هويّة وحضارة عريقة

القصبة...تاريخ ينهار

فتيحة كلواز

القصبة كتاب مفتوح على التاريخ..أزقّتها الضيقة تروي في كل خطوة تخطوها داخلها قصّة مدينة تشرّبت الأصالة حتى الثمالة منذ أن جلس «هرقل» وأصدقاؤه العشرة على شواطئها، وهناك اكتشف الإنسان وجودا جغرافيا متميزا يربط بين شمال الأرض وجنوبها، بين صحرائها وبحرها.
القصبة الحي العتيق الذي أبت أسواره إلا أن تبقى شاهدة على أكثر من حقبة تاريخية مرّت بها، حي ينازع في كل يوم الاندثار والأفول في ركام تتهاوى مع جدرانها المحطمة تاريخ إنسان مر من هناك، حي بنت جدرانه حياة لا يعرف معناها سوى من ترعرع بين أسوارها و«دويراتها» التي جمعت لقرون حضارات مختلفة.
القصبة عروس بكت وشكت لسنوات بقعا سوداء لطّخت فستانها الأبيض، لكن هيهات أن تجد مستمعا لمناجاتها أو أنينها، فتغييب المحب يجعل من المحبوب في حالة من الغربة والتوحد، هكذا هي القصبة عندما سادها من لا يعرفون قيمتها ممّن لم يرتشفوا في أزقّتها معاني الإنسانية والجيرة، ولم يلعبوا في درجها الضيق ولم يشمّوا روائح «العواشير» على اختلاف تواريخها وعبق مسك الليل والياسمين، لم ير رؤيا العين «عمر الصغير» وهو ينادي «علي لبوانت» ولم يشاهد كما حدثت في القرن الثامن العشر  حادثة المروحة لا يستطيع أن يفهم أنين التاريخ الصامت على جدرانها التي فقدت بياضها ولن يعي كم من الحضارات سكنت أحياءها.
المحروسة التي غاب عنها أبناؤها، وغابت عنها تلك الحميمية التي كانت ميزتها الأساسية ربما هو طمس متعمّد لهويتها وربما هو محاولة يائسة لتغييبها عن الجزائر التي كانت نواتها الأولى، وربما هي اللاّمبالاة التي أهدرت تاريخ أمة كاملة، وبين هذه وتلك فقدت القصبة بياضها وأعلنت جدرانها وأزقتها أفولها، ولكن هيهات أن تكون القصبة كذلك لأنها وجود غائر في التاريخ، وجدت مع شمس ساطعة أعلنت ميلاد المحروسة التي كانت لقرون طويلة عروس البحر الأبيض المتوسط، ولعل في تجربة الاستعمار الذي بنى مدينة  كاملة لإخفائها لكنها هيهات أن تطمس معالمها فالذهب الخالص لا يزول ولا «يحول»..بقيت رغم كل تلك البنايات التي شيّدتها فرنسا القلب النابض للعاصمة، فكانت مهد معركة الجزائر وحاضنة الفن الشعبي الذي عبّر لسنوات طويلة عن الهوية الجزائرية، الدور المهم الذي لعبته خلال فترة الاستعمار تحول إلى تهميش وتغييب رغم تصنيفها من طرف اليونيسكو كموروث عالمي في 1992، السؤال المحير كل من مرّ من المسؤولين عليها يتغنى بمكانتها وأهميتها، ولكن بقيت دائما في قائمة الاحتياط.
 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024