بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

أكــثر من 7 آلاف امـرأة معنفــــــــة خلال 9 أشهــر

فتيحة / ك.

حالات من الاعتداءات تنقلها «الشعب»
بعيدا عن آراء المختصين الذين ينظرون لظاهرة العنف ضد المرأة في المجتمع الجزائري; ارتأت «الشعب»، اليوم، أن تعطي الكلمة  إلى نساء عانين الامرّين بسبب عنف معنوي وجسدي قد يصل إلى القتل في بعض الأحيان، فاليوم الجميع يتفق حول الخطوات التشريعية العملاقة التي قامت بها العدالة الجزائرية لحماية المرأة  في المجتمع، إنها شهادات ترصدها «الشعب» في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، شهادات رفضت المعنيات ذكر أسمائهن في تصريحات عابرة..

تحدثّن بكلمات كل حرف فيها يعكس حجم المعاناة التي عشناها في مجتمع لم يهضم بعد دور المرأة المحوري في صناعة المستقبل..
  الغيبوبة منحتها القوة لطلب الخُلع؟؟
رزيقة – ز، 36 سنة، إطار سامي في الهندسة المعمارية و منتخبة محلية في إحدى البلديات بولاية داخلية، تنتظر الفصل في قضية خُلع رفعتها ضد زوجها الذي لم تعش معه كزوجة سوى ستة أشهر، سألتها «الشعب» عن سبب استحالة إكمال حياتها معه فأجابت: «كنت الفتاة الوحيدة بين خمسة إخوة، تربيت على الدلال والعز رغم ان والدي توفي وأنا في التاسعة فقط، كانت والدتي بالنسبة لي أكثر من مجرد امرأة كانت السبب في ولادتي بل القدوة التي علمتنا ان الحب يصنع المعجزات، وان المرأة المخلصة تبقى وفية للرجل الذي تقاسمت معه حياتها وروحها الى الابد وإن سرقته الموت منها، هذه الأفكار التي نشأت عليها جعلتني متطلبة كثيرا في اختيار الزوج المناسب ليكون شريكي الأزلي في كل شيء ، لذلك تأخرت في قبول الارتباط الى سن 35 سنة أي منذ سنة تقريبا.»
 تنهدت ر- ز و أخذت نفسا عميقا وواصلت حديثها الى «الشعب» قائلة :»تعرفت على هذا الرجل منذ خمس سنوات تقريبا، فقد كان يتردد كثيرا على البلدية التي كنت منتخبة محلية فيها، ومع مرور الزمن حدث تقارب بيننا وكان دائما يخبرني أنني امراة قوية استطاعت تحدي المحيط المحافظ والتقليدي الذي أعيش فيه وأخوض عالم السياسة / هذه الكلمات نزلت في نفسي منزلة عميقة و مكنته من التربع على عرش قلبي الذي لم يستطع رجل قبله اخضاعه أو التلاعب به، وبالفعل بعد سنة ونصف تقدم لخطبتي من اخوتي و لكنه وجد أمامه رفضا قويا منهم و اعتبروه غير مناسب ليكون زوجي المستقبلي و لكن اصرار والدتي على ردها الايجابي لطلبه جعل اخوتي يستسلمون لها ويقبلون به، وبالفعل وفي غضون شهور قليلة تزوجنا وانتقلنا الى العيش في بيت منفصل عن أهله و هناك وجدت رجلا لم أتصور يوما أنني سأقبل بمثله.»
سكتت ر- ز قليلا ، واغرورقت عيناها بالدموع وقالت:» كان الحمل أول اختبار عرّفني بالوحش الذي يسكن داخله / فبعد شهر فقط من زواجنا كنت حاملا بطفل كنت أظنه سبب إضافي لنبقى معا، ولكن هيهات ان تكون الحقيقة هكذا، فبمجرد ان أخبرته بالامر غضب وأصيب بحالة هيستيرية جعلته يضربني بقوة غير آبه بحالتي الصحية، صفعني وركلني ورماني أرضا و لم يتوقف إلا عندما رآني أنزف، حينها حملني الى المستشفى وأخبرهم أنني سقطت في سلالم العمارة، ولأننا في مجتمع بدوي و تقليدي  صدّقوه و كتب التقرير الصحي على هذا الاساس، ....عندما استفقت من حالة الاغماء التي أصبت بها أعلمتني الطبيبة المشرفة على حالتي ان السقطة كانت قوية وسببا في اجهاضي، سيطر ت علي حالة من اليأس و الحزن ورغم كل ما أملكه من شهادات عليا و منصبي في البلدية سكت عن معاملته لي لأنني في الأول والأخير زوجة تفرض عليها الاعراف والتقاليد أن تتستر عليه.»
« الغريب في الامر أنني لم أواجهه بما فعل، وبعد شفائي عدت الى حياتي وكأن شيئا لم يحدث، ولكن حملي الثاني كان القطرة التي أفاضت الكأس لأنه فعل كما في المرة الاولى، و اجهضت طفلي الثاني بسبب الضرب و المعاملة السيئة التي كان يعاملني بها ولكن في هذه المرة اعترف صراحة انه لا يريد ان يكون له طفل مني، لأنه متزوج في احدى الولايات وله من زوجته التي يحبها طفلين، وعندما سألته عن سبب زواجه مني ان كان لا يرغب في ان أكون أم أولاده أجابني انه يريد مالي كله و طلب مني ان اكتب له الشقة والسيارة على اسمه وان أتقاسم معه حسابي البنكي حتى يستطيع البدء في مشروعه الاستثماري، رفضت وقاومت و أخبرته انه رجل ميت بالنسبة لي و انني لن أعطيه فلسا واحدا من مالي، لأنه ملك لوالدي الرجل الذي لم يستطع ان يكسب الربع من أخلاقه و رجولته.»
و هنا بكت هذه المرأة بقوة شديدة ....و بعد هنيهة قالت:» عندما أيقن أنني عرفت شخصيته الحقيقية أصيب بحالة من الجنون ضربني، بصق على وجهي ، جرني من شعري و لكني لم أخف منه و لم أضعف أمامه ، لذلك حمل حاسوبي المحمول ورماه على رأسي، حينها سقطت أرضا ولم أتذكر شيئا طوال خمسة عشرة يوما ،....عندما استفقت وجدت رجال الدرك الوطني ينتظرون أخذ أقوالي، اخبرني أخي انه عندما ضربني بالحاسوب المحمول على رأسي فقدت الوعي، و كان تدخل الجيران الذين اتصلوا بالدرك الوطني السبب في إنقاذ حياتي لأنني نزفت كمية من الدم، دخلت في غيبوبة لمدة إحدى عشر يوم، هذه الواقعة جعلتني أتأكد أنني أخطأت بالارتباط به، لذلك أدليت بشهادتي كاملة وهو اليوم موقوف ينتظر الحكم النهائي في قضية الضرب والجرح العمدي، بالإضافة إلى قضية الخلع التي ستعيد لي هويتي وشخصيتي و ستجعل الشمس تطل على أيامي من جديد.»

