هكذا احتفل سكان الأوراس بـ «ينار2969»

عادات وتقاليد تنتصر للتراث الأمازيغي وقيم التآزر والتكافل في قلب الإحتفالات

باتنة: حمزة لموشي

تحرص عائلات سكان الأوراس الكبير على الاحتفال برأس السنة الأمازيغية «يناير» المصادف لتاريخ  12 جانفي كل سنة ،من خلال إحياء عادات وتقاليد ضاربة في أعماق تاريخ الأوراس، من خلال طقوس تاريخية مميزة  تختزل عبق ارثهم و تعبر عن ابتهاجهم بالسنة الجديدة.
سطرت ولاية باتنة برنامجا ثريا للاحتفال بـ»ينار» من خلال أنشطة ثقافية وفلكلورية متنوعة، تعكس الموروث الحضاري، المجسد في معارض للصور وألبسة تقليدية ومحاضرات وندوات للتعريف بالموروث التاريخي والثقافي للحضارة الأمازيغية.

أساطير تحتاج لمن يبحث فيها

«ويناير» أو «ينار» هي كلمة أمازيعية «قحة» تتكون من «ين» بمعنى واحد و»ير» وتعني الشهر الأول، و وتعني «إخف أوسقاس»، أي أول شهر في التقويم الفلاحي للسكان، ويرتبط هذا التاريخ» الحاسم» في حياة الشاوية والأمازيغ،حسب ما وقفت عليه جريدة»الشعب»خلال زيارتها لعديد الأجنحة والمعارض المنظمة بالمناسبة ببعض بلديات الولاية، بعدة قصص منها انتصار الملك الأمازيغي شيشناق على رمسيس الثاني فرعون مصر منذ أربعة قرون قبل الميلاد.
ومنهم من يربط «ينار» بقصة العجوز التي سبت شهر يناير ولم تكترث له ولـ»قدسيته» عند السكان، وناقضت المألوف وأخرجت قطيع أغنامها للمزرعة، متحدية الطبيعة وقوتها، فانتقمت منها بعاصفة ثلجية قوية جمدتها وقطيعها.
وتقول الأسطورة أن شهر «يناير» قد طلب من شهر فبراير أن يعيره أحد أيامه لينتقم من عجوز تحدّته بالخروج مع عنزاتها لطهي طعامها خارج البيت، فما كان منه إلا أن قال لعمه فبراير «يا عم فبراير أوشايد أس أذيط بشام اذنغغ ثمغار نشييب اقلا ثتحداي»، وكان له ذلك بتخلي فبراير عن يومين من عمره جمّد فيهما يناير العجوز وعنزاتها، ويقال أن أثار هذه العجوز لا تزال موجودة بمنطقة جرجرة مجسدة في صخرة تدعى «صخرة العجوز وعنزاتها»، ومنذ تلك الحادثة أصبح يُحتفل به.
في حين هناك من يرجع الاحتفال بعيد يناير إلى بداية الموسم الفلاحي والارتباط الوثيق بالأرض، تيمّنا بقدوم سنة فلاحية جيدة خضراء، وكلها قصص تنتصر للتراث الأمازيغي والأرض والزراعة والخصوبة.
وأفاد الحاج محمد احد فلاحي باتنة إلى أن الناس يبدؤون في تهيئة الحقول والمزارع ومختلف الأراضي الفلاحية قبل حلول ينار ومباشرة مختلف الأعمال الفلاحية لضمان موسم فلاحي واعد حيث تكرس مختلف الاحتفالات التي تصادف هذا اليوم على ضرورة تمجيد الطبيعة والرفع من شأنها والتماس مختلف الأسباب التي يعتقد بأنها تجلب الخير والإنتاج الوفير، على غرار الخروج للأراضي الفلاحية وإحضار الحشاش وإشعال النار وتغيير المواقد وغيرها.

