إمكانيات لتجنيد موارد وطنية

الاستدانـة الخارجيـة..خـط أحــمر

فضيلة بودريش

اتخذت الجزائر بثقة قرارا جريئا  في اجتماع مجلس الوزراء الأخير، يقضي مجددا الرفض بشكل صريح اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، وقد يكون هناك من يتساءل لماذا هذا الخيار في وقت تأثر الاقتصاد الوطني بانهيار أسعار النفط وتداعيات فيروس وباء كورونا؟.. لكن في الحقيقة هو توجه إستراتيجي من شأنه أن يقود إلى حماية الأمن المالي للبلاد، من خلال الحفاظ على احتياطي الصرف من التآكل، على خلفية أن الاحتياطي بالعملة الصعبة يتحمل وحده ثقلا كبيرا، في وقت كان من المفروض إشراك قطاعات أخرى في تحمله، عن طريق دفع وتيرة الاستثمار المنتج الخلاق للثروة في قطاعات خارج المحروقات.
هذا التوجه الجريء، يعطي الفرصة للموارد الوطنية المالية والمادية، لتنخرط بفعالية في ديناميكية المسار الجديد، بمعنى أن يتم جذب الموارد المالية المحلية، التي يتم تداولها خارج النظام البنكي وضخها في الجهاز الإنتاجي، في ظل التركيز على تحرير المبادرة الاستثمارية وكسر شوكة البيروقراطية، وتقليص استيراد ما ينتج في بلادنا، على غرار قرار منع استيراد المنتجات الفلاحية في موسم الجني، كما أكد عليه رئيس الجمهورية.
وبهدف حشد الأموال الوطنية بالشكل المطلوب، وتوفير السيولة الكافية لتحريك حيوية الاقتصاد، يجب المراهنة على الجباية في تجاوز أي عجز مسجل، إلى جانب ترشيد النفقات، وقطع الطريق في وجه الفساد، العدو الأكبر في تبديد المال العام. والاعتماد على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في إنشاء الثروة بدل الانفاق على استثمارات ضخمة تتطلب أموالا ضخمة، أي بعث استثمارات واسعة وذات جدوى تنوع المنتوج الوطني لتلبية الطلب المحلي وتخصيص حصص نحو التصدير نحو الخارج.
لذلك الابتعاد عن الاستدانة الخارجية، يجعل الجزائر في أريحية وفي منأى عن أي ضغط خارجي، بل يشجع ذلك على فتح باب المبادرة من أجل تجنيد مختلف الموارد المالية المتوفرة واستغلالها في إنشاء مشاريع اقتصادية منتجة في صدارتها تحصيل الإيرادات الجبائية والجمركية، واستعادة القروض البنكية التي استفادت منها العديد من المؤسسات الاقتصادية خلال السنوات الماضية. والجدير بالذكر إن تفادي عبء المديونية سيحفز أكثر على تحرير المبادرات وتفجير القدرات واستغلال الموارد الهائلة بعقلانية، وخوض مسار إصلاحات يرتكز على برامج فعالة، تكون فيه الأولوية للجدية والعمل.
وتدرك الجزائر جيدا أن أزمة النفط والوباء ظرفية، ولها شق إيجابي يتمثل في كونها فرصة للتحرر من قبضة النفط، من خلال الانفتاح على  الرقمنة وتشجيع الابتكار، والرفع من نسبة الاندماج في المشاريع الاستثمارية، وتجنبها التواجد في رواق ضيق حتى لا يضغط عليها من طرف مؤسسات مالية أجنبية، لذا تعتبر أن الاستدانة خط أحمر، لا يمكن اللجوء إليه رغم تأثرها بأزمة أسعار النفط وانكماش الطلب، حيث تفضل حلولا أخرى أكثر شفافية وذات بعد محلي في مواجهة الإنفاق الداخلي من خلال خفضه. ومن الخطوات الضرورية لتجاوز الظرف والاستعداد لبناء منظومة اقتصادية تتناسب مع الجزائر الجديدة، تطهير العقار الصناعي، وإعداد خارطة للصناعات، حتى يتنوع الاستثمار، حيث يتم رسم توجهات للصناعات الغذائية وأخرى للصيدلانية وكذا الالكترونية، للوقوف على حجم المنتجات والسلع التي يمكن توفيرها للسوق المحلية.
المؤكد أن مرحلة التبعية الكلية لمورد النفط انتهت، والمجال ينبغي أن يفتح نحو ثروات أخرى لتساهم في تسريع وتيرة النمو، سواء كانت مقدرات بشرية أو علمية أو سياحية أو فلاحية، لأنه يستحيل أن يستمر قطاع واحد في تحريك الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة أن أسواق النفط لم تعد آمنة، وتوازنها معرض في أي لحظة إلى تلقي صدمات، قد تعصف بالأسعار إلى مستويات متدنية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025