«الشعب» تنقل شهاداتهم في اليوم العالمي لمكافحة السيدا

مـصابـون بـ«الإيـدز» يتــألّمـون في صمت

فتيحة / ك

يعيشون في عزلة تامة عن المجتمع...، يعانون في صمت مطبق لأن مرضهم بمثابة العار الذي سيكون لا محالة سببا في اقتلاع جذورهم من المحيط الذي يعيشون فيه خوفا من اكتشاف سرّ الفيروسات التي تسري في عروقهم...إنه الايدز المرض الذي اقترن اسمه دائما بالسوء و الفضيحة... «»الشعب» تنقل تفاصيل معاناة شريحة اجتماعية وشهادات حية من عمق الجرح
الشهادات الحية التي جمعتها «الشعب» من أفواه المرضى أدل على ذلك، فهم يفضلون الموت ألف مرة على أن يعرف مرضهم طالما أن ردة الفعل الأكيدة في لحظة الكشف عن السرّ الدفين هي الحكم بالإعدام على عضويتهم الاجتماعية... هكذا بدت لنا الصورة ونحن في الميدان للتحري لكشف المعاناة.
أبي أقسى من المرض
- «جمال- و»، شاب في العشرين من العمر، جسمه النحيل يوحي بأنه يعاني مشاكل صحية ولكن لن يخطر على بال احد أن سبب مرضه هو داء العصر الايدز، سألته «الشعب» عن كيفية تعايشه مع المرض فقال: «أصبت بالمرض منذ ما يزيد عن خمس سنوات، فعندما كنت في الثانية عشر من عمري توفيت والدتي وبعدها بفترة تزوج أبي من أخرى أرتني الويل، وكانت السبب المباشر في هروبي من المنزل ومن كل  الولاية التي كنت أعيش فيها وتوجهت إلى العاصمة أين عشت فيها  لسنوات في الشارع، وهو السبب الذي جعلني  أدمن المخدرات والكثير من السلوكات السيئة التي ادت وانا في الخامسة عشر من عمري الى اصابتي بهذا المرض الذي اصبح بالنسبة لي الغول الذي ينهش في كل يوم جسدي، ليكون بالنسبة لي الموت البطيئ».
 سألنا «جمال-و» عن لحظة اكتشافه للمرض فقال: «أتذكر أنني كنت أعاني من إصابات متكررة للأنفلونزا، وافقد الشهية أحيانا كما كنت اشعر بالتعب، وفي إحدى المرات سقطت ولم اعرف ما حدث لي ولكن عندما أفقت وجدت نفسي في مستشفى  القطّار وكثير من الأطباء حولي ومع مرور الوقت اخبرني احدهم أنني مصاب بالسيدا، أتذكر أنني لم أدرك حينها حجم الكارثة لأنني لم أعِ جيدا ما معنى ذلك، ...أتذكر أن والدي تملّص من مسؤوليته اتجاهي وطلب من الأطباء عدم الاتصال به لأنه تبرأ مني لحظة هروبي من المنزل،... في الحقيقة وبعد سنوات في المستشفى وبعد تعرفي على أناس طيبين يعملون متطوعين في بعض الجمعيات عرفت أن والدي اقصى بألف مرة من المرض وأتمنى أن لا يعرف أبدا ما أصابني، فمن لا يرحم صغيرا لا يرحم كبيرا، ومن لا يشفق على طفل لن يشفق على مريض ، ولكن وللأمانة لولا تكفل الدولة بالمرضى لما كنت هنا اليوم».
ابنتي أعادت لي الحياة
- سعيدة- ش، امرأة من الغرب الجزائري تجاوز سنها العقد الخامس مصابة بالايدز منذ ما يقارب خمس عشرة سنة، حكايتها مع المرض تشبه الكثير من القصص لنساء كان الزواج بالنسبة لهن بداية النهاية، فتحت قلبها لـ»الشعب» قائلة: «منذ صغري كنت مخطوبة إلى احد أقاربي الذي كان مهاجرا بإحدى الدول الأجنبية، وعندما توفي والدي قررت عائلتي تزويجي إلى الرجل الذي كان بالنسبة لي حلما لا يمكن تحقيقه، فهو شاب متعلم ويعمل في الخارج ويتقاضى أجرا بالعملة الصعبة،....المهم بعد شهور من التحضيرات وفي عرس كبير دخلت الحياة الزوجية وأنا كلي أمل في  بناء أسرة سعيدة يملؤها الحب والود،... لكن هيهات أن تكون الحياة بهذه السهولة، فبعد سنتين من زواجي بدأت أعاني من بعض الأعراض المرضية المتكررة والتي غالبا ما كنت أرجعها إلى التعب خاصة وأنني كنت أعيش مع أهله لأنه لم يستقر بصفة نهائية بالجزائر».  