بدأت العائلات الأوراسية باكرا تحضيراتها لاستقبال عيد الأضحى المبارك، كون الاحتفال به من بين اهم المناسبات التي يحرص عليها السكان بولاية باتنة، وإحيائها بكل طقوسها ومراسمها، حيث تستعد للمناسبة قبل أسابيع وتختلف مظاهر الاستعداد من بلدية لأخرى، إلاّ أنها تشترك في التحضيرات المنزلية كالتنظيف واقتناء مستلزمات النحر والسلخ وصناعة الحلويات التقليدية خاصة.
بدأت عائلات باتنة في تحضيرات “العيد الكبير” خاصة ما تعلق باقتناء أضحية العيد ولوازمها من سكاكين، أدوات الشواء، كالفحم، حيث تشهد كل الأسواق إقبالا منقطع النظير للمواطنين على اقتناء هذه المستلزمات، التي ترافقها مظاهر وعادات راسخة تتفق بشأنها جميع العائلات الأوراسية كتنظيف المنزل وتغيير ديكورها وتجديد بعض أثاثه، خاصة ما تعلق بالأفرشة والزرابي واقتناء الأواني الخاصة بالمناسبة لاستقبال الضيوف.
وتحرص ربّات البيوت على ذلك تعبيرا عن سعادتها لقدوم العيد والنحر، حيث تكون المناسبة للفرح ويكون تنظيف المنزل غير عادي حيث لا تكتفي ربات المنزل بتنظيف الارض وزجاج النوافذ والأثاث بل يتم تبعا للمناسبة تُنظف الحيطان والأسقف وحتى الأفرشة وستائر النوافذ، واقتناء بعض العطور المنزلية لرشها يوم العيد ليشعر الوافد على المنزل بروائح زكية منعشة.
وبينما تهتم المرأة بتنظيف المنزل، نجد الرجال حريصين كل الحرص على اقتناء أضحية العيد، وتوفير باقي مستلزمات عملية النحر من شحذ للسكاكين وتجهيزها واقتناء الفحم، إلى جانب شراء الأكياس البلاستيكية وقصب الشواء والشوايات لقضاء أوقات ممتعة بعد النحر مع العائلة والاطفال وبعض الأقارب وحتى الجيران.
وتحتل عادة صناعة الحلويات التقليدية خاصة حلوى الاستقلال المعروفة محليا بقاطو الكروكي أهمية كبيرة، وهي حلوى تقليدية تتميز بها الولاية، إضافة إلى حلوى المقرود وغيرها من الحلويات التي يفضل أن يكون عصير الليمون ضمن خلطتها ليتناسب تناولها مع اللحم والمساعدة على الهضم.
وتتفنن المرأة في صناعة الحلوى التي يستمتع الأطفال بذوقها وأشكالها، فغالبا ما تكون الحلويات الجافة على عكس عيد الفطر، الروائح المنبعثة من المطبخ معلنة اقتراب موعد عيد الأضحى، بعث السعادة والفرح في شوارع وأزقة الولاية بالرغم من تزامنه مع امتحانات شهادة التعليم المتوسط، فقد تعذّر على بعض الممتحنين الاستمتاع بإخراج عيد الأضحى الى الحي ليلتقوا مع أبناء الجيران الذين يخرجون بدورهم اضحيتهم، ما يرسم صورة جميلة تبقى راسخة في أذهانهم لتكون أهم ذكرى تروى مستقبلا لأطفالهم.
كما يعتبر “خبز الدار” الذي يزين موائد العيد بباتنة من العادات الغذائية غير قابلة للتغيير، وهو من الأطباق التي لا غنى عنها ويستحسن تحضيرها بالمنزل وبكميات كبيرة لتناوله كل أيام العيد مع اللحم بكل انواعه مقليا كان أو محمرا داخل فرن أو مطبوخا بعد أن يضاف له بعض التوابل والطماطم وقليل من البصل والفلفل.
وتفوح هذه الأيام من منازل باتنة رائجة خبز الدار الزكية الذي يعتبر من الأطباق الرئيسية أيضا في رمضان ولا يمكن تخيل مناسبة عيد الأضحى بباتنة دونه، فمذاقه اللذيذ ورائحته الشهية تكون اعلانا بقدوم عيد الأضحى.
وخبز الدار بباتنة ضروري جدا لمائدة العيد فيما بعض العائلات تفضله مطهيا بالمخابز وأخرى بأفران المنزل، فالمهم أن يكون حاضرا طيلة أيام العيد يُتناول مع اللحم أو مع قهوة الصباح، أو مع وجبة الغداء الخاصة بثاني أيام عيد الفطر في حال لم يكن الطبق التقليدي من المعجنات كالبربوشة والشخشوخة التي يكون حضورها أيضا إلزاميا، وإن كان بكمية قليلة جدا فالمهم هو الحفاظ على تقليد طهي الشخشوخة، وتناولها صباحا قبل تقطيع الأضحية وتناول اللحم.
أمّا التحضيرات الأخرى فتشمل الإقبال الكبير على اقتناء مستلزمات الطهي كالتوابل الضرورية في إعداد بعض المأكولات الشعبية الخاصة بالمناسبة، والتي تحضرها في أول أيام العيد، وهي مكونات لا غنى عنها في طهي هذه الاكلات كالكسكسي والبكبوكة، فضلا عن العصبان، البوزلوف والدوارة وأخيرا تحضير لحم القديد وهو تخصيص جزء من لحم الأضحية، وإضافة مختلف التوابل عليه ونشره على حبل أمام أشعة الشمس ليتحول بعد مدة إلى لحم يابس يدخر للشتاء لتحضير أطباق شتوية مميزة.
وتشهد منذ مدة محلات بيع التوابل توافدا كبيرا لاقتناء أجود أنواعها وأحدثها، وتفضل بعض النسوة طحنها بنفسها لتعطي نكهة خاصة للأطباق التي تحضرها في هذه المناسبة، في حين تفضل نسوة اخرى اقتناءها جاهزة للتفنن في تحضير الأطباق التقليدية، وتنتظر العائلات العيد بشغف كبير، لتعزيز قيم التكافل الاجتماعي وترسيخ الأجواء العائلية والروحانية الخاصة بالمناسبة كزيارة للأقارب والفرح معهم.