بن معمر: سنجعل من المعرض منصة تفاعلية لتبادل الأفكار والخبرات
بن عيادة: استحداث سلالات جديدة من النحل..ضروري
يواجه قطاع تربية النحل في الجزائر تحديات معقدة تتطلب حلولًا مبتكرة لضمان استدامته وتطوره، خاصة في ظل التغيرات المناخية المتسارعة. ولقد اقترح الخبراء الذين تواصلت معهم جريدة “الشعب”، مجموعة من الحلول للنهوض بهذا القطاع، تركز على تعزيز السلالات، وتوفير بيئات زراعية متنوعة، بالإضافة إلى إطلاق حملات توعوية للمربين، وتقديم الدعم المالي والتقني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
يؤكد رئيس جمعية “شفيع الله لتربية الطيور وحماية البيئة والحيوان”، شفيع الله بن معمر، أن تعزيز المستوى المهني واعتماد التقنيات الحديثة عاملان أساسيان لمواجهة التداعيات السلبية للتغيرات المناخية، خاصة التشوهات الجينية التي تهدد النحل المحلي، وقد دفعت هذه الرؤية الجمعية إلى تنظيم أول معرض وطني لتربية النحل ومنتجات الخلية، في الفترة من 20 إلى 24 ماي 2025، بمشاركة خمسين عارضًا من مختلف أنحاء الوطن.
وأشار بن معمر إلى أن المعرض استقطب نخبة من الباحثين والخبراء الذين قدموا أوراقًا بحثية ومداخلات معمقة حول بيولوجيا النحل، وتقنيات إنتاج العسل، وعلاقته بالبيئة والتنمية المستدامة، وتطمح الجمعية إلى ترسيخ هذا الحدث كتقليد سنوي يتيح منصة تفاعلية لتبادل الأفكار والخبرات، مما يسهم في تطوير الممارسات وتعزيز كفاءة هذا القطاع الحيوي.
الإنتاجية والمقاومة..
من جانبه، أوضح ناصر بن عيادة، رئيس فرع تربية وحماية النحل في الجمعية ذاتها، أن الانخفاض العالمي في أعداد النحل يعود إلى عوامل معقدة تؤثر سلبًا على صحته والتوازن البيئي، أبرزها ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الجفاف.
وأشار بن عيادة، المتخصص في التكوين المهني وعضو شركة “بيو برو” الوطنية لتدريب وتعليم النحالين، إلى أن المشاركين في الفعالية ركزوا على تطوير حلول فعالة لمواجهة مختلف التأثيرات، بما في ذلك الأنشطة البشرية مثل استخدام المواد الكيميائية، والتلوث، والحرائق.
وشدد بن عيادة على ضرورة استحداث سلالات جديدة لمواجهة الظروف الصعبة بفعالية والتكيف معها، مؤكدًا أن تهجين السلالات يمثل قضية بالغة الأهمية بالجزائر، نظرًا للتحديات المرتبطة بالسلالات الضعيفة وتأثيرها السلبي على الإنتاج ومقاومة الأمراض.
وأوضح محدثنا أن جودة السلالات تعتمد على عدة عوامل، أبرزها مستوى الإنتاج؛ فالسلالات الضعيفة لا يتجاوز إنتاجها 5 إلى 10 كيلوغرامات لكل خلية، بينما قد تصل السلالات عالية الجودة إلى 60 كيلوغرامًا أو أكثر، كما أكد أن الأمر لا يقتصر على حجم الإنتاج فحسب، بل يشمل أيضًا قدرة السلالات على مقاومة الأمراض والعوامل البيئية.
ولفت بن عيادة إلى أن الدول الأوروبية عملت على تحسين سلالات النحل وتنقيتها لأكثر من 150 عامًا، بينما حققت بعض دول الخليج تقدمًا كبيرًا في هذا المجال، مثل المملكة العربية السعودية التي خصصت استثمارات ضخمة لتطوير سلالات نقية.