العنف الذي عشته سبب مواجهتي للمجتمع؟؟
كوثر – ي ، 33 سنة عاملة نظافة في إحدى المؤسسات العمومية، أم عازبة لطفل يبلغ من العمر 12سنة، عرفتها منذ أن كانت مراهقة لأنها كانت زميلة شقيقتي بثانوية حسيبة بن بوعلي، سألتها عما عاشته فقالت: «عشت وإخوتي الستة حياة بائسة بعد ان تخلى والدي عن والدتي وتركها وحيدة تصارع زوابع الحياة، فكانت دائمة الغياب عن المنزل لذلك كنا تقريبا نعيش بمفردنا ما جعلنا غنيمة جيدة للذئاب البشرية التي تختفي وراء ثوب الطيب المحب للخير، والدتي تزوجت سبع  رجال لكل واحد منهم عقليته الخاصة ولكن جميعهم حاولوا التحكم في حياتنا بفرض قانونهم الخاص لتسيير العائلة و لكن جميعهم زادوا الهوة بيننا وبين أمنا التي تركتنا لتعيش حياتها، عندما كبر أخي صار يضربنا و يتحكم بنا و يمنعنا من الخروج من المنزل حتى يحمينا من كل الأخطار الموجودة في الشارع و لكنه فشل في ان يمنحنا الحب الذي جعلنا متمردين عن المجتمع و أصبحنا في سن صغيرة نرافق الشباب و نصادق من هم أكبر منا، ما كان السبب في وقوعنا في أخطاء كبيرة كان ابني أحد نتائجها».
واصلت ك. - ي. حديثها إلى «الشعب» قائلة : «عندما علمت أمي بحملي طلبت مني الإجهاض و لكن رفضت ذلك بقوة لأنها من عرّفني على خطيبي الذي كان من المفترض أن يتزوجني، ولكن حملي خلط الأوراق و قلب حياتي رأسا على عقب، لأنه تخلى عني وأنكر ان يكون والد الطفل الذي تمسك بأحشائي و رفض ان يموت رغم محاولات والدتي وأخواتي وحتى أخي لإجهاضي، ولدته و أنا أعي ما سأعيشه في المجتمع و لكن الحمد لله ان عائلتي تركتني معها رغم كل ما فعله الجيران لطردنا من الحي الذي نعيش فيه ، والحمد لله أن الدولة فكرت في الأطفال الذين يعيشون مثل طفلي و أعطتهم منحة شهرية ساعدتني على تربية ابني و تعليمه في مدرسة ترفض بقاءه داخلها، فمن البواب إلى المدير ينظرون إلي والى ابني بدونية كبيرة».
هنا ذكرت ك-ي قائلة: «تعاني المرأة في المجتمع الكثير من العنف بدءا من الأسرة إلى الشارع وفي كل مكان تتواجد فيه لأنها دائما الكائن الأقل شأنا من الرجل ومن كل شيء يمكن مقارنتها به، أنا لا أبرر ما فعلته لأنه مخالف للدين و الأعراف و تقاليد المجتمع الذي نعيش فيه، ولكن لو كان في المجتمع ذرة خير و لم يعاملني ووالدتي بعنف يصل إلى الضرب و الإذلال لما وصلت إلى أن أكون أم عازبة تحدّت الجميع بالتكفل به وسط عائلتها والمحيط الذي ترعرعت فيه، العنف ضد المرأة متجذر إلى درجة اعتباره أمرا عاديا بالنظر إلى طبيعة المرأة لأنها دائما، بحسبهم «ناقصة عقل ودين»، لذلك المشكل عميق لأنه متعلق بثقافة تداولها المجتمع جيلا بعد جيل، لذلك لن يكون للقانون جدوى إن لم تتغير العقليات.»

