أكّد مدير مركز مكافحة السرطان المجاهد العقيد أحمد بن شريف بالجلفة، واري قويدر ياسين، أنّ المركز يمثل إضافة نوعية للقطاع الصحي في الولاية، خاصة فيما يتعلق بعلاج سرطان الثدي، الذي يعد من أكثر أنواع السرطان انتشارا بين النساء.
أوضح واري أنّ المركز مزوّد بأحدث الأجهزة الطبية المتخصصة، بما في ذلك أجهزة الماموغرافي، التي تعد أداة حيوية للكشف المبكر، ممّا يعزّز فرص العلاج الناجح، لافتا إلى أن المركز يوفّر خدمات علاجية متكاملة تشمل العلاج بالأشعة والعلاج الكيميائي، وأشار إلى توقيع اتفاقية تعاون مع مستشفى البليدة المتخصص في مكافحة السرطان لتعزيز التكوين المستمر للطواقم الطبية وشبه الطبية، ما يساهم في تحسين مستوى الخدمات المقدمة للنساء المصابات بسرطان الثدي.
من جهة أخرى، أبدى بعض ممثلي الجمعيات قلقهم من أنّ المركز قد يكون محدودا في بعض الخدمات، حيث ما يزال هناك مرضى يتنقلون إلى مستشفى ولاية وادي سوف لإجراء العلاج الإشعاعي، ممّا يتطلّب مزيدا من الجهود لتغطية جميع الاحتياجات العلاجية.
وجاء إنشاء هذا المستشفى استجابة من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لمطالب سكان ولاية الجلفة، حول تحسين الخدمات الصحية، نظرا للمعاناة الكبيرة التي شهدها هذا الجانب الصحي.
الكـشــف المجـاني..طـوق نجـاة
أكّد الدكتور بولعوش عز الدين، المختص في علم الأوبئة والطب الوقائي ورئيس مصلحة الوقاية بولاية الجلفة، أنّ سرطان الثدي يحتل المرتبة الأولى بين أنواع السرطانات في الجزائر. وفي إطار جهود التوعية والمكافحة، تمّ تسطير برنامج شامل بالتنسيق مع مختصين يشمل كل العيادات عبر الولاية. كما أوضح أن الكشف عن سرطان الثدي سيكون مجانيا طوال شهر أكتوبر، مستهدفا النساء اللواتي تجاوزن سن الثلاثين.
وأشار الدكتور بولعوش إلى أهمية الرضاعة الطبيعية كعامل وقائي ضد سرطان الثدي، لكنه لفت إلى غياب الدراسات العلمية المحلية حول عوامل الخطورة الخاصة بولاية الجلفة. وأضاف “نكتفي حاليا بجمع الإحصائيات دون إجراء دراسات معمقة حول العوامل المسبّبة للسرطان بشكل عام، وسرطان الثدي بشكل خاص، ولم نصل بعد إلى مرحلة دراسة عوامل الخطورة على المستوى الوطني أو المحلي”.
كما شدّد على ضرورة إشراك الجامعة وقطاع الصحة في إجراء دراسات علمية لتحديد العلاقات السببية بين عوامل الخطورة وسرطان الثدي في السياق المحلي. وأوضح أن العوامل المثبتة حاليا في الجزائر تستند إلى دراسات علمية عالمية، لكنها لا تأخذ بعين الاعتبار الخصائص الجغرافية المحلية.
وفيما يتعلق بالتوعية الصحية، أعرب الدكتور بولعوش عن قلقه من نقص التوعية الإعلامية حول سرطان الثدي في وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية، موضّحا أنّ التوعية لا تتم بشكل كاف إلا عند حدوث كوارث صحية، وأكّد على دور الإعلام كأداة مؤثرة في رفع مستوى الوعي الصحي بين المواطنين.
التّقنيات الحديثة تزيل مخاوف استئصال الثدي
كشفت زوبيدة كسال، الأمينة العامة لجمعية “شعاع الأمل” لمكافحة السرطان، أن أكبر تحد تواجهه النساء المصابات بسرطان الثدي هو الخوف من استئصال الثدي، خاصة فيما يتعلق بالمظهر الجمالي. في الماضي، كان هذا الخوف منتشرا بشكل كبير بين النساء، إذ كانت المرأة العازبة ترى أن الثدي جزء أساسي من أنوثتها، بينما كانت المتزوجات يخشين من احتمالية الطلاق بعد الخضوع للجراحة، وكان هذا القلق يدفع العديد من النساء إلى إخفاء إصابتهن أو تأجيل العلاج خوفا من العواقب النفسية والجسدية لاستئصال الثدي.
وأوضحت كسال أنّ هذا الوضع تغير بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بعد أن أدرك الأطباء أهمية الحفاظ على جمالية الثدي أثناء العمليات الجراحية. اليوم، أصبح الأطباء قادرون على إزالة الورم دون اللجوء إلى استئصال الثدي بالكامل، مما قلل بشكل كبير من مخاوف النساء تجاه هذه العمليات. وأشارت إلى أن هذا التحول الإيجابي في طرق العلاج ساهم في تشجيع النساء على التوجه للعلاج دون تردد أو خوف.
