طرحت قضية استوزار النائب البرلماني سمير شعابنة ممثلا عن الجالية الجزائرية الكثير من اللغط والفايك نيوز، إلى غاية أن قرر الرئيس تبون فصل الخطاب، ولعل لعبة شد الحبل بين النائب المستوزر والسلطة السياسية وصلت إلى حدود جدلية أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة أي «الجنسية أم الوزارة».
كان لزاما على التحقيقات الإدارية والأمنية أن تقوم بعملها قبل صدور قرار تعيين أي شخص في منصب المسؤولية وهو المعمول به في كل المناصب النوعية، ولعل خيارات التجرد من الجنسية الفرنسية والالتزام بما جاء في الدستور يجبر سمير شعابنة على التخلي عنها إلزاميا، إلا في حالة رفضه المنصب المقترح عليه، وهذا يعني أيضا بموجب النص الدستوري تخليه عن منصب النيابة في الغرفة الأولى التشريعية، ومادامت الأولى تسقط بقوة القانون فإن الثانية تحصيل حاصل، فهي تجرّ ما بعدها وما قبلها نزولا عند ماجاءت به قوانين الجمهورية.
الحديث لا يتوقف هنا فقط بل أنه ينطبق أيضا على بقية نواب البرلمان وأصحاب المسؤوليات السامية في الدولة من مزدوجي الجنسية، فلا يحق لهم أيضا ممارسة المهام في مناصب لها علاقة بصناعة القرارات السياسية أو التشريعية، مهما كان نوعها وإلا فإنه يتعارض مع نص المادة 51 التي تشترط إلزامية الجنسية الجزائرية وحدها للوصول إلى مسؤوليات عليا في الدولة ووظائف سياسية»، هذا الشرط لا يخص الجزائر وحدها، بل هناك دول مثل ألمانيا والصين واليابان وغينيا واثيوبيا تمنع ازدواجية الجنسية كلية، فيما تمنع أستراليا الوصول إلى المناصب السامية بالرغم من أنها بلدان هجرة.
ويعتبر أول نص دستوري يوضح وضعية المواطنين المقيمين بالخارج»، طبقا للمادة 24 مكرر التي تنص، على تحمل الدولة مسؤولية حماية رعاياها في الخارج، والسهر على الحفاظ على هويتهم وتوطيد صلتهم ببلدهم الأم، وتجنيد مساهمتهم في بناء الجزائر، وتنحصر الوظائف المعنية في «الوظائف العليا في الدولة مثل وزير، مسؤول سام في الإدارة أو وظائف سيادية أو سياسية، هذه المادة التي استحدثت في دستور 2016 كان الهدف منها منع ذوي الجنسيات الأجنبية من تبوء مناصب القرار في الجزائر، والجميع يشهد كيف وصل الأمر بالمترشح لرئاسيات 2018 رشيد نقاز إلى تقديم ملفه وخوض غمار الرئاسيات.
اليوم، هناك خياران، إما الالتزام بما جاء في نص مادة الدستور ويغلق باب التأويل والاستهلاك المجاني للغو الحديث، أو هي ملزمة أيضا بتعديلها مع وضع شروط مرتبطة بمواد أخرى تمنع مثلا أبناء الحركى والأقدام السوداء من الوصول إلى مراكز القرار، الأمر نفسه بالنسبة للوصوليين ممن يشكلون الحلقة الأكثر خطرا على سيادة الجمهورية وثوابتها، ولنا في الحراك الشعبي الكثير من هذه الأصناف التي سمحت لنفسها بالمتاجرة بالقضية أمام الهيئات الأوروبية، أو تلك التي كانت عمالتها وخيانتها واضحة لا تحتاج إلى اكتشاف جديد.
وضع آليات رفض أو قبول المترشحين إلى مناصب المسؤولية سيعيدنا إلى نقطة الصفر إذا تم اعتماد نظام شبه رئاسي، حيث تعود الحكومة للأغلبية الفائزة في البرلمان الأمر الذي يسمح بتولي بعض من نوابها مهام المسؤولية في هرم الدولة سواء بالغرفة التشريعية أو في الحكومة، وهنا يقع الإشكال، لذلك على المشرع الجزائري غلق الباب من بداياته، حتى لا يسمح لهم بوضع ملفات الترشح، ويجعل الأحزاب السياسية أو أصحاب القوائم الحرة في غنى عن خوض سباق معروفة نتائج فشله سلفا.
حادثة شعابنة وإن اختلف حولها البعض لكنها كشفت الفراغ القانوني والعمليات الارتجالية التجميلية التي مارسها النظام السابق على دستور الجزائر، فإنها تضعنا أمام حتمية عودة هيبة الدولة بعيدا عن القرارات الارتجالية التي تسيء للدولة ككيان، مادامت مخرجات العلبة السوداء معروفة مدخلاتها.