عادات وتقاليد تأبى النسيان

أحيا سكان الاوراس رأس السنة الأمازيغية الجديدة 2969  بعديد التظاهرات الفنية والثقافية والتاريخية المتوارثة عن الأجداد على غرار الامتناع عن تناول أي شيء مرّ تفاؤلاً بالخير والهناء والسعادة والنجاح ، حيث تقوم العائلات بذبح ديك أو دجاجة أو رأس غنم لحماية العائلة من الأمراض والعين والحسد، وتجنبهم كما يعتقد الشاوية في مخيالهم الشعبي كل المخاطر طيلة أيام السنة، حيث يتم إعداد طبق العشاء المعروف محليا بـ»امنسي نينار» من ذلك اللحم وفي الغالب يكون طبق الكسكسى»أبربوش» أو الشخشوخة «التريذ» هو الطبق الرئيس الذي يزين المائدة ويجتمع حوله كل أفراد العائلة لتقاسم لحظات إنسانية ترسخ في الذاكرة قيم التكافل الإجتماعي والتآزر والمودة والرحمة، حيث يرمز التنوع في أطباق المأكولات في هذا اليوم على غرار لغرايف «ثورظفيست» والشرشم «ارشمن» ...إلخ لكثرة الرزق والأرباح وجني محصول وفير والخير الوفير طيلة العام.
ومن العادات الأخرى السائدة وضع الحناء للأطفال وكسوتهم، وكذا حلق شعر المولود الجديد الذي بلغ سنة من عمره والمعروفة بـ»أشلف»، احتفاء به حيث يرتدي أجمل لباس ويوضع قصعة كبيرة بالقرب منه جدته او الأكبر سنا من أقاربه وتقوم بوضع الحلويات والمكسرات والسكر والبيض وغيرها من المأكولات الخفيفة اللذيذة كالفواكه الحلوة تيمنا بمستقبله الزاهر وتدينه والتزامه.
كما تحرص النسوة خاصة ببعض المناطق الريفية بالأوراس الأشم بولايات باتنة، خنشلة، أم البواقي، قالمة وغيرها على تغيير ديكور المنزل واستبدال أحجار الموقد و الأواني القديمة بأخرى جديدة خاصة تلك المصنوعة من الطين كالطاجين «فان نوغروم» «طاس انومان» أي  كأس الشرب وغيرها.
ومن العادات الراسخة في الاوراس حسب بعض النسوة اللائي تحدثن إلى «الشعب» اجتماع نسوة العائلة الواحدة في منزل إحداهن ثم يقمن بتزيين إحدى الفتيات الصغيرات في العائلة والمعروفة بجمالها وحسن أخلاقها، حيث ترتدي ملابس جديدة تقليدية تزين بالحلي تتم مرافقتها مع النسوة لزيارة الأقارب وإحياء صلة الرحم التي تأخذ حيزا كبيرا من إهتمام الشاوية في هذه المناسة.
كما تصر العائلات على ترسيخ عادة لعبة «ثاعشونت» والتي معناه «أسرة صغيرة» في نفوس الأطفال الصغيرة لتعويدهم على المسؤولية وروح التعايش مع الأخر من خلال  تكليف طفلة صغيرة بتعلم تحمل مسؤولية تسيير المنزل وتنظفيه وتعلم الطبخ وباقي الأعمال المنزلية.
 في حين تسند مهمة العمل للطفل خارج المنزل خاصة بعض الأعمال الفلاحية كالرعي وتقليم الأشجار وغيرها، والهدف من هذه اللعبة في ها اليوم بالذات هو تلقين روح المسؤولية للطفل والطفلة الصغيرين والتعود عليها منذ الصغر على أساس أنهما سيصبحان رجل وامرأة المستقبل.

برامج مميزة ومتنوعة للاحتفال بيناير

ومن أشهر طقوس الاحتفال بهذا اليوم حسب ما أكده لنا محمد وهو ناشط جمعوي هو إشعال النار في بعض الأماكن خاصة بالموقد الجديد ، ويرمز ذلك في الثقافة الأمازيغية، إلى النور والأمل والمستقبل.
واللافت هنا حسبما أفاد به بعض المواطنين أن سكان الأوراس معروفون بحرصهم الشديد على إحياء ليلة رأس السنة الأمازيغية كحرصهم على إحياء بعض المناسبات الدينية، على غرار عاشوراء والمولد النبوي الشريف وغيرها، وتمسكهم بإحياء المناسبات الدينية،لم يمنعهم من الحفاظ على جذورهم الأمازيغية وهويتهم الشاوية الأصيلة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024