شخّص مسودة الدستور، أ. علم الاجتماع حسين تومي:

النقاش بين موضوعية أهل الاختصاص وسطحية المتطفلين

فتيحة كلواز

شرّح المختص في علم الاجتماع حسين تومي النقاش الذي أثارته مسودة تعديل الدستور على الساحة السياسية بتقسيمه إلى جزءين الأول يتسم بالموضوعية يديره أهل الاختصاص والثاني سطحي بعيد كل البعد عن الغاية التي من أجلها طرحت المسودة للنقاش، ما خلق لغطا كبيرا حول مواضيع كان الأجدر إبعادها عن المزايدات السياسية، خاصة عناصر الهوية التي اعتبرها مادة صماء غير قابلة للنقاش.
وصف المختص في علم الاجتماع حسين تومي النقاش الدائر حول المسودة بالقديم الجديد، فغالبا ما تثير الوثائق المصيرية للبلدان نقاشات حادة حولها، يكون بعضه موضوعيا يديره أهل الاختصاص والدراية بكل ما يحيط بها غايات لوضع القانون الأساسي لتسيير الدولة وتحديد معالمها الكبرى، وبعضه الآخر بيزنطي بسبب إبداء آراء عشوائية في وثيقة مسودة الدستور.
وحسب تومي فإن إثراء النقاش حول هذه الوثيقة يحتاج إلى متخصصين معروفين من مشارب وتوجهات مختلفة، بعيدا عن الحسابات السياسوية الضيقة، لأن الأمر يتعلق بمصير شعب ومستقبل وطن، لذلك كان من الأجدى لو ترك النقاش لأهله من المختصين، في المقابل أكد أن الأهم ليس تعديل الدستور بل احترام هذه الوثيقة وتطبيقها وجعلها موضع العمل على أرض الواقع.
وبمقارنة بسيطة مع الماضي القريب وجد تومي أن المعيب في الواقع ليست النصوص بل الممارسة والتطبيق، فالمشكلة غير مرتبطة بالقوانين وعلى رأسها وثيقة الدستور لأنه في أغلب الأحيان جاء مستجيبا لمتطلبات المراحل السابقة.
ولاحظ محدثنا أن فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة شهدت عبثا بالدستور بطريقة لم يشهد لها مثيل في تاريخ الجزائر، ففي 2008  تم فتح العهدات الرئاسية التي حددت بعهدتين رئاسيتين في الدستور الذي عُدّل في عهد الرئيس الأسبق زروال من أجل السماح له بتمديد فترة حكمه، ثم عاد إلى نفس المادة في تعديل الدستور 2016  ليحدد العهدات باثنتين وكأنه كان يرى نفسه مغادرا فأعاد المادة إلى ما كانت عليه عند توليه رئاسة الجمهورية في 1999.  

المواد الصماء غير قابلة للنقاش

ومن بين المواضيع التي أخرجت النقاش حول المشروع التمهيدي لمسودة الدستور عن الموضوعية، أن الجزائر وبعد 58 سنة من الاستقلال استقرت على عدم الاتفاق حول معالم الهوية، فما زال الإسلام المبرر لوجود هذه الأمة ولولاه لما غادر الاستعمار الفرنسي بل لما رحل الاستعمار البيزنطي والروماني، محل نقاش من طرف شخصيات كان عليها التزام الحياد لأنها مادة صماء غير قابلة للنقاش، معتبرا في ذات السياق الإسلام الأسمنت الذي يربط كل الجزائريين، بل كان الحافز والدافع لتحرير هذه الأرض من المحتل.
وأشار أستاذ علم الاجتماع بجامعة بوزريعة إلى أنه في التاريخ لدينا دروس، فمن النقاش الذي دار سابقا في دستور 1976 الذي قال إن خيار الاشتراكية لا رجعة فيه، لكن جاءت أحداث أكتوبر 1988 لتنسف هذه المادة التي كان يقال إنها صماء ولا تمس لكنها خضعت لمتطلبات المرحلة.
وتأسف المختص في علم الاجتماع للغط الحاصل حول اللغة رغم أنه ومنذ مؤتمر الصومام 1956 نص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، بل صادقت عليها كل الدساتير السابقة منذ 1964، لكن الواقع يؤكد أن اللغة السائدة في المجتمع الجزائري هي الفرنسية ولعل التراجع الرهيب للغة العربية في المرحلة السابقة التي حكم فيها الرئيس السابق، الذي خاطب الجزائريين في كثير من الأحيان باللغة الفرنسية، بل معظم الوزراء كانوا يستعملونها في خرجاتهم.
واعتبر تومي أن النقاش الدائر حول العربية واللغة الأمازيغية كلغتين وطنيتين ورسميتين بمثابة صراع الديكة بين مناصري اللغة العربية واللغة الأمازيغية، وهو في الواقع لصالح اللغة الفرنسية التي تجذّرت وتعمّقت أكثر بعد الاستقلال، فقد قال مرة أحد الخبراء الفرنسيين منذ 15سنة «حققت الجزائر ما عجزت أن تحققه فرنسا خلال 132 سنة من الاستعمار»،  قيل له: ماهي؟، فأجاب:» ذهبنا لنحبب الجزائريين في الثقافة الفرنسية فلم نفلح، ولما خرجنا أصبح الجزائريون أشدّ حبا للثقافة الفرنسية، وكنا نفرض على الجزائريين تعلم اللغة الفرنسية فكانوا يرفضونها، فلما خرجنا من عندهم أصبحوا يعشقونها ويتلهفون من أجل تعلّمها» وهذا هو الواقع للأسف الذي وصلت إليه الجزائر بعد الاستقلال.
أما النقاش حولها فهو بيزنطي فمهما كتبوا وقالوا، يبقى الجزائريون عبر التاريخ عربا وأمازيغ، كما قال رائد الإصلاح عبد الحميد بن باديس «شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب»، مشيرا إلى أن اللغة من المعالم الأساسية في عملية تطور الشعوب، فمن أهم خاصيتين تميزان الدول المتقدمة الأولى النظام فيها ديمقراطي يكون التداول على السلطة فيها بشكل سلمي وشفاف، والثانية أن لا يكون لديها مشكل مع عنصر الهوية خاصة اللغة، فكوريا الجنوبية مثلا عندما تقبل إقامة شخص أجنبي تستخدم معه اللغة الإنجليزية لمدة سنتين بعدها تتعامل معه باللغة الكورية.

غموض في فصل السلطات

وفي نفس السياق اعتبر تومي وجود غموض في الفصل بين السلطات، فالسلطة القضائية أو التشريعية ليستا مستقلتين والسلطة التنفيذية هي التي تهيمن على كل شيء ممثلة في رئيس الجمهورية أو الوزير الأول الآن ( رئيس الحكومة سابقا)، بالإضافة إلى غياب تحديد طبيعة النظام هل هو برلماني أو رئاسي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025