«ضربت بقضيب من حديد»
مليكة -ح ، 29 سنة ، سيدة دمرت حياتها بالكامل بعد إصابتها بشلل نصفي نتيجة ضربها من طرف أخيها الذي أراد تزويجها بالقوة من رجل مدمن ، فتحت قلبها لـ»الشعب» وحكت قصتها كاملة و بلا تردد حتى يعرف المجتمع ما تعانيه المرأة في المناطق النائية فقالت:» ترعرعت على يد أخي الأكبر الذي تكفل بي و جعلني احد أبنائه بعد وفاة والدي، ولكنه رجل لا يؤمن إلا بالضرب و العنف والمرأة شيئا يمتلكه كما يمتلك الأرض و الميراث من الأب ، لذلك وعندما بلغت سن الخامسة عشر أراد تزويجي من أرمل يبلغ من العمر ستين سنة، في الحقيقة لم أشعر بحجم المأساة التي سأعيشها لأنني لا أملك الحرية في قول رأيي في المسألة، وبالفعل ذهبت الى بيت الزوجية وأنا لا أعرف شيئا عنها.»
صمتت مليكة لتستجمع قوتها ووصلت حديثها قائلة: «منذ اليوم الأول من زواجي أدركت أنني مجرد خادمة للشيخ وأبنائه الذين لم يتقبلوا وجودي في البيت ولأنهم يكبرونني بأكثر من عشرين سنة استطاعوا إيهام أنفسهم أنهم يستطيعون التحكم بي كوالدهم تماما و لكن مع مرور السنوات انتفضت و طلبت بيتا منفصلا بعد أن رفع احد أبنائه يده علي، ولكن رفضي قابلته دهشة من أخي وزوجي و شعرا بالاهانة والذل لأنني طالبت بحقي، لذلك لم يكلفا نفسيهما سوى ربطي بسلك حديدي و ضربي بشدة وكأنني جارية لا حق  لها ولا تملك من أمرها شيئا، انهالا علي بكل قوتهما ولم يتوقفا سوى عندما خافا ان اموت بسببهما، تركوني في المخزن بلا أكل و مساعدة حتى اكتشفت والدتي الامر ولولاها لكنت جثة هامدة، نقلت الى المستشفى وهناك اكتشفوا اصابتي على مستوى العمود الفقري لأنهما ضرباني بقضيب من حديد ، هما اليوم في السجن وأنا قابعة في كرسي متحرك انتظر ان تحين ساعتي لأموت وارتاح».