ودعا بن عيادة إلى تعاون وثيق بين الجهات الرسمية والخبراء المختصين لتطوير سلالة محلية ذات جودة عالية، مما يسهم في زيادة الإنتاج الوطني للعسل، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الجزائرية عالميًا، وأكد – في السياق - أن الاستثمار في هذا الحقل لا يقتصر على البعد الاقتصادي، بل يمتد إلى الحفاظ على التوازن البيئي والتنوع الحيوي، حيث يلعب النحل دورًا محوريًا في تلقيح النباتات وضمان استقرار الأنظمة البيئية.
تعزيز الرقابة..
تواصلت “الشعب” مع محمد نبيل مغاري، وهو من رواد تربية النحل والعلاج بمنتجات الخلية بوهران، والذي بدأ مسيرته عام 2012 وكان من أوائل الحاصلين على بطاقة فلاح..شارك مغاري في تأسيس جمعية “أصدقاء النحل” بولاية وهران، وأصبحت الجمعية منصة تجمع المهتمين بهذا التخصص، ومع توسع النشاط، ظهرت الحاجة إلى إنشاء تعاونيات وجمعيات إضافية لتوفير بيئة أكثر تنظيمًا واستدامة.
أشار مغاري إلى أن التحدي الرئيسي يكمن في أسلوب إدارة هذه المبادرات، حيث يقتصر دور العديد من الجمعيات على تقديم التكوين الأولي، دون تمكين الفلاحين من تحقيق الاستفادة الفعلية. وشدد على ضرورة متابعة أداء الجمعيات لضمان تحقيق أهدافها الأساسية، مؤكدًا على أهمية اعتماد آليات رقابية فعالة توجه الجهود نحو تطوير القطاع وتعزيز نموه، خاصة في مجال التكوين.
من جانبه، اعتبر دالي الحاج، أحد المربين المخضرمين في ولاية معسكر، أن العراقيل الإدارية، بدءًا من صعوبة الحصول على التراخيص اللازمة، تمثل تحديًا رئيسيًا أمام تطوير القطاع، خاصة في مجال ما وصفه بـ«الطب البديل بمنتجات النحل”.
وأكد الحاج أن مجال تربية النحل يتفرع إلى عدة تخصصات، منها الاستخدام الطبي لحبوب اللقاح والعسل والعكبر والهلام الملكي، بالإضافة إلى العلاج بسم النحل وهواء الخلية. وشدد دالي الحاج على ضرورة اعتماد إجراءات أكثر مرونة تتيح للمربين تطوير أعمالهم دون قيود، مما ينعكس إيجابًا على المنتجين والمستهلكين ويرتقي بقطاع تربية النحل.
وعبر مربو النحل في وهران عن الحاجة الشديدة إلى التراخيص اللازمة لوضع خلايا النحل بالمناطق الغابية، خاصة وأن هذه التراخيص تأخذ وقتا معتبرا لتحصيلها، وكشف عدد منهم أن هناك من يمارس المهنة بتراخيص منتهية الصلاحية أو دون سند قانوني، بينما لم تصدر الجهات المعنية أي تراخيص جديدة، منذ قرابة ثلاث سنوات، ما يزيد من حالة عدم الاستقرار. وشدد محدثونا على أهمية اتخاذ تدابير تيسيرية تضمن استمرارية هذه المهنة الحيوية، وتعزز دورها في زيادة الإنتاج المحلي للعسل والحفاظ على التوازن البيئي، إلى جانب حماية حقوق النحالين.
مكافحة السرقات..
تتجدد مطالب النحالين لإيجاد حلول فعالة للحد من السرقات التي تطال العسل وصناديق النحل، فهي تشكل أحد أبرز التحديات التي تعيق نشاط العاملين في هذا المجال. وعزا المربون تفاقم هذه الظاهرة إلى غياب الرقابة وصعوبة الوصول إلى أماكن تربية النحل، خاصة في ظل القوانين الحالية التي تحول دون إقامة سياجات لحماية المناحل.
