جوهرة تستقطب المصطافين من داخل وخارج الوطن

قطب سياحي بامتياز بحاجة إلى هياكل استقبال

خالد العيفة

تشهد شواطئ القل غرب ولاية سكيكدة حركة غير عادية وإقبالا كبيرا منقطع النظير للمصطافين الذين يقصدونها من جميع ولايات الوطن ، بفضل توفر الأمن والجمال الأخاذ، ماجعل الكثير من هواة السباحة و الاستجمام في البحر يفضلها على غيرها . وفي هذا الصدد صرح العديد من المصطافين لـ “الشعب” أن هدوء وجمال المنطقة  جعلا العديد من العائلات من داخل و خارج الوطن تختار هذه الوجهة بهدف الراحة و الاستجمام على رمالها الذهبية كونها تتوفر على مناظر سياحية آية في الجمال ، وكذا موقعها الرائع الذي حباه الخالق بسحر لا تجده في مكان آخر .

باختصار تعد القل منطقة سياحية من الدرجة الأولى تلتقي فيها كل أشكال السياحة في ديكور مميز، شواطئ ساحرة ومناظر طبيعية نادرة، وغابات كثيفة تحتوي على ثروات متنوعة هائلة وبقايا أثرية ذات قيمة تاريخية هامة، تجعل من المنطقة قطبا مرموقا في مجال السياحة ويعتبر خليج القل الذي يوجد به “رأس بوقرون” من أشهر الخلجان في الجزائر وبالإضافة إلى سحره السياحي يتواجد به ميناء للصيد البحري.
وقد وجد شباب المنطقة في موسم الاصطياف ضالتهم لبيع بعض المنتوجات الفلاحية على حواف الطريق للمصطافين القادمين من مختلف أنحاء الولايات المجاورة، حيث تشهد شواطئ المدينة حركية غير مسبوقة وتوافدا كبيرا من السياح يوميا، ويبقى المشكل الكبير بهذه البلدية الساحلية عدم توفرها على مرافق سياحية.
ضعف الحظيرة الفندقية يرهن الموسم السياحي
ويعرف قطاع السياحة في سكيكدة نقصا فادحا في هياكل الاستقبال والمنشآت الفندقية بمختلف أحجامها وأصنافها، ، فبالرغم من توفرها على شريط ساحلي يمتد على طول 140 كلم، و تشهد مع بداية موسم الاصطياف توافدا كبيرا إلا أن المشكل الذي تعاني منه هذه المنطقة الساحلية عدم توفرها على مرافق سياحية تليق بمكانتها لدى العدد الهائل من المصطافين الذين يتوافدون على شواطئها التي اكتسحت شهرتها أسوار الوطن، كشاطئ وادي بيبي ووادي طانجي ببلديتي عين الزويت، تمالوس وشاطئ تامنار بالقل والشواطئ الجميلة ببلدية واد الزهور عند الحدود مع جيجل، بالإضافة إلى شاطئ مرسى الزيتون ببلدية خناق مايون، علما أن كل هذه الشواطيء كانت محل اهتمام السياح الأجانب رغم قرار منع أغلبيتها أمام المصطافين في السنوات الماضية بسبب تردي الأوضاع الأمنية.
و بسبب هذا النقص الفادح في هياكل الإيواء ، يلجأ المصطافون إلى كراء شقق يمتلكها خواص حتى و إن كلّفهم ذلك سعر الليلة الواحدة بـ 3000 دينار جزائري .
ففي مدينة القل باستثناء الإقامة الجديدة بوشبشب بمدخل البلدية والإقامة الجميلة بوسط المدينة ونزل طورش بتلزة فالبقية كلها لا ترقى للمستوى المطلوب.
 اكتظاظ مروري خانق و خدمات أرهقت جيوب المصطافين...
