المرأة والسياقة .. المعادلة الصعبة

تركيز مضاعف لتجنّب الخطأ

نضيرة نسيب

«أملك رخصة لكني لازلت أهاب السياقة في طرقاتنا»

تعرف النساء في العالم وبالخصوص في بلدنا برغبتها الحريصة على تعلم قيادة السيارة، ويعود ذلك لعدة أسباب، كما تغطي الواجهة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية بالدرجة الأولى، كما أن حاجتها الماسة لإثبات الذات في مجتمعاتنا العربية، أين ينظر للمرأة على أنها عاجزة عن سياقة المركبات، مثلها مثل شقيقها الرجل، خصوصا بالنظر لتكاثر المسؤوليات عليها، خاصة مع خروجها للعمل وتجاذبها بين مسؤولية البيت وتربية الأطفال.
على غرار ما سبق ذكره، قامت «الشعب ويكاند» باستقاء بعض آراء المواطنين، حيث اقتربت منهم للكشف عن بعض التجارب المتعلقة بموضوع سياقة المرأة. أوّل من التقيناها كانت خديجة، في موقف سيارات أثناء تسوّقها في سوق باش جراح، تعمل مكلفة بالاتصال في مؤسسة عمومية، أخبرتنا أنها مقبلة على التقاعد بعد عامين تقريبا، تقول «إنه منذ أكثر من 23 عاما، مباشرة بعد زواجها، اقتنت سيارة، ففي سنوات التسعينات كان من الصعب تقبل الفكرة بكل سهولة من طرف عائلتها والأشخاص المحيطين بها. إلا أن ذلك لم يبعدها عن طموحها في تحقيق استقلاليتها بهدف التحكم في المسؤوليات المرمية على عاتقها، كونها في مرحلة من مراحل حياتها الزوجية  أصبحت سيارتها معينها الوحيد، بالخصوص عندما انتقلت إلى منزل بعيد عن حيّها الأصلي، مما حتّم عليها  قطع مسافة معتبرة يوميا من أجل اللّحاق بمقر عملها، وتقول إنها كانت تستفيق باكرا وتأخذ أطفالها معها رغم صغر سنهم وكانت توصل اثنين منهم إلى المدرسة والطفل الأصغر إلى بيت والدتها القاطنة في منطقة بعيدة بالقرب من مكان عملها وتقول بينما كانت سياقتها في تلك الفترة تخضع لضغوطات يومية جريا وراء الوقت، لأنها تقطن في بلدية وأولادها يدرسون في بلدية أخرى.  تروي لنا أنه حدث لها موقف أثر فيها كثيرا في تلك الفترة والتي تصفها بأنها تعتبر أحلك الفترات في حياتها، ففي أحد الأيام بينما كانت عالقة وسط زحمة الطرقات في الصباح الباكر ووسط اكتظاظ الطريق بالسيارات، قام أحد السائقين بالصراخ عليها وتحت الضغط وأمام الجري وراء الوقت لم يكن بإمكانها أن تتابع السياقة وأصابتها نوبة من القلق والهيستيريا حيث انفجرت باكية، مما جعلها تتوقف في وسط الطريق والجميع يصرخ عليها، إلى أن أتى شرطي وساعدها وتفضل أحد السائقين بركن سيارتها على حافة الطريق لفتح الطريق أمام بقية السائقين. اليوم تقول أدركت جليا أن المرأة تدفع يوميا ثمنا باهظا من حياتها نتيجة عدم التخطيط المجتمعي، فهي تلقى صعوبات جمّة في محيطها أولا بالدرجة الأولى، بالإضافة لتضييق الحصار عليها بتحميلها مسؤوليات تفوق طاقتها، وتدعو المسؤولين لإعادة النظر في أهمية إنشاء دور حضانة بكل بلدية وخارج محيطها لإنقاص الضغط على الأم وتسهيل عملية تكفلها بأطفالها، وبالتالي تكون احتمالية تعرضها لحوادث الطرقات بنسبة أقل.
تركيز مضاعف لتجنب الخطأ
اتفقت مع خديجة، الأخت مليكة حيث تقول إن المرأة أصبحت تتحمل مسؤوليات عديدة ويتحتم عليها في ذات الوقت التوفيق بين مجملها حيث تعتبر أن السياقة الحل المناسب للمرأة للتقليل من الضغط اليومي عليها، لكنها في نفس الوقت تتحمل ضغطا كبيرا في هذه الحالة، فهي بالإضافة لتعدد مسؤولياتها وتعاظمها فإنها تجد نفسها تتحمل مسؤولية أخرى أكبر وهي السياقة في ظل كل الضغوطات اليومية التي تتحملها وتبذل مجهودا مضاعفا لتركز أثناء سياقتها من أجل تجنب الوقوع في الخطأ، وهي تشير إلى أهمية التطرق لمثل هذه المواضيع حيث تقول إنها ذات علاقة مباشرة مع الخلية الأسرية ولا يجب الاستهانة بها لأنها  تؤثر بشكل مباشر على الأطفال بالدرجة الأولى، لأنهم يفقدون تركيزهم من خلال تنقلاتهم اليومية مع والدتهم، منذ الصباح الباكر، متوّجهين إلى مدارسهم  التي تبعد عن مكان إقاماتهم بمسافات طويلة يزيد من حدتها الاكتظاظ المروري،  مما يكثّف الضغط على الأم التي يصبح مصير أولادها بين يديها وبين مقود السيارة الذي يلزمه كثير من الصبر والحكمة للتحكم فيه.   
أما بالنسبة لسلوى، وهي في متوسط العمر، هي الأخرى تقول إنها حرصت على تعلم السياقة، منذ سنوات، إلى أن وُفقت في ذلك، وبعد تحصلها على الرخصة لم تستطع، بعد مضي أكثر من خمس سنوات القيادة، ففي الأول لأنه لم يكن لديها المال الكافي لشراء عربة، ولكن مؤخرا اقتنت واحدة بمساعدة أختها، إلا أنها أصبحت تهاب أكثر الطرقات وصارحتنا أنها حقيقة عاجزة على المبادرة في السياقة لوحدها وتضيف أنها بحاجة لمن يرافقها كلما أمسكت المقود، وهذا ما لا يمكن فعله يوميا، وأخبرتنا بأنها تتحجّج  في كل مرة ملتمسة الأعذار لنفسها بقرب مكان عملها من بيتها ولا تحتاج إلى سيارة، وإنما  تذهب يوميا  مشيا على الأقدام بدل الاعتياد على أخذ سيارتها المتوقفة، منذ سنتين، والتي لا يقودها سوى أحد إخوتها في المناسبات أو العطل الأسبوعية.  

