تجربة رائدة لإنتاج الأعـلاف باستنبـات الشعير في وسط مغلق

سليمة منقــور.. عندمـا تُبـدع المـرأة الريفيـة

بورتريه: أم الخير س.

هي سيدة أربعينية، ولدت من رحم تربة سهل غريس الخصبة، فلما نضجت واستوت، نافست كبار مربي الأبقار والمواشي في ولاية معسكر، ورفعت تحدي الإنتاج الفلاحي الغزير، فدخلت ميدان مواجهة الصعاب، مسلحّة بالإرادة والعزيمة القوّية.

مؤذن منقور سليمة الاسم الكامل لامرأة ريفية في 43 من العمر، ربّة أسرة فلاحية من 12 طفلا، مستقرة بسهل غريس، خاضت تجربة تربية الأبقار، وأدخلت عليها تقنية مبتكرة لإنتاج الأعلاف الحيوانية من خلال استنبات الشعير في وسط مغلق دون تربة، فسجلت اسمها بأحرف من ذهب في سجلات المرأة الريفية المستقلة ماديا.

إنتـاج الأعـلاف تجربتهـا الرائـدة

عن تجربتها الناجحة في مجال الفلاحة، تقول سليمة منقور، أنها مرّت بمراحل وعقبات، واستوعبت سليمة درسًا ذي بعد اقتصادي واستراتيجي خلال المرحلة الأولى لممارستها نشاط تربية الأبقار، وأدركت جيدا أن عقبات المشوار المهني، ما هي إلا حوافز لتفجير ما استتر من الطاقات والأفكار، فبعد أن لاقت مشاكل متواصلة مع توفير الأعلاف لأبقارها المتحصل عليها عن طريق جهاز دعم مشاريع الشباب قبل سنوات، توجّهت نحو خوض تجربة إنتاج الأعلاف بطريقة مبتكرة، داخل بيتها، بالاعتماد على عنصر الرطوبة وكميات منخفضة من المياه، ومعدات بسيطة، دون حاجة إلى التربة.
وتشمل هذه التجربة، استنبات العشب من حبات الشعير بدون تربة، وهي طريقة فعالة لإنتاج الأعلاف بتكاليف قليلة جدا وأرباح كثيرة، فضلا عن القيمة الغذائية للعشب الأخضر المستنبت من الشعير وجودته، ووفرته كمًا طيلة المواسم الفلاحية، من خلال إنتاجه في فترات قصيرة تصل إلى أسبوع كحد أقصى، وهي تجربة مبتكرة، شجّعت سليمة على ركوب موجة الحداثة واعتماد أكثر الطرق تطورا في الزراعة، خاصة وأنها فهمت المغزى من هذه التقنية الجديدة لتعويض عناء البحث عن الأعلاف وأغذية الأنعام المكلفة واكتسبت دراية واسعة لتطوير المشروع.
تقول سليمة إن تقنية استنبات العشب الأخضر بدون تربة أو بمفهوم استنبات الأعلاف في وسط مغلق، لا يحتاج إلى وقت طويل أو جهد كبير، ومن خصائص هاته الأعلاف أنها نبات أخضر ينتج عن نمو الشعير من الحبوب، نظيف وخال من المواد الكيميائية والأسمدة العضوية، كما يحتاج إلى فترة أسبوع فقط ليكون جاهزا للتقديم للحيوانات، وهذه الفترة حسبها تعطيه تركيبة عضوية طبيعية فريدة ذات نسبة عالية من الكالسيوم والبروتينات النباتية، لا يمكن الحصول عليها بالتقنيات الزراعية التقليدية، فضلا عن مردوديته المضاعفة.
 فبالنسبة لسليمة 55 كيلو غرام من حبوب الشعير كافية لإنتاج 5 قناطير يوميا من الأعلاف التي تتميز بخاصية القابلية للتخزين والبقاء طازجة، كل ذلك مكّن مربية الأبقار سليمة من تقليص مصاريف شراء الأعلاف بأثمان باهضه وإنتاج كميات مضاعفة من الحليب تصل إلى 26 لتر من الحليب من البقرة الواحدة.
وترى متحدثة “الشعب” أن استنبات علف الشعير الأخضر بدون تربة، هو المصدر الوحيد الذي يعوض توفير الأعلاف الخضراء على طول السنة بشكل مقتصد في تكلفة الأغذية، الأمر الذي جعلها تتخلى عن أحد غرف بيتها لتوفير البيئة الملائمة لإنجاح المشروع، وهي غرفة واسعة إلى حد ما، معزولة حراريا ومجهزة بمعدات خاصة دون الحاجة إلى التربة أو الأسمدة وأنظمة للرش وتوفير الرطوبة مع وسائل للتهوية والإضاءة أيضا، ورفوف فولاذية وصفائح لنشر كميات الشعير المعدة لإنتاج العلف.
وأبدت مؤذن سليمة استعدادها لمساعدة السلطات المحلية والمربين الخواص، من أجل تعميم تجربة استنبات الشعير، بهدف تأمين الأعلاف الخضراء على مدار السنة بأقل تكلفة، والتقليص من استهلاك المساحات المزروعة بالأعلاف وتحويلها إلى إنتاج باقي المحاصيل الزراعية، فضلا عن الاقتصاد في استغلال المياه والمصاريف الناتجة عن اقتناء الأسمدة التي لها ما يكفي من الأعراض الجانبية المضرة بصحة الإنسان، كل لما له بالنتيجة، من آثار إيجابية على خفض أسعار اللحوم والحليب.وزيادة على نجاحها المشهود له محليا، استطاعت سليمة منقور، أن تكون نموذجا في الاستثمار في العنصر البشري، بعد أن كوّنت أبناءها وبناتها في نشاط تربية الأبقار، حيث تقول: “ جميع أبنائي يستطيعون توليد بقرة وتحريرها من المخاض العسير بدون مساعدة البيطري أو كبار العائلة”، ذلك لوحده يجعل من هذه الأم المكافحة بين تربية أبنائها وتربية أبقارها وحيواناتها الداجنة-توفق لتكون المرأة النموذج.