واستطردت سعيدة قائلة: «اكتشفت المرض بعد إجرائي لفحوصات شاملة بعد شهرين من حملي، بالنسبة لي كانت الكارثة فكل أحلامي التي رسمتها لمستقبل عائلتي تحطمت. وكل السعادة التي شعرت بها عندما اخبرني الطبيب أنني سأصبح أما تبخرت وعوضا عنها شعرت بخوف شديد وإحباط كبير ....فكرت في طريقة للتخلص من العار الذي سكن جسدي ولم أجد سوى الانتحار،....حاولت ولكن لم استطع فعل شيء فالقدر أراد أن أعيش مع المعاناة جنبا إلى جنب،....فكرت في ابني الذي سيولد مريضا بالايدز بسببي ، فكرت في سبب إصابتي به لأنني امراة عفيفة لم افعل سوءا في حياتي،...كيف أصبت بهذا العار وهو المرض الذي نربطه دائما بالانحلال الخلقي والتميع.....يا الهي ماذا حلّ بي وبعائلتي.....هذه الأسئلة كادت تجعلني أصاب بالجنون ولكن رحمة الله كانت اكبر وأوسع رغم أن زوجي رفض إجراء التحاليل الطبية واتهمني في شرفي ورحل إلى الأبد بعد تطليقي طبعا، ولكن الحمدلله انه لم يخبر أحدا من العائلة ربما خوفا من أن يتهم بأنه السبب»، واضافت قائلة: «رغم كل ما عشته من انهيار نفسي وإصابتي بحالة اكتئاب شديدة الا ان بصيص الأمل الذي منحني إياه الأطباء أعطاني حياة أخرى لحياة كنت أظن أن شمعتها قد انطفئت، فقد اخبرني الأطباء أن ابنتي التي احملها في بطني يمكنها أن تولد دون ان تصاب بالإيدز».......»اتذكر انني في تلك الليلة لم انم بل صليت لله تعالى شكرا لأنه انقذ ابنتي من موت محتم وأن كانت تتنفس وتنمو، وبالفعل ولدت وهي في صحة جيدة، وهي اليوم ابنة الخمسة عشر سنة، أخبرتها بمرضي حتى تكون واعية بالأسباب التي تجعلني حذرة في كل سلوك أقوم به،.....أخبرت أخي منذ سنة تقريبا بحقيقة مرضي وقصتي مع زوجي وطلبت منه أن يعتني بابنتي إن اخذ الله تعالى أمانته، والحمد لله انه سترني من تعرضي إلى الإهانة في مجتمع لا يرحم من هم مثلي وان كانوا أبرياء من أي فعل مشين».
نموت في اليوم ألف مرة
-  «محمد – س «، مثال آخر للمعاناة التي يعيشها مرضى الايدز لأنه وزوجته وابنه الوحيد عائلة مصابة بمرض فقدان المناعة، تعيش بالجزائر وسط أين يدرس الطفل في الطور الثاني، سألناه عن يوميات عائلته مع المرض فقال: «منذ اكتشاف إصابتنا بالمرض ونحن نحاول إخفاءه عن الجميع فقد اطبقنا جدران الصمت وصرنا نتكلم همسا خوفا من ان يسمع احد ما لا نريد ان يعرفوه، لأنني اعلم جيدا أن العواقب ستكون وخيمة فسنطرد بلا رحمة من العائلة ، المجتمع ومن الحياة كلها وسنسجن الى الابد في زنزانة العار والفضيحة رغم انه مرض و ليس لعنة» ... سألنا «محمد- س» عن الكيفية التي يتدبر بها أمور حياته وعن تعايشه مع المرض فقال: «لم أتخيل يوما إنني سأستطيع إخفاء أمر كهذا عن الجميع خاصة والدتي ولكن خطورة الوضع جعلني اخبر ولدي وهو طفل عن كل ما يجب اتخاذه من احتياطات حتى نبقي الأمر سرا ، طبعا كان الانتقال من بيت العائلة أول خطوة للاحتفاظ بالأمر سرا، ثم تغيير المدرسة لابني مع اعطاء الادارة ملفا طبيا عن مرضه بالسكري لتفسير تغيباته المتكررة عنها، اما زوجتي فتوقفت عن العمل لأنها لم تستطع تحمل الصدمة بل كادت تنتحر بعد اكتشاف  اصابة طفلنا بهذا المرض، في الحقيقة حملتني مسؤولية الإصابة رغم أني لا اعرف إلى اليوم كيف أصبت به...، المهم أن الجمعيات التي تتكفل بالمرضى نفسيا واجتماعيا مع توفير الأدوية مجانا ساعدنا كثيرا على تخطي الأمر، وأتمنى أن يصحح المجتمع نظرته إلينا لأننا رغم كل شيء نحن مرضى لا أكثر ولا أقل وبسبب تلك النظرة القاسية نموت في اليوم ألف مرة خوفا من اكتشاف المحيط لمرضنا».

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024