“ الشعب” تنقل معاناتهم في يومهم العالمي

المسنون المتقاعدون.. يواجهون التهميش

فتيحة / ك

معاشات لا تلبي الحاجيات ومتاعب مع الطوابير

ككل سنة يحتفل المسنون بيومهم العالمي، استغلت “الشعب” المناسبة لتنقل واقع المتقاعدين، الذين حزموا أمتعتهم بعد سنوات طويلة من العمل والجد والعطاء نحو حياة جديدة لا يعرفونها، وأضحوا يشعرون فيها بفراغ قاتل تحت تسمية “التقاعد”...  نقلت “الشعب” الى الميدان ونقلت لكم آراء متقاعدين لنجمع في سطور حسرات وأحزان لفئة أكبر همها أنها أصبحت بلا فائدة للمحيط الذي تعيش فيه...

«... أرفض بقائي بلا عمل”

عمي كمال - ش، متقاعد منذ عشر سنوات وجدناه ينتظر الحافلة في ساحة “موريس أودان”، سألناه عن يومياته كمتقاعد فقال: “عملت لأكثر من 35 سنة في الحماية المدنية وبعدما كنت لا أجد وقتا لارتاح فيه حتى في المناسبات الدينية أو الوطنية أصبحت فجأة ودون سابق إنذار لا أجد ما أفعله لملء وقت فراغي.”
واستطرد عمي كمال قائلا: “أتذكر أنني في الأيام الأولى من تقاعدي أصبت بالأرق وبهاجس منع عني راحة البال والنوم، لأنني كنت أفكر دائما في الطريقة التي تجعلني شخصا نافعا يتحمل الكثير من المسؤوليات في العمل، وبالفعل بحثت عن عمل ولكن سني منعني من الحصول على واحد فترسخ في داخلي شعور غريب بأنني أصبحت عبئا على أبنائي بعدما كنت مسؤولا عنهم صرت أحد مسؤولياتهم خاصة بعد إصابتي بأمراض مزمنة كالسكري، الضغط، والقلب.”
أما عمي احمد  كلول، 75 سنة فقال: “منذ خمسة عشر سنة أحلت على التقاعد بعدما اشتغلت لسنوات طويلة كسائق شاحنة في إحدى المؤسسات العمومية، أتذكر أنني أصبت بالكآبة مباشرة بعد دخولي عالم البقاء بدون عمل ـ لذلك فكرت في البحث عن عمل وبالفعل وظفت عند أحد الخواص كسائق ثم كحارس لأربع سنوات كاملة ولكن طردت بسبب السن وعدت إلى نقطة الصفر التي انطلقت منها،... ظن الجميع إنني أريد ملء وقت فراغي ولكني كنت أبحث عن مصدر رزق إضافي لأن منحة التقاعد لا تتجاوز 10 آلاف دج، فرغم أنني بدأت العمل في سن الخامسة عشر إلا أنني لم أسو وضعيتي المهنية إلا في سن متأخرة، لذلك لم تتجاوز سنوات عملي العشرين سنة، والجميع يعلم أن المرء عندما يبلغ سن متقدمة يصاب بالكثير من الأمراض المزمنة التي تحول حياته إلى مأساة حقيقة مع قلة المال”.
 أضاف احمد كلول قائلا: “عندما أحلت على التقاعد كان أكبر أبنائي في الثامنة عشر من عمره، أما أصغرهم فكان في العشر سنوات، كانت معاناة حقيقية مع مصاريف الدراسة ومستلزمات الحياة عامة، كنت بعض الأحيان استدين حتى أوفر لقمة العيش لهم.”.
وفي حديثه إلى “الشعب” قال عمي احمد كلول إنه في تلك اللحظات شعر بالضعف والهوان وقلة الحيلة، لأنه تحول إلى رجل عاجز ومتقاعد لا حول له ولا قوة خاصة مع غلاء المعيشة، ففي كل سنة ترتفع الأسعار أكثر مما كانت عليه.

في الـ 70 وما زالت تعمل
 
خالتي مليكة، 70 سنة، كانت تعمل كعاملة تنظيف في مؤسسة خاصة، أحيلت على التقاعد منذ خمس سنوات تقريبا روت يومياتها كمتقاعدة  لـ«الشعب” قائلة: “لم أرد البقاء بدون عمل لأنني في حاجة ماسة به لأنني أعيل أبناء ابنتي المتوفاة في حادث مرور وكذا أبناء ابني المعاق، ولكن رب العمل لم يستطع تركي أعمل لأكثر من 65 سنة، خرجت بمنحة تقاعد لا تتعدى 10 آلاف دج، رقم ضعيف أمام متطلبات الحياة الغالية، بالإضافة إلى الأمراض المزمنة التي أعانيها وابني.”
أضافت خالتي مليكة قائلة:« اعلم أن منحة التقاعد اليوم حددت بـ 18 ألف دج كحد أدنى، ولكن عملي غير المستقر جعلني أتقاضى منحة تقاعد هزيلة لا تستطيع تأمين ربع الحاجيات اليومية لعائلتي لذلك أعمل في المنازل كمنظفة، وفي بعض الأحيان طباخة في الأعراس فقط لتوفير بعض المال.”، مؤكدة في سياق حديثها أن الكثير من المتقاعدين يشتكون الفراغ والوحدة أما أنا فلم أشعر بعد بذلك لأنني لا أستطيع الجلوس لأرى عائلتي تعاني الأمّرين في حياة لا ترحم.”

إجراءات لصالح المسن

أما عمي كمال توات، 68 سنة ، كان يعمل كطباخ في إحدى المؤسسات العمومية تطرق الى الإجراءات الجديدة التي أقرتها السلطات المعنية للتخفيف على المسنين فقال: “من أهم الأمور التي استحسنتها هذه السنة تخصيص فرق من الدوائر لتنقل إلى مقر سكن المسنين و ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى من أجل استكمال الإجراءات الإدارية الخاصة بجواز السفر البيوميتري، كما تم تخصيص فرق صحية للتكفل بهم وسط عائلتهم لسد الطريق أمام وضعهم في دار العجزة.”
أضاف  كمال توات قائلا: “يجب أن نتعرف عن قرب على مشاكل المسنين الراهنة التي أدت إلى ظاهرة صراع الأدوار داخل الأسرة والمجتمع، لأنهم وبمجرد إحالتهم على التقاعد يصبح صاحب الأجر الأكبر داخل الأسرة المتحكم بزمام الأمور ما سيؤدي إلى آثار نفسية وخيمة على المسن الذي غالبا ما يعيش شيخوخة صعبة.”

وأخيرا...  
حاولنا في هذا المقال تسليط الضوء على يوميات هذه الفئة الهشة التي تعاني الأمّرين رغم الإجراءات المتخذة من طرف الدولة من أجل تحسين وضعيتهم المادية ولكن تبقى متطلبات الحياة وتهميش المجتمع انطلاقا من الأسرة لها وقعا أكبر عليهم بالنسبة لهم لما له من آثار نفسية سيئة على حياتهم ككل.
 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024