المــــرأة النمــــــوذج

تؤكد السيدة الفلاحة، أن بداية الطريق لم تكن سهلة، لاسيما وأنها اخترقت مجال تربية الأبقار في بيئة اجتماعية محافظة ومنغلقة، غير أن الدعم المعنوي الذي تحصلت عليه من زوجها يسّر لها الطريق نحو المجد والتألق، فتقول سليمة بفخر واعتزاز: “ شجعني زوجي في وقت رفضت العائلة الكبيرة فكرة أن تنزل المرأة إلى أروقة الإدارة العمومية للحصول على الدعم والمرافقة اللازمة” فبالنسبة لبيئتها الاجتماعية المحافظة، يعتبر خروج المرأة من البيت شكلا من أشكال التمرد والتحرر، وتضيف: “وراء كل امرأة عظيمة رجل أعظم”.
وعلى غرار أي فلاح، يوفق مرة ويتعثر مرات، تقول سليمة أن النجاح كان حليفها منذ ان بدأت مسيرتها المهنية في 2007، لاسيما بعد ان ادخلت تقنيات مبتكرة على نشاط تربية الأبقار وإنتاج أعلافها، لكن شاء لمشروعها ان يتعثر في أوجّ نجاحه، بفعل وباء الحمى القلاعية، وبيروقراطية مصالح التأمين على حد قولها، التي امتنعت عن تأمين رؤوس أبقارها، إلى أن نفقت بسبب الحمى القلاعية، حيث تلتمس سليمة من السلطات العمومية، اليوم، التدخل من أجل بعث أمجاد هذه المرأة الريفية المنتجة، والدفع بمشروعها من جديد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024