يضطر المصطافون مع كل بداية موسم الإصطياف ، إلى تسديد مصاريف تصل إلى ما لا يقل عن 1000 دينار في اليوم، مقابل قضاء ساعات معدودة على الشاطئ وتخصم هذه الإتاوات لصاحب موقف السيارات، إيجار الطاولة والشمسية، ولأن الشواطئ أصبحت بهذه الطريقة ملكية خاصة، لم يعد بمقدور ذوي الدخل المحدود  مجرد التفكير في قضاء العطلة الصيفية على شواطئها ، ولم يبق  لهم سوى الشواطئ الصخرية غير المحروسة وغير الآمنة والتي أضحت تشكل خطرا حقيقيا بسبب حصدها أرواح الكثير من الأبرياء من المصطافين، بالأخص فئة الشباب الذين يغامرون بحياتهم بالقفز من  أعلى صخورها حبا في المغامرة والمجازفة وهذا في ظل الغياب التام لحراس الشواطئ.هذا بغض النظر عن نوعية المياه في هذه الشواطيء الغير مسموحة للسباحة.
و المشكل الآخر الذي يؤرق المصطافين هو الاختناق المروري الذي تشهده المنطقة طيلة موسم الاصطياف ، حيث تتحول جل شوارعها إلى طوابير لا متناهية من المركبات والعربات تتخللها الكثير من المناوشات بين السائقين ،  من جهة أخرى يجد  المصطافون  صعوبات بالغة للحصول على بعض المواد الغذائية الضرورية سيما الخبر، حيث  أن التوافد الكبير للمصطافين جعل المخابز المتواجدة بالمدينة  والبالغ عددها 14 مخبزة عاجزة عن تلبية طلبات زبائنها خاصة من المصطافين حيث بقيت تنتج نفس الكميات قبل موسم الاصطياف ، وهو ما يدفع بالمصطافين لشراء ما يحتاجونه من الخبز في الصباح الباكر و إلا أجبروا على الوقوف في طوابير علّهم  يظفرون  بالخبز، وهو ما أثار استياءهم من تواصل الأزمة التي جعلتهم في رحلة بحث دائم عن الرغيف بين المخابز .
شاليهات الاصطياف نقطة سوداء:
تبقى الشاليهات السياحية التي صممت خصيصا لإيواء المصطافين في موسم الاصطياف والمتواجدة في المنطقة السياحية بتلزة  الواقعة على بعد 3 كلم عن وسط المدينة من النقاط السوداء التي تدل على سوء تسيير تتحمله أغلب المجالس البلدية المتعاقبة  منذ سنوات الثمانيات بعد إقدام بعض مسؤوليها المحليين على كراء 144 شالي بطريقة غير مدروسة  وبأسعار رمزية،  لم تستفد منها خزينة البلدية ، لتستغل هذه الشاليهات كمساكن  للإيواء دون دفع مستحقات الإيجار فيما احتل البعض الآخر بطريقة فوضويه ورغم استعادتها منذ سنتين إلا أنه أعيد توزيعها بطريقة مماثلة للسابقة ، و أكثر من هذا فقد تم صرف مبلغ  500 مليون سنتيم على تجهيز عشرة منها .
ليضطر الكثير من المصطافين إلى البحث عن مأوى  لقضاء أيام من العطلة الصيفية علّها تنسيهم هموم الحياة و مشاكلها اليومية .
شاطئ ‘’البرارك’’ وجهة تفضلها العائلات
تجد العائلات السكيكدية راحتها في شاطئ ‘’لبرارك’’ بمدخل مدينة القل ، التي لاتزال شواطئها محافظة على عذريتها، إذ يستقطب المكان كل موسم صيفي، العائلات المحافظة للاستجمام، بعيدا عن الصخب والفوضى.
فيشهد الشاطئ  تدفقا كبيرا للمصطافين، وتفضل العائلات المقيمة بالأحياء المجاورة التوجه إليه في الفترة المسائية، لتفادي الفترة الصباحية التي تستقطب العائلات القادمة من الولايات المجاورة، حيث تلجأ أفواج ودفعات من النساء نحو الشاطئ الذي وبمجرد دخولك إليه، تلمح من بعيد نساء يسبحن بلباسهن.
