بأني مجنون خصوصا مع الوضعية الحالية للمنتخب، هدفي الأول هو التتويج بكأس أمم إفريقيا».
وأضاف «لا أبيع الوهم للجزائريين، منتخبنا منذ اليوم سيلعب من أجل الفوز وفقط».
وختم قائلا «عقدي ينتهي بنهاية كأس العالم 2022 بقطر التي أنا مطالب ببلوغها، وإلى ذلك التاريخ سيفتخر الجزائريون بمنتخب بلدهم».

 الثقة في الشباب

عكس سابقيه منح الناخب الوطني ثقة كبيرة في اللاعبين الشباب الذين كانوا أكبر المهمشين في المنتخب، يتقدمهم النجم الصاعد لنادي ميلان الإيطالي إسماعيل بن ناصر الذي لم يتمكن من التألق لا مع المدرب الصربي ميلوفان راجيفاك ولا مع البلجيكي جورج ليكانس الذي استدعاه لنهائيات كأس أمم إفريقيا 2017 مكان تايدر المصاب، لكنه لم يشركه ولو بديلا في المباريات الثلاثة التي خاضها رفقاء مبولحي، كما لعب بعض الدقائق تحت إمرة الثنائي لوكاس ألكاراز ورابح ماجر، ولم يجد ضالته إلا مع بلماضي الذي منحه ثقة غير مسبوقة، ونصبه أساسيا بتاريخ 22 مارس 2018 وعمره 20 سنة وثلاث أشهر في سادس مباراة لبلماضي على رأس المنتخب، وهي المواجهة التي تألق فيها خريج مدرسة آغل أفينيون الفرنسية، وقدم فيها أول تمريرة حاسمة لزميله عبيد الذي سجل هدف السبق لمحاربي الصحراء في تعادل غامبيا بملعب مصطفى تشاكر بالبليدة، ليلعب بعدها بن ناصر كل مباريات المنتخب أساسيا، وساهم في تتويج الخضر بمنحه ثلاث تمريرات حاسمة وإنهائه المنافسة أفضل لاعب في الدورة.
بن سبعيني الذي أعجب به الجمهور الجزائري مدافعا في محور دفاع المنتخب الوطني، حوله مهندس التتويج القاري ظهيرا أيسر، المنصب الذي تكوّن فيه ابن مدينة قسنطينة ويعشقه كثيرا، منصب ساهم في حل معضلة الظهير الأيسر بعد الإصابة التي أبعدت فوزي غولام عن الميادين طويلا، وصقلت موهبة رامي الذي بات رقما مهما في النهج التكتيكي للخضر، حيث تطور أدائه بشكل لافت مع فريقه السابق رين الفرنسي الذي توج معه بكأس فرنسا، ليضيف لقبه الثاني تلك الصائفة مع المنتخب، وهو ما سمح له من حمل ألوان الكبير بوروسيا مونشنغلادباخ الألماني الذي أضحى قطعة أساسية معه.
زميله السابق يوسف عطال، بدأ المغامرة مع بلماضي من ثاني مباراة له على رأس المنتخب ضد البنين، ومنذ ذلك الحين غاب إلا بسبب إصاباته المتكررة مع فريقه نيس، كما كرّم الموسم الكبير للصغير هشام بوداوي واصطحبه معه لنهائيات أمم إفريقيا ليدخل تاريخ المنافسة والمنتخب معا ولم يتجاوز عمر العشرين، الأمر الذي ساهم في التحاقه بنادي نيس الفرنسي، مباشرة بعد نهاية «الكان» التي شارك في بعض مبارياتها.
لاعب آخر، لم يتمكن من إثبات نفسه مع مدربين آخرين رغم علو كعبه، يتعلق الأمر بالسريع آدم وناس الذي منحه بلماضي الدعم وأعاده للواجهة مع المنتخب، ما ساهم في بعث مشواره الكروي من جديد مع نيس الفرنسي الموسم الماضي ومع كالياري هذا الموسم.