وأكد النحالون على أهمية تعزيز تنظيم قطاع تربية النحل بشكل أكثر فاعلية، من خلال تكثيف التنسيق مع الجهات الأمنية، لضبط النشاط وضمان حماية المربين. ويرى بعض النحالين أن توفير “البطاقة التقنية” لكل مربي نحل، يمثل خطوة أساسية في التصدي لهذه الظاهرة، إذ تتيح هذه البطاقة ترقيمًا خاصًا لكل خلية أو صندوق نحل، مما يساعد في تتبع مصدرها والتحقق من ملكيتها القانونية.
واقترح النحالون فرض إجراءات رقابية صارمة عند نقل صناديق النحل، وطالبوا بإخضاع أي شاحنة تحمل خلايا نحل للتفتيش، واعتبار الحالة مشبوهة إذا لم تكن الشاحنة مزودة برقم تقني خاص، أو لم يكن السائق أو المالك يحمل بطاقة اعتماد لمربي النحل.
محافظة الغابات لها كلمة..
نقلت “الشعب” مجموعة من انشغالات النحالين إلى محافظة الغابات بوهران، خاصة فيما يتعلق بتصاريح وضع الصناديق. فأوضح المحافظ عبد الغني قربوعة، أن عملية منح الرخص تتم حاليًا وفق معايير صارمة، وأن دفتر الشروط الخاص باستغلال الأراضي الغابية لتربية النحل قد شهد تعديلات جوهرية لتنظيم النشاط بدقة أكبر.
وأضاف قربوعة أن التعديلات الجديدة تتضمن مواد قانونية واضحة تنظم إجراءات منح الأراضي للمربين، مما يضمن الامتثال الصارم لبنود الاتفاق، ويتيح التعامل القانوني مع أي تجاوزات محتملة. وسلط الضوء على عدة تجاوزات غير قانونية، منها تسييج الأراضي الغابية، وممارسة الزراعة داخلها دون ترخيص، بالإضافة إلى وضع أو نقل صناديق النحل خارج المناطق المخصصة لها، مؤكدًا أن القانون المنظم لقطاع الغابات يعد التسييج مخالفة قانونية تستوجب العقوبة.
الرقمنة والمتابعة لتعزيز القطاع
في إطار الإجراءات المستحدثة، أشار قربوعة إلى اعتماد محافظة الغابات بولاية وهران لـ«رقمنة الملف” عبر تطوير تطبيق محلي يعتمد على خرائط “جوجل إيرث”. وأكد أن هذه الخطوة ستعزز سرعة اتخاذ القرارات وترفع كفاءة مراقبة النشاط، مما يمكن الناشطين الحقيقيين من الإسهام الفعال في هذا القطاع الحيوي.
ونبه محدثنا إلى أن دفتر الشروط يظل المرجع الأساسي لتنظيم العلاقة بين النشاط والغابات، باعتبارها ملكًا عامًا، مما يستوجب احترام الضوابط لضمان استدامة النشاط في إطار قانوني منظم يوازن بين المصالح المشتركة.
وبلغ عدد النحالين المستفيدين من المحيطات الفلاحية حتى شهر ماي الماضي بوهران 14 نحالًا معتمدًا، بينهم امرأتان، يستغلون مساحة إجمالية تقدر بـ34 هكتارًا، تضم 370 خلية نحل. وكشف محافظ الغابات عن إصدار 16 رخصة جديدة على مستوى أملاك الدولة، في انتظار المصادقة الرسمية. وجدد التأكيد على أن رقمنة الملفات ستسهم في تقييم التأثير البيئي والاقتصادي لهذا النشاط، باعتبارها خطوة جوهرية لتحديد القيمة المضافة التي قدمها هذا القطاع.
وبخصوص الجهود المبذولة لحماية الغابات والحد من مخاطر الحرائق، اعتبر محافظ الغابات أن وجود النحالين في المناطق الغابية يشكل إضافة قيمة لقطاع الغابات وللغابات نفسها، سواء عبر الإنذار المبكر أو التدخل الفعال. وشدد المحافظ على ضرورة الالتزام الكامل بإجراءات الوقاية لتجنب أي تقصير قد يسهم في اندلاع الحرائق، حفاظًا على الإنجاز المتميز الذي حققته وهران عام 2024، حيث لم تتجاوز المساحة المتضررة من الحرائق 0.2 هكتار.