و في هذا الصدد أكدت العديد من العائلات التي اعتادت على التردد على هذا الشاطئ كلما حل موسم الاصطياف أن سبب اختيارها له كونه شاطئا عائليا بالدرجة الأولى  لذلك فهي تفضل قضاء أوقات استجمامها فيه، ما جعله يستقطب ويوميا مئات المصطافين الباحثين عن الهدوء والراحة برفقة الأطفال، وقد عبّر أحد المصطافين في هذا الشأن ، عن ارتياحه الكبير لاختياره لهذا المكان خاصة عندما يكون مرفوقا بعائلته واستئناسها بالعديد من العائلات الأخرى  وهذا ما يضفي عليه جوا مميزا ، بعيدا عن الصخب والفوضى التي تشهدها بعض الشواطئ. و التي لا تحترم فيها الخصوصية  ولا تراعى فيها حرمة العائلات.
شاطئ تلزة الملاذ المفضل للمصطافين من الولايات الأخرى
شاطئ تلزة يمتد على طول 4 كلم والذي يشهد كل سنة توافد أكبر عدد من المصطافين والسياح لما يملكه من رمال ذهبية ومناظر خلابة، يشهد هذا الشاطئ كل موسم صيفي فور ارتفاع درجات الحرارة توافد المصطافين من مختلف الولايات الشرقية وبالخصوص قسنطينة وسطيف وباتنة والذين في كثير من الأحيان يبيتون في الخلاء مع عائلاتهم  نظرا لاستمتاعهم بالأجواء وكذا توفر الظروف الأمنية، أما البعض منهم فيأتي بخيام ينصبونها على الشاطئ وبالقرب من مراكز الحماية المدنية أو الدرك الوطني.
وقد منح المخيم العائلي بتلزة بالقل لسوناطراك ، ولم يعد أمام المصطافين أية إمكانية للإقامة العائلية على الشواطئ، وفي ظل النقص الفادح والفظيع في هياكل الاستقبال، سواء المخيمات أو الفنادق ذات الأسعار المعقولة، تقتصر رحلات المصطافين القادمين من الولايات المجاورة كقسنطينة وأم البواقي وسطيف وباتنة وخنشلة وڤالمة على الذهاب صباحا إلى البحر والعودة في المساء عبر كراء جماعي للحافلات أو الانضمام إلى الرحلات السياحية.
و أصبحت حركة الاصطياف السنوية بشواطئ القل معرضة للتراجع والتقهقر السريع إن لم تبادر السلطات الولائية إلى الإجراءات السريعة ،على الأخص دفع البلديات السياحية بالعودة إلى طريقة إقامة المخيمات العائلية على الشواطئ ذات الإقبال الكبير، وكذا تشجيع المستثمرين وتدعيمهم معنويا على الأقل وإزالة العراقيل الإدارية والبيروقراطية من أمامهم.
شاطئ عين دولة للاستجمام نهارا والتجوال بالكورنيش ليلا
شاطئ عين الدولة أو شاطئ “النساء”،”الفتيات الصغيرات” يتوسط مدينة القل، ، تسميته تعود إلى العهد العثماني، أين كان يطلق عليه بحر النساء لأن الأتراك خصصوه للنساء فقط من أجل السباحة، بعيدا عن أعين الرجال قبل سنة 1830 ، وفي عهد الاستعمار الفرنسي أصبح يطلق عليه شاطئ “الفتيات الصغيرات”، رغم  أنه كان يسمح  للرجال والنساء على حد سواء بالسباحة فيه، وفي بعض الفترات قسم الشاطئ إلى قسمين ، قسم للمعمّرين و قسم للجزائريين و بعد الاستقلال اختفت التسمية القديمة و أصبح يسمى شاطئ عين الدولة، نسبة إلى المنبع الطبيعي المتواجد في جهة بعيدة من الشاطئ.
