د .غزلان هاشمي أستاذة بجامعة محمد الشريف مساعدية بسوق اهراس:

النخبة تراجعت عن دورها وانشغلت بمعارك فكرية جانبية

هدى بوعطيح

 إنعزال عن الواقع وهموم الناس والاكتفاء بالتنظير

كشفت الدكتورة غزلان هاشمي أستاذة بجامعة محمد الشريف مساعدية في سوق اهراس ورئيسة قسم الدراسات الأدبية والفكرية بمركز جيل البحث العلمي ـ لبنان إن النخبة اليوم أمام تحد خطير خاصة مع كل المنعرجات السياسية والتحولات الاجتماعية والأخلاقية والقيمية، مشيرة إلى أنها مطالبة بصنع وعي حضاري وخطاب علمي، وكذا الإسهام في تعديل السلوك والتنبيه إلى تناقض وتهافت بعض الخطابات السياسية والمعرفية والفلسفية التي تم الترويج إليها في حقبة معينة من تاريخ المجتمع..
«سأستعمل في سياق حديثي عن يوم العلم لفظة نخبة رغم رفضي لها، بسبب ما تحمله من مضامين استبدادية ومنظور سلطوي دكتاتوري»، هذا ما قالته الأستاذة غزلان هاشمي في حديث لـ»الشعب»، مؤكدة بأنه على افتراض القبول يتحدد دور النخبة في صنع العقل الحواري التواصلي الذي يحترم كل آخرية، من خلال تحريره من أوهامه ومركزيته أو حتى شعوره بالانتقاص والدونية، وإعادة التوازن العقلي له، وذلك بتعريفه بحقيقة ذاته وهدفه في الحياة.
وأضافت الدكتورة وهي تعطي قراءة متأملة في هذا الموضوع في زمن تتعالى فيه الاصوات مطالبة بلعب النخب دورها في التغيير ، بأنه على افتراض أن النخبة هي من كانت في حضرة السؤال والشك من أجل خلق وعي جديد متحرر من كل سلطة معرفية أو سياسية أو اجتماعية، ومن كل صنمية وتقديس يفضي إلى قتل التعدد وفرض المعنى الأحادي والتفسير المركزي، فإن دورها يصبح متمثلا في مد الشعب بالآليات المناسبة التي تساعد على تحرير الفكر من أوهامه الإيديولوجية، ومن انغلاقه ومركزيته وتعصبه.

وأشارت الأستاذة غزلان الى  أنه يفترض من النخبة الإسهام في صنع القرارات التي تهم المواطن، على وجه الخصوص والوطن على وجه العموم، مضيفة بأنه حتى وإن شكلت النخبة أقلية داخل المجتمع، إلا أن لها دور كبير في فضح الأنساق المضمرة، وتعميم المعرفة غير المؤدلجة، مع تحقيق التغيير الممنهج والذي يؤدي إلى نهضة على جميع الأصعدة وإلى التخلص من الانحطاط والتخلف والاستبداد، وتوعية الجماهير بدورها الفاعل في تجاوز العقبات والقيام بالواجبات..
وحول اي موقع تحتله النخبة في هذا الظرف الذي تمر به الجزائر ، ترى غزلان بأن صنع الأفكار أصعب من صناعة أي منتج مادي، واليوم للأسف ـ تقول ـ نلاحظ تراجع دور النخبة، حيث وقعت فجوة عميقة بينها وبين أفراد المجتمع، بعد أن انشغلت بمعارك فكرية جانبية، بل وزادت الفجوة حينما تم التعويل على خطاب مفعم بالغموض والالتباس، مشيرة إلى أن القارئ صار يجد نفسه أمام ألاعيب مفاهيمية ولغة أقرب إلى الاستعراض منها إلى تقديم المعرفة والتحليل والاستنباط .. مع انغماس البعض في الابتذال وتصفية الحسابات والحروب الكلامية التي تخلقها السجالات الواقعة، والتي تصل ـ حسب المتحدثة ـ إلى حد التخوين والترهيب والتهديد من خلال إقصاء المغايرة والاختلاف.. ناهيك عن انعزال النخبة عن الواقع وعن هموم الناس واكتفائها بالتنظير وبممارساتها الاصطفائية.
الدكتورة غزلان هاشمي تؤكد على تغير كل التوصيفات المقدمة لتحديد مضمونية مصطلح النخبة نحو تجاوز إطلاقه على الفئة التي تجد تسويغات للممارسة التعسفية من قبل أي سلطة (معرفية ـ اجتماعية ـ سياسية ـ دينية..)، قائلة بأن النخبة اليوم لا تندرج ضمنها المجموعة التبريرية أو الذين نسميهم اليوم بالفاعلين المغشوشين..
كما ترى بأن النخبة اليوم مطالبة بعدم الاكتفاء بالتشخيص والنقاش المفرغ من المضمون، بل بالتفاعل مع القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية، مع تفعيل الراهن من خلال التحرر من العقل الاستعاري والعقل التطابقي أيضا، وخلق أسئلة الراهن كخطوة أولى نحو الإجابة عنها في ظل التعدد والاختلاف، واحترام المغايرة ونحو إيجاد الحلول لكل الإشكاليات الواقعة، مضيفة بأنه حتى وإن واجهت النخب تهميشا من قبل كل تلك السلطات، فعليها أن تجتهد في تجديد طاقاتها وفعاليتها من أجل قيم التنوير والديمقراطية، ومنح المعرفة الحقيقة والوعي الأصيل وتأطير القيم، حيث أن الالتزام قدرها والتجديد مهمتها.
إن التشريح والكشف عن علل المجتمع والتضليل الإيديولوجي ـ تقول غزلان هاشمي ـ يُسهم في بناء دولة متنورة لأنها أولى الخطوات نحو إيجاد سبل العلاج، مبرزة أنه حتى وإن ابتلانا الواقع بنخبة غارقة في مصالحها أو في أوهامها، متعالية عن الواقع وعن المجتمع فإنه يظل هناك نخبة مضادة واعية على قلتها، وحتى إن كانت تعاني التهميش فإنها تحاول القفز على موضعيتها من خلال تفكيك المركزيات وإعادة الاعتبار إلى الهامش، ومن خلال الكشف عن المغاليق والخوض في المجاهيل وتقديم المعرفة الحقيقية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025