يحضّر لليوم الأوّل من الشّهر الكريم

”شباح السفرة” طبق يزيّن موائد القسنطينيّين

مفيدة طريفي

أجواء روحانية تصنعها عادات وتقاليد سكان مدينة الصخر العتيق بشهر رمضان الفضيل، عادات لا تزال تمارس بطريقة جميلة يحافظ عليها سكان المدينة العتيقة بدءا من تزيين أسواقها العتيقة بكل الخضر والفواكه وسلع أخرى تعتبر ضرورية لسكان قسنطينة في مقدمتها المكسرات التي تدخل في تحضيرات العائلات لوجبات الفطور على غرار الجوز واللوز الذي يستخدم في صناعة أطباق قديمة لا تزال تصنع الحدث في أولى أيام إفطار العائلة القسنطينية.

 لا تخلو الطاولة أو السينية من طبق “شباح الصفرة” الأسطوري والتقليدي، حيث يحضر بقوة في المناسبات الدينية والعائلية وتعتبر ضرورة للترحيب بالشهر الكريم وأيضا بالضيوف أثناء المناسبات الخاصة وتضفي أجواء خاصة على أفراد العائلة أثناء تحضيرها، حيث لها طريقة تقليدية تستلزم “اللمة” التي تعكس أجواء الفرح باستقبال أجمل شهر في السنة.
فمع حلول الشهر الفضيل تسارع ربات البيوت لتحضيرها باقتناء أهم لوازم ومكونات الوصفة التي عادة ما تتطلب المال والجهد الكافيين للنجاح بألذ وصفة وأقدم طبق عايشت تاريخ سيرتا القديمة والحديثة، “شباح السفرة” هذا الطبق ذو الأصول الأندلسية التي يتفنن في صناعتها سكان المدينة العتيقة منذ عقود من الزمن ووصفة توارثتها عائلات منذ التواجد العثماني، والتي أضحت من أشهر الأطباق الحلوة التي تتصدر أطباق الشهر الفضيل والمناسبات بمدينة تعج بالعادات والتقاليد.
وأصل تسميتها بـ “شباح السفرة” يعود إلى عائشة بنت الباي صالح القسنطيني، والتي كانت تعشق الطبخ كثيرا وكانت يومها تصنع حلوى باللوز لوالدها كالعادة، لكن لم تتوفق في تحضيرها لتقوم بطريقة عفوية صناعة وخلط مكونات بالمرق الحلو، وعند وضعها على طاولة “السفرة” (الأكل) تفطن الباي للطبق الجديد لينال إعجاب والدها صالح باي قائلا لها “يا عائشة ليوم قد “شبحتي” السفرة يعني قمتي بتزيينها ومن يومها سميت “شباح السفرة” لتصبح من أشهر الأطباق الحلوة بمدينة الجسور المعلقة.
الطبق الحلو ورغم مرور عديد السنوات، إلا أنه لم يندثر ويختفي بسبب استمرار العائلات القسنطينية في تحضيرها في شتى المناسبات وعلى رأسها حلول الشهر الفضيل، حيث كانت “شباح السفرة” في سنوات خلت تصنع بالمنازل، ثم توسعت إلى المحلات، حيث تحضر بخلط اللوز المرحي بالسكر والقليل من القرفة وماء الزهر المقطر وصفار البيض لتعجن جيدا، ثم يتم تشكيل أشكال عديدة في أغلبها هلال رمضان، نجوم، مثلثات لتقلى بعدها في الزيت الساخن قبل أن يتم مسحها ببياض البيض حتى تأخذ اللون الذهبي لتطبخ بعدها في مرق اللحم وتقدم كطبق حلو في مناسبات وحفلات المدينة خصوصا.
كما أكّد أحد سكان الشارع العتيق والمعروف بعمي “محمد”، والذي صادفناه بأحد محلات صنع “الجوزية” التي أضحت تعرض معلبات خاصة بـ “شباح السفرة”، والتي تجاوزت حيز المنازل وأصبحت تباع بمحلات الحلويات، وحتى تعرض النسوة عملها عبر صفحات الفضاء الأزرق لتزدهر تجارتها في المدينة سيما بالشهر الفضيل.
وأكّد أن كافة العائلات القسنطينية تحتفل بحلول الشهر الفضيل بطريقة تختلف عن باقي المدن الأخرى، بدءا من تحضير حلويات رمضانية متميزة في مقدمتها الشباح والجوزية التي تكون عروس السينية والسهرات الرمضانية لتأتي حلوى النوقة والمقرقشات في المرتبة الثانية، والتي تصنع بطريقة مميزة على طول شوارع المدينة القديمة لتصنع أجواء رمضانية متميزة، مضيفا لنا أن شهر رمضان وطاولة الإفطار لا تتزين سوى بتحضير طبق “شباح السفرة”، واعتاد على وجودها كطبق رئيسي يفتتح أطباق مائدة شهر رمضان الكريم.
وتبدي نسوة العائلات القسنطينية على صناعة طبق “شباح السفرة” تمسّكا كبيرا بالطعم والوصفة التقليدية التي توارثوها عن الأمهات والأجداد، معتبرين تغيير وصفاتها المعتمدة تشويها لها وتعديا على أصولها التاريخية، ويهدد في تغيير ذوقها المتوارث عن وصفات الأجداد، خاصة وأن صفحات الفضاء الأزرق أصبحت تعج بعروض بيعها والمتاجرة بصناعتها من طرف نساء منهن من تصنعها بمراحلها، وتكون وصفتها ناجحة سيما بعد تحضيرها بمرق اللحم، وأخرى تجدهن لا يحضرنها بطريقة كاملة لتكون مع طبخها غير ناجحة، لتؤكد السيدة “ليلى” والتي تعتبر من سكان المدينة القديمة أن سر نجاح طبق “شباح الصفرة” يكمن أساسا في كيفية تحضير عجينة اللوز وقليها بمعدل مرتين بعد مسحها ببياض البيض، وأن عملية تحضيرها تتطلب صبرا ووقتا لتحضيرها بطريقتها التقليدية والقديمة ليكون الطبق كاملا وناجحا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19761

العدد 19761

الأربعاء 30 أفريل 2025
العدد 19760

العدد 19760

الثلاثاء 29 أفريل 2025
العدد 19759

العدد 19759

الإثنين 28 أفريل 2025
العدد 19758

العدد 19758

الأحد 27 أفريل 2025