وأضافت الأمينة العامة لـ “شعاع الأمل”، أنّ هذا التطور في العمليات الجراحية لم يسهم فقط في تحسين الحالة النفسية للمريضات، بل ساهم أيضا في تعزيز تقبل المجتمع لحالات سرطان الثدي، ففي السابق، كانت المصابة بسرطان الثدي على حافة الطلاق بسبب فقدانها لجزء من أنوثتها، أما اليوم فقد أصبح الأزواج أكثر تفهما وتقبلا، وارتفعت حالات الشفاء بفضل تطور العلاج المتاح.
وأعلنت كسال عن تسجيل 17 حالة جديدة بسرطان الثدي خلال هذا العام، من بين 434 حالة سجلتها الجمعية، مؤكدة أن “شعاع الأمل” تسعى لإقناع النساء بأهمية الفحص المجاني، حيث تصل فرق التوعية إلى المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس لتشجيع النساء على الكشف المبكر. كما نبّهت كسال إلى خطورة الأدوية الهرمونية المستخدمة من قبل الفتيات لتكبير الثدي، مؤكّدة أنّ لها ارتباط مباشر بسرطان الثدي.
وفي إطار التوعية، أشارت إلى أنّها لاحظت أنّ 90 % من النساء يعتقدن أن سرطان الثدي يصيب فقط النساء فوق سن الأربعين، في حين أن هذا السرطان قد يبدأ منذ سن البلوغ، ممّا يبرز الحاجة إلى توعية مبكّرة حول المخاطر التي قد تواجه الشابات.
وأضافت أنّ فريق العمل يتألف من خمسة موظفين، بينهم سائقان، واثنان للأمانة، بالإضافة إلى عامل واحد. وتقدّر تكاليف تسيير الجمعية بنحو 150 مليون دينار سنويا، تشمل جميع أنشطة التوعية والخدمات المقدمة للمريضات، مطالبة المزيد من الاعانات المالية.
جـهود مـكثّـفة في المناطق الـنّائية
أكّد الأمين العام لجمعية “اليد البيضاء لمساعدة مرضى السرطان” بالجلفة، بن سنونسي بوبكر، أنّ التوعية هي العنصر الأساسي في الحد من انتشار سرطان الثدي. وتسعى الجمعية من خلال جهودها إلى تنظيم حملات للكشف المبكر عن المرض، خاصة في المناطق النائية، حيث تمّ تسخير كافة الإمكانيات المتاحة لتقديم الدعم والتوعية.
وأوضح بن سنونسي أنّ الجمعية نفّذت العديد من النشاطات بالتعاون مع الجامعات والمدارس ومراكز التكوين والمستشفيات والمساجد، حيث لاقت تلك الحملات تفاعلا إيجابيا من المجتمع. كما أشار إلى أن الجمعية تعمل جنبا إلى جنب مع مختصين نفسيين وقابلات وبعض الناشطات ذوات الخبرة، للمساهمة في تقديم الرعاية النفسية والطبية للنساء المصابات أو المشتبه في إصابتهن بسرطان الثدي.
وأضاف أن بعض المؤسّسات مثل “مؤسّسة مياه مسعد” قدّمت مساعدات هامة للجمعية، من بينها توفير المياه أثناء الحملات، بالإضافة إلى تبرّعها بسيارة لدعم أنشطة الجمعية. لكن رغم هذه المساعدات، تواجه الجمعية نقصا كبيرا في الإمكانيات، خاصة فيما يتعلق بالأجهزة المخصّصة للكشف المبكر عن سرطان الثدي داخل بعض المؤسسات الصحية، ممّا يعرقل جهود الوقاية والكشف المبكر.
وأشار إلى أنّ الجمعية أبرمت عقودا مع عيادات خاصة لإجراء فحوصات الكشف المبكر مثل “ماموغرافي” في عدد من المناطق من بينها الولاية المنتدبة عين وسارة، في محاولة لتوفير هذه الخدمات للنساء القاطنات في المناطق النائية، وناشد بن سنونسي الجهات الصحية بمزيد من الالتزام والاهتمام في التعامل مع هذه الحملات.
وعن جهود الجمعية، أوضح بن سنونسي أن الجمعية تكفلت بحوالي 700 مريض بالسرطان خلال فترة 30 شهرا، من خلال تقديم الدعم النفسي والمادي والمعنوي، بالتنسيق مع أطباء مختصين وجراحين، بالإضافة إلى قوافل طبية تطوعية تعمل في المناطق النائية. ومع ذلك أشار إلى أنّ الجمعية لم تتلقّ أي دعم مادي من الجهات الوصية رغم الطلبات المتكررة، داعيا إلى ضرورة تشجيع الجمعية ومنحها الدعم الذي تستحقّه.