- رغبة دائمة وملحة في تعلم السياقة
 وبخصوص هذا الموضوع التقت أيضا «الشعب ويكاند» ياسين حرزلي، مختص في التنمية الذاتية، وهو يرى أن المرأة لديها بطبعها حاجيات ذات أهمية كبيرة ويرافق تلك المتطلبات اليومية الضرورية رغبة دائمة وملحة في تعلم السياقة بدل الاستعانة بشخص آخر أصبحت تتكل على نفسها، وهذا أمر منطقي حيث تحاول ربح الوقت في كل الحالات وقضاء حاجياتها بطريقة أسرع دون تعطيلها.
هناك من ينسب زيادة حوادث المرور للمرأة، إلا أنها فعلا بطابعها عندها خوف ورهبة من الوقوع في الخطأ وهذا ما يجعلها أكثر حرصا أثناء سياقتها وعندما تلتقي بسائقين متهورين يمكن أن يحدث ذلك ضغطا عليها في الطريق ويجعلها في كثير من الحالات تتفادى الحوادث بأعجوبة، وعلى العموم التهور غير مقبول بالنسبة لها أو لغيرها من السائقين الذين ننصحهم بعدم الضغط عليها أثناء السياقة لتفادي الدفع بها للتسبب في وقوع حوادث خطيرة، ومن المهم أخذ خصوصيتها بعين الاعتبار.  وبشكل عام المرأة لديها الإرادة للتعلم وقد خفف توجهها للسياقة حملا كبيرا عن عائلتها لاسيما من ناحية التكفل بالأطفال وقضاء حوائج أسرتها، وسياقة المرأة تعتبر إضافة كبيرة للمجتمع. بالخصوص الخوف من السياقة ففي مجال التنمية الذاتية معروف أن التحلي بالشجاعة الكافية عند الإقدام على إنجاز أي هدف، مثل تعلم السياقة يعد خطوة كبيرة، وبعده تأتي الممارسة التي تعد مهمة ولديها دور كبير في عملية التعلم، مما يضعف درجة الخوف ويسمح بالتالي باكتساب مهارة السياقة بالتدريج، لهذا أدعو دائما للاعتماد على الممارسة في التنمية الذاتية، لأنه بدونها لا يمكن التقدم في عملية التعلم والتمكن من تحقيق أي إنجاز في حياة الأفراد لاسيما لدى الرجل أو المرأة على حد سواء.   

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024