أسماء مستعارة واستفسارات أسرية وتربوية ونفسية وأخرى زوجية وصحية تتصدر منصات التواصل الاجتماعي، حيث يزداد إقبال روادها يوما بعد يوم على مشاركة ما يشغل بالهم وربما ما يعكر صفو حياتهم وفق “الغد”.
نعيش اليوم واقعا أصبحت فيه منصات التواصل الاجتماعي جزءا أساسيا من تفاصيل حياة الفرد اليومية. وفي الآونة الأخيرة، بات الكثيرون يلجؤون إليها لمشاركة مشاكلهم ومواقفهم الشخصية بأسماء مستعارة أو مخفية، طلبا للنصيحة أو بحثا عن إجابات لأسئلة تؤرق تفكيرهم.
لكن ما لا يدركه الآخرون أن لكل فرد تجربة مختلفة، وبالتالي فإن النصائح التي تقدم تكون مبنية على وجهات نظر وتجارب شخصية. وبينما تمتلئ هذه المنشورات بتعليقات وآراء مختلفة، يجد البعض نفسه في حيرة وتخبط أمام تعدد النصائح.
ويذهب آخرون في تعليقاتهم إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث ينتقدون صورة الأسرة والعلاقات الاجتماعية بشكل قد يؤثر سلبا. وهنا يطرح التساؤل: هل يمكن اعتبار منصات التواصل الاجتماعي مصدرا موثوقا للحصول على الاستشارات؟
يبين النفسانيون أن توجه الأفراد لهذه المنصات يعود إلى عدة أسباب، أبرزها سهولة الوصول إليها، وإمكانية استخدامها من خلف الشاشات دون الحاجة للكشف عن الهوية أو التفاصيل الشخصية والاجتماعية للشخص.
ومعظم الأشخاص يفضلون الدخول إلى هذه المنصات بهوية مجهولة واسم مستعار، مما يمنحهم شعورا بالراحة وحرية التعبير من دون قيود أو شعور بالحرج والخجل.
ارتفاع كلفة العلاج لدى الأطباء والمختصين قد يكون أيضا من الأمور التي تدفع الأفراد للبحث عن النصيحة عبر منصات التواصل، فبعض المستخدمين يعتقدون أن صاحب التجربة مؤهل لتقديم المشورة، إلا أن هذا غير صحيح، فلكل إنسان تفاصيل وظروف حياة مختلفة، وما يناسب شخص قد لا يناسب شخص آخر.
ووفق المختصون فإنهم ضد مشاركة المشاكل الشخصية عبر وسائل التواصل، بسبب ضعف في التفكير النقدي. فعندما يقرأ الفرد منشورا على هذه المنصات، لا يقوم بتحليله أو تقييمه لمعرفة إن كان صحيحا أم خاطئا، مناسبا له أم لا.
إن الاطلاع على تجارب الآخرين يمكن أن يكون مفيدا ومصدر تعلم، لكنه يتطلب قدرة على التمييز بين ما هو مناسب للشخص وما لا يناسبه، وهو جانب قد نفتقر إليه إلى حد كبير.
وهناك من يعتقد أن تجارب الآخرين قابلة للاستفادة، لكن ليست كل التجارب تستحق التعلم منها. حيث يشارك الناس جزءا من تجربتهم ويخفون أجزاء أخرى تكون مؤثرة في النتيجة النهائية التي توصلوا إليها.
ويُطرح هنا تساؤلا: “هل يستطيع طالب المشورة فلترة الردود وانتقاء ما يناسبه؟” ويجيب المختصون بأن الواقع يظهر أن الفرد، وسط زحمة الآراء، يميل بشكل انتقائي إلى الردود التي يرغب في سماعها.
منصّات غير صالحة لمناقشة القضايا النّفسية
في كثير من الأحيان قد يكون الشخص على دراية بالحل، لكنه يلجأ للآخرين ليحصل على تأكيد ودعم لرأيه وتصرفه.
من جهة أخرى، يُلفت النفسانيون إلى أن منصات التواصل قد تكون مناسبة لبعض المواضيع البسيطة، مثل أسئلة عن ديكور المنزل أو ما يساعد في تسهيل الجوانب المعيشية، لكنها غير مناسبة لمناقشة القضايا النفسية.
أمّا المنصات المتخصصة التي يديرها مختصون في العلاج النفسي، أو الأمن المعلوماتي، أو الدعم التقني، فيمكن الوثوق بالمشورة المقدمة من قبل محترفين معتمدين. أما في غير ذلك، فيؤكدون أن منصات التواصل الاجتماعي ليست المكان المناسب للحصول على الإرشاد أو المشورة.
ويُفسّر الخبراء أن النصائح المتداولة عبر هذه المنصات غالبا ما تفتقر للدقة والأسس العلمية، وتعتمد على تجارب شخصية غير قابلة للتعميم، بالإضافة إلى أن دوافع ونوايا مقدمي النصائح قد تكون مجهولة وغير معروفة.
ويُؤكّدون على أهمية حماية النفس من التأثيرات السلبية لهذه المنصات من خلال التثقيف، ومعرفة حدود استخدامها بحيث يتم توظيفها بما يفيد الفرد ويسهل حياته.
كما يحذّرون من خطورة النصائح المتداولة حول التربية، والتي قد تربك الأمهات، فتقديم نصائح في التربية لا يكفي فيه اجتياز دورة تدريبية، حيث إن الكثيرين يسقطون فلسفاتهم الشخصية حول الأبوة، والزواج، والعلاقات على من يطلب المشورة. لذا الطريق الصحيح للحصول على المشورة هو الرجوع إلى المختصين المؤهلين وأصحاب الخبرات العلمية والمهنية الحقيقية.
تعميــــم تجــــارب الآخريــــن
الأخطر “تسويق الآراء”، هو ميل الناس لسماع تجارب الآخرين وتعميمها رغم أن لكل شخص ظروفه الفردية، الاجتماعية، البيئية والتربوية المختلفة، وهوما يجعل الحلول الشخصية غير قابلة للتطبيق على الجميع. بالمقابل، يقدم المختص رأيا موضوعيا ومحايدا يناسب الحالة الفردية المعروضة أمامه. فـ “نحن خبرات إنسانية متراكمة، وأحيانا قد تكون هناك تشابهات بين التجارب، لكنها لا تعني الوصول لنفس الحل”.
ويؤكّد الخبراء أن التصرف الصحيح عند البحث عن حل لمشكلة نفسية أو اجتماعية هو التوجه إلى المختصين المؤهلين، خاصة إذا كان الفرد يعاني من اضطراب نفسي، إذ يستطيع المختص تقييم ما إذا كانت الأزمة عابرة أم ناتجة عن خلل نفسي أو اضطراب وراثي أو ناتج عن ظروف متراكمة، كما يؤكدون على أهمية وعي الفرد بضرورة مراجعة ذاته وأخطائه، مع أهمية عدم الاعتماد على تجارب الآخرين بل التوجه إلى المختصين أصحاب الخبرة، والذين يتحلون بالضمير المهني وسرية عالية.