الأعر اف تنطق بأحكامها
  حتى يطلع القارئ على القوانين المعنية بحماية المرأة التي أقرتها تعديلات 2015، نقدم لكم بعض المواد القانونية التي حرص المشرع الجزائري على تواجدها لحماية المرأة ، ولكن يبقى التطبيق صعب جدا على ارض الواقع خاصة وان اغلب المعنفات يفضلنّ السكوت عن تلك الممارسات المرفوضة في حقهنّ.
 تناولت المادة 266 بالتفصيل، العقوبات بسجن الزوج الذي يقوم بضرب زوجته، من 12 شهرا إلى 3 سنوات، ويترتب عنه عجز الزوجة لمدة 15 يوما، ترتفع المدة إلى 5 سنوات في حالة ارتفاع مدة العجز عن 15 يوما، وفي حالة ترتب عجز أو بتر لأحد أعضاء الجسم بعد تعرض الزوجة للضرب من قبل الزوج، فتصل مدة السجن إلى عشر سنوات، و20 سنة، كما هو الحال بالنسبة لفقدان البصر، أو عاهة مستديمة، وترتفع العقوبة إلى السجن المؤبد، في حالة ما أدى العنف إلى وفاة الزوجة.
 لا يستفيد الزوج من التخفيف في حالة ما إذا كانت الضحية حاملا أو معاقة، أو في حالة ارتكاب الجريمة بحضور الأطفال القصر أو تحت تهديد  السلاح، وتتراوح مدة السجن في حالة العنف اللفظي أو النفسي ضد الزوجة، من 12 شهرا إلى 3 سنوات حبسا.
 تحدد المادة 330 الإهمال الاقتصادي للزوجة، وتقر بعقوبة السجن من 6 أشهر إلى غاية سنتين، وبغرامة مالية من 50 إلى 200 ألف دينار، في حالة ترك الزوج لأسرته لمدة تتجاوز شهرين.
أما التحرش أو المضايقات في الأماكن العمومية، فيترتب عنها السجن من شهرين إلى ستة أشهر، وغرامة تتراوح من 20 إلى 100 ألف دينار، وتشدد العقوبة في حالة القصر، وترتفع إلى 3 سنوات سجن وغرامة بـ 500 ألف دينار في حالة تحوّل العنف لتهديد وإكراه يمس بالحرمة الجنسية للضحية، وفي حالة المحارم والإعاقة والمرض والعجز والحمل، تصل عقوبة المعنف إلى سنتين  حبس وتصل إلى 5 سنوات، مع غرامة مالية بين 200 و500 ألف دينار.


.. بالأرقام
7042 حالة امرأة تعرضت لمختلف أنواع العنف، أغلبهن متزوجات ودون مهنة أو مستوى تعليمي، من بينها  5047 امرأة ضحية العنف الجسدي، 1570 ضحية سوء المعاملة من طرف الأصول و273 تعرضن إلى العنف الجنسي، إلى جانب تسجيل 24 حالة ضحية للقتل العمدي و4 حالات أخرى ضحية زنا المحارم، هذا ما  كشفت عنه احصائيات مصالح  الامن الوطني، موضحة ان هذه الحصيلة سجلت خلال ٩ أشهر.
فيما يتعلق بصلة قرابة المتورطين مع ضحايا العنف، أشارت الإحصائيات  إلى تسجيل 7215 متورطا من بينهم 3431 أجانب عن الضحية متبوع بـ 1540 من الأزواج و متورطا من أقارب الضحية.  وبخصوص فئة السن الخاص بالنساء ضحايا العنف تم تسجيل 2078 ضحية، يتراوح أعمارهن ما بين 26 و35 سنة متبوعة بفئة 36 و45 سنة بـ 1596حالة وفي المرتبة الثالثة يوجد فئة السن ما بين 19 و25 سنة بتسجيل 1512 ضحية، اما فيما يتعلق بالحالة العائلية للضحية، فمن ضمن 7042 امرأة ضحية عنف تم إحصاء 3723 امرأة متزوجة متبوعة بـ 2012 عازبة وتليها فئة النساء المطلقات بـ 727 ضحية.
أما فيما يخص المستوى التعليمي للمعنفات فأكدت إحصائيات الأمن الوطني، أن فئة النساء المعنّفات دون مستوى  تتصدر القائمة بـ 1537 حالة أما النساء ذات المستوى المتوسط فيقدر عددهن بـ 1465 حالة، أما النساء المعنّفات دون مهنة فقد كن الأكثر عرضة لهذه الظاهرة بتسجيل 4734 حالة والموظفات بـ 1208 حالة والجامعيات بـ 321 ضحية، أما فيما يخص وقت ممارسة العنف ضدهنّ ، فقد تعرضت أغلبهن إلى هذه الظاهرة أثناء المساء بتسجيل 3649 حالة و2532 حالة سجلت في الصباح وأزيد من 800 حالة أثناء الليل.
أما فيما يخص توزيعها بحسب المناطق فقد تم تسجيل 1238 حالة بالجزائر العاصمة، تليها وهران بـ 672 ضحية والمسيلة بـ 242 حالة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024