ما بين وجهتي نظر ترتبطان بالعنف داخل المدارس، تعيش الأمّهات صراعا حادا مع أبنائهن في بداية الدراسة، ما بين «من يضربك اضربه» وبين «العنف لا يحل المشكلة..بل يحلها العقل»، يجد الأطفال أنفسهم بين صراع بين أن يكون الأضعف المُتنمَّر عليه، وبين أن يكون المتنمِّر العنيف الذي يخشاه الجميع.
جاء في «الجزيرة نت» أنّه في توصياتها حول مكافحة التنمر والعنف في المدارس، قالت اليونسكو برسالتها في نوفمبر 2023 «إنّ الروابط القوية بين الصّحة النفسية والعنف في المدارس مثيرة للقلق، حيث يمكن لتجارب مثل العنف والتنمر والتمييز في المدرسة أن تساهم في ضعف الصحة العقلية وتؤثّر على التعلم، في حين هناك ارتباط بين الشعور بالأمان وتحسّن الصحة العقلية ونتائج التعليم، كما أكّدت مديرة اليونسكو على أنّ من حق كل طفل أن يحظى بالاحترام والقبول والأمان حتى يتمكّن من التعلم والازدهار التام في البيئة المدرسية».
البداية بالفروق الجسدية
القصص المتعلقة بالعنف المدرسي لا تعد ولا تحصى لدى أولياء الأمور، ويحمّل العديد من الأخصائيّين الاجتماعيّين في المدارس مئات الشكاوى التي تتكرّر سنويًا، من حالات التنمر والعنف بين التلاميذ التي لم تعد تقتصر على معارك بالأيدي بين الطلاب، بل تجاوزت ذلك إلى حد الترصد والعنف المسلح واندماج الفصول الدراسية في مشكلات جماعية بسبب خلاف فردي بين الطلاب، وفي النهاية تحدث المعركة.
إنّ الفروق الجسدية بين الطلاب في الأطوار المختلفة هي الوسيلة الأكثر استخدامًا في التنمر، والذي لا يختلف كثيرًا بين الذكور والإناث، وربما تختلف النتائج وشكل المشكلة، لكنها في الأساس واحدة، حيث يتم استهداف التلميذ الأضعف والأقل حجمًا، خاصة إذا كان يتميز بتفوق دراسي أو مظهري أو مادي، فهو في هذه الحالة «ضحية مثالية» للمتنمّرين من زملائه. وللأسف، الكثير منهم لا يستطيعون رد العنف، حتى يتطور الأمر إلى اشتباكات ومعارك داخل المدرسة تنتهي بحضور أولياء الأمور وربما بتصعيد إلى مستويات أعلى.
مقاومة العنف بالعنف
أشار الباحثون المشاركون إلى أنّ ظاهرة العنف في المدارس تنبع من العنف الأسري في المنزل، سواء تعرض له الطفل مباشرة أو شاهده يحدث لأحد المقربين منه في بيئته الأسرية. وتُعد «نظرية التعلم الاجتماعي» من أكثر النظريات شيوعًا في تفسير العنف المدرسي، حيث يتحوّل العنف إلى سلوك مكتسب يتعلمه الطفل داخل الأسرة.
وتفترض هذه النظرية أنّ الأفراد يتعلّمون العنف بالطريقة نفسها التي يكتسبون بها أنماط السلوك الأخرى، وأنّ عملية التعلم هذه تبدأ من الأسرة. فبعض الآباء يشجّعون أبناءهم على التصرف بعنف مع الآخرين في بعض المواقف، ويحثّونهم على ألاّ يكونوا ضحايا للعنف «لا تعد مضروبًا، بل تعال ضاربًا»، أو عندما يدرك الطفل أن الوسيلة الوحيدة التي يحل بها والده مشاكله مع الزوجة أو الجيران هي العنف.
لا بديل عن التّوقّف
«العنف داخل المدرسة دائرة لن تتوقف طالما يصر الآباء على تنمية قدرات أبنائهم الجسدية فقط دون القدرات العقلية أو مشاعرهم»، فغالبية أولياء الأمور يعدون أبناءهم في فصل الصيف إعدادا بدنيا في القاعات الرياضية، وأنه يذهب إلى الحرب وليس إلى المدرسة، كي يواجه زملاءه مدجّجا بقوة عضلاته، لكن في واقع الأمر أن القوة لا تأتي من العضلات، لكن من العقل والقدرة على التحكم بالمواقف، وهذا ما يفشل فيه غالبية أولياء الأمور، فتتحول المدارس لساحات معارك، تترك أثرها على الأبناء طيلة حياتهم.
لا يؤيّد عبد الكريم أن يبادل التلميذ العنف بالعنف، إلا في حالة الاضطرار، «أعني بذلك عندما يتعرّض لعنف بدني وقع عليه عن عمد، في تلك الحالة عليه رده بشكل مباشر بنفس الطريقة وذات الأثر»، لكن الدخول في معارك واهية من أجل إثبات القوة، ذلك هو ما نحاول السيطرة عليه داخل المدارس وخاصة في مراحل المراهقة، ويقول «جزء كبير من مشاكل العنف في المدارس يعود بالأساس إلى أثر مرحلة المراهقة على التلاميذ، وخاصة في المتوسط».
ويتابع، الأسرة والمدرسة لهما دور كبير في مواجهة العنف داخل المدارس، دون ترك الحلبة للتلاميذ لوضع حلول لمشكلاتهم بأنفسهم، العنف ليس وليد فكرة التلميذ، بل هو نتاج ما يتعلمه داخل البيت والمدرسة، لذا أساس الحل يجب أن يكون لتلك المؤسسات أولا، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي ألقت بظلالها على الظاهرة، فزادت معدلات التعنيف بين التلاميذ، كي يصلوا لسباقات «التريند»، حتى وإن اتفقوا عليها مسبقا، ولا يكمن الحل فقط في منع العنف، لكن في تنمية العقل وبناء المعرفة للتلاميذ بدلا من التركيز على تنمية العضلات وبناء الأجسام فقط.