أزمة كورونا تستنفر المؤسسات وتغيّر المعادلة الاقتصادية
تعيش الجزائر مخاضا استثنائيا على جميع الأصعدة السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والإقليمية، ضاعفت من حدته مخلفات النظام السابق، فعمقت الفارق وأدخلت البلد في نفق من الفساد المالي والإداري بقيت آثارهما إلى اليوم، ليس من السهل التخلص منه فهو يتعلق بمنظومة مترابطة ومتكاملة فيما بينها، الأمر الذي عجّل بالحراك الشعبي ليكون المنقذ من الفساد، ويضع البلد على واجهة مفتوحة الاحتمالات.
ورث الرئيس تبون بعد ستة أشهر من توليه قيادة البلاد، مخلّفات ترتبت عنها عدة ملفات بقيت عالقة ومفتوحة على مصراعيها، ما يستوجب الحكمة والتريث وجس النبض، لأن الأمر يتعلق بقاسم مشترك بين الجبهة الاجتماعية والحكومة من جهة، وبين الرئيس بوصفه القاضي الأول في البلاد وتعهداته في الإسراع بتقديم الحلول المستعجلة، للتخفيف من الضغط الشعبي الذي يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعيين.
سبات حزبي ومسودة بين محاباة ومعاداة
عرف المشهد السياسي والحزبي سباتا موسميا قبل الأوان فرضته الجائحة، وسرعان ما استنفرت القواعد النضالية لحزبي الأرندي والآفلان أنفاسهما على تزكية كل من الطيب زيتوني أمينا عاما للتجمع الوطني الديمقراطي وأبو الفضل بعجي أمينا عاما لحزب جبهة التحرير، رغم الحذر في منع التجمعات واللقاءات إلا أن دورتي المجلس الوطني للحزبين كللتا بصعود شخصيتين جديدتين، بالرغم من معارضة راديكالية لترشحهما وما عرفته الإنتخابات من مناوشات وفوضى بين أبناء الحزب، وتبقى الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن ذلك.
انخرطت بقية الأحزاب وفعاليات المجتمع المدني في مناقشة مسودة الدستور التي عرفت هي الأخرى تلاسنات ورفضا لبعض المقترحات التي جاءت فيها، ولعل ثلاثية نائب الرئيس والهوية والجيش، أسالت الكثير من الحبر والنقاش، وصلت إلى تدخل رئيس الجمهورية داعما ومساندا لرئيس اللجنة البروفيسور لعرابة، ومنتصرا له بعد الحملة التي تعرض لها، فيما تبقى الرؤى والاختلافات حولها تخيم في كل النقاشات.
ويبقى الشعب الجزائري في كل الحالات هو مصدر السلطات، صاحب الحق في تعديل أي اقتراح، قد لا يتوافق ونشأته أو مواقفه في القضايا المصيرية ذات البعد الهوياتي والتاريخي، وإن استدعى الأمر تطرح المسودة على أوسع شريحة من المجتمع لمناقشة بنودها واقتراحاتها، لأن الأمر يتعلق بأسمى وثيقة في البلاد.
مؤسسات مغلقة وأسعار النفط يغيّران المعادلة
أثرت الأزمة الاقتصادية العالمية في تدهور مستوى أسعار النفط، ولم تكن الجزائر بعيدة عن هذه التأثيرات، حيث عرف سعر البرميل أدنى مستوياته، في فارق لم تشهده سوق النفط قبل أسابيع مضت منذ 17 سنة، وصل سعره مابين 12 و14 دولار للبرميل، ما خفض من سعر التكلفة في حقول حاسي مسعود إلى 5 دولارات للبرميل، الأمر الذي عجل بالدولة إلى تقليص ما قدره 7 مليارات دولار من نفقات تسيير واستثمار شركة سوناطراك، وأكثر من مليار دولار تتعلق بنفقات سونلغاز، وحسب الخبراء فإن الجزائر خسرت تقريبا 2.17 مليار دولار من عائدات النفط فقط، ما يستوجب استعادة العجز الحاصل في الميزان التجاري، ومجابهة هذا التدهور.
إنهيار أسعار النفط لم تكن وحدها سببا مباشرا في تدهور المعادلة الاقتصادية، بل إن جائحة الكورونا هي أيضا عمقت الفارق وشلت المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية منها والصناعية، ناهيك عن توقف حركة العمل في كبريات المؤسسات والشركات، في الوقت الذي أغلقت شركات أخرى أبوابها بسبب المتابعات القضائية التي تورط فيها ملاكها لأكثر من سنة.
الحدود في أقصى التأهب ..وإستنفار بعد مقتل درودكال
لا يزال الساحل الصحراوي بؤرة توتر، والحلقة الأكثر جدلا في المعادلة الأمنية، خاصة على خطى ليبيا ومالي، حيث يعيش البلد الأول اقتتالا بين الإخوة الأعداء ترتب عنه انفلات أمني خطير يهدد الوحدة الترابية للمنطقة ككل، والأكثر على الجزائر لعدة أسباب خاصة مع تنامي المد الإرهابي وانتشار الخلايا النائمة على طول الخط الصحراوي.
الإعلان عن مقتل زعيم «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، عبد المالك درودكال، المعروف باسم أبومصعب عبد الودود، صادف مظاهرات عارمة في مالي مست المدن الكبرى، وإن كان خبر الإعلان عن مقتله من طرف قيادة الجيش الفرنسي في شمال البلاد، يطرح الكثير من التساؤلات، بعد مطاردة ومتابعات دامت لأكثر من عشرين سنة من البحث.
وقد سبق للعدالة الجزائرية أن حكمت عليه بالإعدام لعدة مرات، آخرها كان سنة 2017، ولم يعد ملاحقا من طرف العدالة الجزائرية وحدها، بل إن مجلس الأمن وضعه ضمن قائمة المتطرفين المنتمين لـ «القاعدة»، وأخطر قيادات التنظيم في العالم، وقد رفعت مفارز الجيش مستوى تأهبها للتصدي لأي تهديد مهما كان نوعه، مع تضييق الخناق على المنافذ والمسالك على طول الشريط الصحراوي.