أصل التسمية حسب الرواية المتداولة ، تعود كذلك إلى  عهد الأتراك حيث كان أحد  المسؤولين الأتراك ،يقوم بحراسة المنبع  ويفرض إتاوات لمن يريد الوصول إلى المنبع من سكان المدينة، مدعيا أن المنبع يشفي قاصديه من الأمراض، لذلك أطلق سكان مدنية القل وقتها على المنبع، اسم عين الدولة ،لأنه كانت تحت حراسة مسؤول من الأتراك، ليحتفظ بهذا الاسم إلى غاية اليوم، ليتحول المنبع اليوم إلى مكان لأخذ حمام بالمياه العذبة بعد السباحة، من أجل إزالة ملوحة مياه البحر، لأن مياهه غير صالحة للشرب بعدما  أثبتت التحاليل ذلك، و يكون  الشاطئ في النهار مكتظا لغرض السباحة ، وليلا بهواة التجوال قبالة  البحر ولأنه بوسط المدينة أصبح ملاذا آمنا للعائلات، وبالشاطئ كورنيش يمتد على طوله، و يعد الفضاء المناسب للعائلات والمصطافين للتجوال وقضاء وقت مريح بجانب البحر.
 عين أم القصب شاطئ نموذجي
يتميز الشاطئ بمناظر خلابة من صخور تمتد في المياه وتعانق جبل” الطبانة “من خلال منعرجات الطريق  ليتحول شاطئ عين أم القصب إلى بوابة للقل ويستقبل عديد المصطافين ، كان يسمى في عهد الاستعمار الفرنسي  “ شاطئ الخنازير” لأن المكان معزول وتحيط به غابات كثيفة تأوي الخنازير من جبل الطبانة المطل على المدينة، لكن التسمية الحالية تعود إلى فجر الاستقلال وسمي عين أم القصب نسبة للمنبع الطبيعي المتواجد في الجانب القريب من الطريق، والذي كان ينمو بجانبه  نبات القصب بكثرة.
و هو المكان الذي يجد فيها المصطافون فرصة لإزالة ملوحة البحر من أجسادهم بعد فترة السباحة، والمنبع محاط بأشجار الكاليتوس مايجعله أكثر أريحية للمصطافين الذين لا يكلفون أنفسهم عناء إحضار مظلاتهم للوقاية من أشعة الشمس، وعلى مسافة أكثر من 1كلم يمتد الشاطئ برماله الذهبية إلى حدود فندق طورش ، وشاطئ عين القصب الملاذ المحبب للكثير من العائلات القسنطينية خاصة تلك التي تقوم بكراء سكنات قريبة منه كل فصل صيف،وهو مادأبت على فعله منذ عدة سنوات .
و بالرغم  من أن شاطئ عين أم القصب أغلق أمام المصطافين لأكثر من 10سنوات، مع بداية سنوات التسعينيات بسبب استغلاله من قبل شركة “ميديترام “المكلفة بمشروع توسيع ميناء القل من أجل وضع القاعدة الحيوية للشركة و اللبنات الإسمنتية العملاقة المستعملة في بناء أرصفة الميناء على طول الشاطئ، و بعد نهاية أشغال المشروع ورحيل الشركة سنة 2002 فتح الشاطئ  مرة  أخرى للمصطافين.
و كانت المعاناة كبيرة للمصطافين مع مخلفات القطع الإسمنتية والحديدية التي ظلت مدفونة برمال الشاطئ قبل تدخل السلطات الولائية سنة 2010 بتنظيفه  وإنجاز أرصفة لجعله ضمن الشواطئ النموذجية في سكيكدة ، كما حظي باهتمام كبير سنة 2012 بجعله محطة للافتتاح الرسمي  لموسم الاصطياف بسكيكدة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024
العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024