 محرز .. النجم رقم واحد

وضع الناخب الوطني عوامل النجاح أسلحة بين أيدي لاعبيه، أمر رفع معنوياتهم وألهب المنافسة بينهم على من يسجل أكبر عدد من الأهداف، ومن يمتع أكثر فوق الميدان، حيث ومع قدومه على رأس المنتخب عمل كثيرا من الجانب النفسي مع رياض محرز الذي انتقد كثيرا منذ تقمصه الألوان الوطنية، بسبب عدم تفجيره طاقاته مع المنتخب، عكس ما كان يقوم به في بطولة البريمرليغ مع ليستر سيتي ومانشيستر سيتي، لكن نجم مارسيليا الأسبق عرف كيف يأخذ الأفضل من اللاعب الأسبق لنادي لوهافر الذي فجر امكانياته مع الخضر، وأضحى أفضل لاعب في حقبة بلماضي، حيث سجل 10 أهداف وقدم 6 تمريرات حاسمة في 25 مباراة، من أصل 18 هدفا و32 تمريرة حاسمة يمتلكها ملك الرواق الأيمن في 61 مباراة بألوان الخضر، احصائيات جعلته يتموقع في المركز الثامن في ترتيب هدافي المنتخب الوطني على مر التاريخ، وسمحت له من كتابة اسمه بأحرف من ذهب بتسجيله الهدف رقم 800 في تاريخ المحاربين ضد منتخب كولومبيا.
بغداد بونجاح الذي ضيع الكثير من الوقت مع المدربين السابقين الذين تداولوا على تدريب المنتخب في السنوات الأخيرة، برز هو الآخر بشكل لافت، هو الذي تمكن من تسجيل 13 هدفا تحت إمرة المدرب بلماضي من أصل 16 هدفا يمتلكها بألوان المنتخب، منصبا نفسه الهداف الأول للمنتخب في السنتين الأخيرتين، متوقعا في «التوب تان» لأفضل الهدافين على مر التاريخ بالمنتخب الوطني.
اسلام سليماني الذي أكد الجميع بأنه انتهى كرويا مع الفرق والمنتخب، أعاد له بلماضي حياة ثانية بإعادته إلى المنتخب في نهائيات «الكان» وهو الخيار الذي انتقده الكثيرون رفقة قديورة، لكن سليماغول تمكن من رفع التحدي كعادته وقدم أداء مميزا وتمكن من تسجيل هدف وتقديم تمريرتين حاسمين ضد تانزانيا في مباراة الجولة الثالثة من الدور الأول، سمحت له من بعث مشواره الكروي من جديد من بوابة نادي الإمارة الفرنسية موناكو، ورفع رصيده من الأهداف إلى 30 هدفا مقتربا من تحطيم رقم تاسفاوت الهداف التاريخي.


 3 لاعبين على الأقل في كل منصب
جلب بلماضي معه فلسفة جديدة، حيث لم يقتصر عمله على بناء فريق قوي ومتين، بل عاين عدة لاعبين في كل تربصات المنتخب الوطني داخل وخارج الوطن، رغم قلتها في ظرف سنتين، حيث ضمن ازدواجية المناصب التي كانت مشكلا حقيقيا في الماضي القريب، ورفع عدد اللاعبين الجاهزين لحمل القميص الوطني في كل منصب من ثلاث لاعبين إلى خمسة، وهو رقم مميز يمنح الكثير من الحلول للطاقم الفني في الاستحقاقات المقبلة، وخير دليل الثنائي حلايمية وبن عيادة الذي عوض عطال وزفان المصابان خلال تربص الشهر الجاري، أين لعب حلايمية مباراته الرابعة على التوالي بعدما وجد نفسه أمام الأمر الواقع، واستغل فرصته كاملة وبات منافسا حقيقيا لعطال على مكانة أساسية بداية من تربص شهر مارس المقبل، الذي ستتخلله مواجهتان ضد زامبيا وبوتسوانا في إطار الجولتين الخامسة والسادسة من التصفيات المؤهلة لكأس أمم إفريقيا.
في ذات السياق، وبعد اعتزال اللاعب رفيق حليش اللعب دوليا، هو الذي غادر من الباب الواسع بعد ودية البنين بملعب 5 جويلية الأولمبي، يمتلك بلماضي 40 لاعبا جاهزا لحمل القميص الوطني في أي لحظة، في انتظار معاينة لاعبين جدد تحسبا لتدعيم الخضر في الأشهر المقبلة، خصوصا مع اقتراب اعتزال عدد كبير منهم بعد «كان» الكاميرون، ونهائيات كأس العالم بقطر، في مقدمتهم عدلان قديورة وإسلام سليماني.


 تحديات سنة 2021 ...
«يقول المثل تفتح الشهية عند بداية الأكل»، مثل ينطبق على الدبابة عدلان قديورة ورفاقه الذين بلغوا 22 مباراة دون هزيمة، بعد التعادل الأخير بهراري ضد منتخب زيمبابوي الذي لم ينهزم منذ سنة 2007 على قواعده، رقم سيعمل لاعبو الخضر على رفعه وتحطيم الرقم الإفريقي المتواجد بحوزة المنتخب الإيفواري بـ 26 مواجهة دون هزيمة، بتاريخ الفيفا لشهر سبتمبر 2021، هدف سيأتي في الجولة الثانية من التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2022.
كما سيتمكن «الغلادياتور» بن العمري وزملائه من تحطيم رقم جديد، وخطف المركز الثالث لأطول سلسلة مباريات دون هزيمة عبر العالم، المتواجد بحوزة المنتخب الإيطالي بثلاثين لقاء بعد سنة من الآن، في تاريخ الفيفا لشهر نوفمبر، على أن يبلغ أشبال بلماضي هدف تحطيم الرقم القياسي العالمي المتواجد مناصفة بين المنتخبين البرازيلي والإسباني بـ 35 مقابلة دون هزيمة في نهائيات كأس أمم إفريقيا 2022.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19465

العدد 19465

الأربعاء 08 ماي 2024
العدد 19464

العدد 19464

الثلاثاء 07 ماي 2024
العدد 19463

العدد 19463

الإثنين 06 ماي 2024
العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024