سيشهـد التاريـخ أنه صـان الأمانة

الجزائـر تــــودع فقيـدها بالحــزن والفخــر

حمزة محصول

تملك الجزائريين شعور مزدوج، أمس، بعد تلقي نبأ وفاة نائب الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد ڤايد صالح، شعور بالحزن وآخر بالفخر.
فقد فقدت الجزائر بصعود روح أحمد ڤايد صالح، عند بارئها، رجلا «شهما»، استوفى شيم المروءة ونكران الذات وخدمة البلاد بإخلاص، في ظرف خاص، وفي موعد مميز، وبعد 9 أشهر من حوار مباشر وشفاف بينه بصفته قائدا للجيش وبين الشعب الجزائري، الذي عرف بحق «معدنه الأصيل».
وصعب على الجزائريين توديع الرجل الأول على رأس جيشهم، سليل جيش التحرير الوطني، دون رجعة، وقد خاضوا معه، معركة استعادة الدولة من قبضة «العصابة»، وهو أول من أطلق على القوى غير الدستورية التي انفردت بالحكم في أزقة الأحياء الراقية بالعاصمة لفظ «العصابة».
وخاض الجزائريون، مع قائد جيشهم، معركة الحفاظ على مؤسسات الدولة واستمراريتها وصون هيبتها في الخارج، في أزمة معقدة سبق وأربكت دولا وطرحت أخرى أرضا. خاضوا معه معارك «الوعي»، و»استيعاب» حجم المؤامرات والدسائس التي كانت تعد في مخابر داخل وخارج البلاد، وإحباطها بدقة عالية وبفضل قوة الاستشراف وسرعة التنفيذ.
كيف لا تكون وفاة رجل بحجم الفريق أحمد ڤايد صالح، مدعاة للحزن، ولم يسبق لقائد عسكري في تاريخ البلاد وفي تاريخ العالم الثالث، أن «أشاد»، و»أثنى»، و»تبرك»، بالشعب الجزائري و»عبقريته»، في وقت كانت نار الفتنة قابلة للاشتعال في أية لحظة.
ولم يلق خطابا رسميا كان أو حديثا خاصا موجها للوحدات القتالية للجيش الوطني الشعبي، دون أن يستحضر تضحيات الشعب الجزائري إبان الثورة التحريرية، وتضحيات الشهداء والمجاهدين، ملقنا الضباط والضباط الشباب وأشبال الأمة القيم النوفمبرية.
لقد انحاز أحمد ڤايد صالح للشعب الجزائري، في أحلك اختبار يواجه الجزائر المستقلة، عند شغور منصب رئيس الجمهورية في 02 أفريل الماضي، وأدى المهام الدستورية للجيش بأمانة دون زيادة أو نقصان، وكانت شرعية الدستور من شرعية الشعب والمصلحة العليا للدولة ومؤسساتها.
وبفضل التناغم بين خطاباته الأسبوعية المتواترة، وبين الوعي والإدراك الشعبي، استطاعت الجزائر أن تنجح في اختبار، الانتخابات الرئاسية، وتستعيد الشرعية الشعبية والدستورية، لتتخطى المتاهات والكمائن، بحكمة وطول النفس.
ودون طلقة واحدة أو قطرة دام واحدة، تم تجاوز مرحلة مفصلية بالغة الحساسية إلى بر الأمان، بفضل بناء القرار الوطني على المصلحة العليا للوطن، وعلى أسس ومبادئ الثورة التحريرية المباركة وليس مصلحة الأشخاص أو العصب.
سيشهد التاريخ أن الفريق أحمد ڤايد صالح، صان الأمانة (الجزائر)، وحفظ الوديعة (وديعة الشهداء)، في ظرف حالك في تاريخ البلاد، ترفع عن نزوة الاستفراد بالحكم، ورفض القفز في المغامرات المجهولة، وأصر على تسليم الأمانة لرئيس منتخب، وبآليات انتخابية غير مسبوقة.
نجح صالح، في الرهان كما نجحت الجزائر، وحضر الخميس الماضي، مراسيم تنصيب الرئيس المنتخب شعبيا، وحضي بتكريم «استثنائي»، إذ أسداه رئيس الجمهورية عبد المجيد وسام الاستحقاق الوطني برتبة «صدر».
ليرحل القائد العسكري الفذ، في ساعات الفجر، إلى بارئه، بعد 4 أيام، فقط من ترسيم خروج الجزائر إلى بر الأمان.
ومن دواعي اعتزاز وفخر الجزائريين، في غمرة هذا المصاب الجلل، أن التاريخ سيسجل امتلاك الجزائر، لعسكري، أفنى حياته لخدمة الوطن منذ التحاقه بجبال الثورة سنة 1957، إلى غاية 23 ديسمبر 2019، تحلى بالصبر والحكمة وقت التكالب عليه وعلى المؤسسة العسكرية والبلاد، ورغم ما امتلكه الجيش من عدة وعتاد لم يشهر مسدسا واحدا، ولو فارغا في وجه شعبه.
وقال أحمد ڤايد صالح في أحد خطابته شهر أفريل الماضي، «عندنا جيش محترف، مجهز بكل أنواع الأسلحة، لكنها ستوجه ضد العدو وليس ضد الشعب».
وسيسجل التاريخ أيضا، أن المجاهد الأصيل، رسخ وفي أصعب فترة من عمر البلاد، ممارسة وقولا، معنى أن يكون الجيش «وطنيا» و»شعبيا»، وأن ما قام به في هذا الاتجاه، هو العقيدة الحقيقية للقوات المسلحة الجزائرية، وسيلقن في الأكاديميات والمدراس الحربية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025