من تهذيب الكبار إلى تعليم الصّغار

شهر رمضان بالبليدة.. موعد روحي يتجدّد

أحمد حفاف

تحرص العائلات بولاية البليدة على استغلال قدسية شهر رمضان بتكثيف العبادات، وفعل الخير لكسب مزيد من الحسنات، فضلا عن غرس قيم المجتمع في النشأ عن طريق العادات والتقاليد التي تلعب دورا في تربية الأطفال على ارتباطهم بهويتهم التي ينبغي عليهم التمسك بها.

 يبدأ الاستعداد الروحي بعادات شهر شعبان التي يُطلق عليها “الشعبانية”، حيث تكون المساجد قد بدأت في إلقاء الدروس بعد صلاة المغرب أو صلاة العشاء لتوعية الناس بأهمية رمضان، وحثهم على فعل الخير والتضامن فيما بينهم، فضلا عن تقديم دروس لشرح بعض المسائل الدينية حول عبادة الصيام.
وتستمر هذه الدروس منذ اليوم الأول من رمضان لتدارك هفوات التحضيرات، أو بالأحرى وضع آخر الروتوشات في هذا اليوم على توفير ضروريات المساجد من أجل السير الحسن لكل الأنشطة سواء تعلق الأمر بصلاة التراويح أو المسابقات الدينية التي غالبا ما تنظّم لفئة الأطفال.
التّوبة والرّجوع إلى الله
يجذب هذا الانتعاش الديني الكثير من المنحرفين الذين تتوفر لهم الظروف المناسبة للتوبة والرجوع إلى الله، ويظهر ذلك جليا في اليوم الأول من شهر رمضان الذي يستغله البعض للإقلاع عن التدخين بهدف تهذيب النفس والابتعاد عن الشبهات.
وعمليا تمتلئ المساجد بولاية البليدة بشكل لافت منذ اليوم الأول لرمضان، وهو مؤشر عن توبة عدد كبير من الناس من منطلق إدراكهم أن الشهر الفضيل فرصة حقيقية لتوطيد علاقتهم مع الخالق والفوز بالغنيمة الكبرى التي تتخلله والمتمثلة في ليلة القدر التي هي أفضل من ألف شهر.
تغيير سلوك التائبين في رمضان يظهر أيضا في قراءتهم القرآن في شهر القرآن لتغذية الروح وعلاجها بكلام الله الذي يُساعدهم على تزكية النفس بشكل أكبر، وينعكس ذلك بالإيجاب على سلوكهم في المجتمع بالمساهمة في الأعمال التضامنية مثل موائد الإفطار التي يُنظمها المحسنون لأجل عابري السبيل.
مع التذكير بأنّ البعض من الموظفين يستفيدون من عطلة خلال رمضان من أجل التفرغ واستغلاله على أكمل في وجه من أجل التقرب من الله لعلهم ينالون رضاه، فيما يُواظب بعضهم على تأدية الصلاة في المساجد التي كانوا يقصدونها نادرا في بقية شهور السنة.
تصويم الأطفال لأوّل مرّة
من بين العادات والتقاليد التي كانت تُستغل في تنشئة الأجيال على مبادئ الدين الحنيف، تصويم الأطفال الصغار في اليوم الأول من شهر رمضان رغم أن هذه العادة تسير في طريق الاندثار، حيث تحرص النساء على تربية الأبناء من خلال تجربة الصوم التي تعلمهم الصبر على الجوع، ولا تختلف التجربة تماما عن تحضير الأواني الفخارية أمام البنات الصغار لتلقينهن أبجديات هذا العمل الحرفي.
بحسب الباحث في التراث يوسف أوراغي، فإنّ تصويم الأطفال في اليوم الأول لرمضان يسبق عملية تجهيزهم نفسيا لخوض هذه التجربة التي تتم وفق المعتقد المتداول كأن الطفل بصيامه قد أثبت دخوله في الإسلام الذي بدأ بعملية ختانه سابقا.
وكي تنجح تجربة الصوم الأول يتعين على الطفل أن يرتدي لباسا جديدا، ويمنع من الخروج من المنزل خوفا من تعرضه للإعياء أو الجوع أو العطش، وينتظر حلول موعد آذان المغرب، ليتم وضعه في أعلى مكان بالمنزل بالاعتماد على السلم ويُقدم له كأس من عصير “الشاربات” توضع فيه قطع ذهبية.
وفيما يخص البنات التي تصوم أول مرة، فالعادات تختلف بحسب الأستاذ أوراغي، حيث يتم شراء بعض الأواني الصغيرة التي تُسلم إلى الفتاة الصائمة لأول مرة، ويطلب منها مرافقة أمها في المطبخ وتقليدها، بحيث تحضّر بنفسها عجين “شربة المقطفة” وهذا بغرض تعليمها الطبخ وتأهيلها لتكون ربة بيت ناجحة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19761

العدد 19761

الأربعاء 30 أفريل 2025
العدد 19760

العدد 19760

الثلاثاء 29 أفريل 2025
العدد 19759

العدد 19759

الإثنين 28 أفريل 2025
العدد 19758

العدد 19758

الأحد 27 أفريل 2025