مشروع تعديل الدستور في البرلمان

أولى ورشات الإصلاح السياسي في طريق التجسيد

زهراء.ب

يسير رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بخطى ثابتة نحو تنفيذ وعود انتخابية والتزامات رئاسية لتجسيد أولى ورشات برنامجه الإصلاحي الشامل، بعد وضع مشروع تعديل الدستور بين أيدي ممثلي الشعب لمناقشته والمصادقة عليه، قبل طرحه للاستفتاء الشعبي في يوم أغر يرتبط تاريخيا بكفاح شعب ضد أعتى قوة استعمارية، ليكون شاهدا على ملحمة انتصار أخرى على قوى غير دستورية وأطراف أرادت مصادرة سيادة الشعب وحلمه في تحقيق التغيير.

تجاوز مشروع تعديل الدستور، المحال على غرفتي البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه، عقبات وتفادى محاولات «إجهاض» من جماعات اختفت وراء مطالب الذهاب إلى مرحلة انتقالية، ونادت بحل البرلمان، في محاولة تغليط الرأي العام والدفع نحو مستنقع الفوضى، تحقيقا لمآرب خاصة ومطامع أجنبية.
عرف المشروع غداة الإعلان عليه، حملة «تشويش» و»تشويه» استهدفت أعضاء لجنة الخبراء المكلفة بصياغة مسودة تعديل الدستور، وأكد على ذلك رئيس الجمهورية في مقابلة تلفزيونية مع مسؤولين من الصحافة الوطنية، وقال إن «أعضاء اللجنة يتعرضون للتشويه».
وأبان عن ثقته التامة في رئيس اللجنة أحمد لعرابة، لأنه «خبير أممي تستعين به الأمم المتحدة، وهو ابن شهيد من شهداء ثورة التحرير، ولا يمكن الشك مطلقاً في أن يحيد عن القيم الوطنية. كما أن مقرر اللجنة وليد العقون ابن شهيد ووالده من أعضاء جمعية العلماء المسلمين، وبالتالي لا يمكن المزايدة عليهم».
وخرج لعرابة عن صمته، بعد عرض مسودة تعديل الدستور للنقاش والإثراء، وأعترف أن النقاش حولها في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي انحرف عن الهدف المرجو وأُطلقت بشأنه أكاذيب.
وأصدر بيانا تحدث فيه عن الهجمات والتجاوزات وصفها بـ»غير المسؤولة» مست أعضاء اللجنة في شخصهم، ناهيك عن «أكاذيب» طالت مضمون الوثيقة، منها تلك التي راحت تقول إن صياغة الوثيقة تمت من قبل أشخاص شاركوا في اللجان التي أعدت الوثائق الدستورية السابقة، والادعاء أنهم قاموا بحذف الإشارة إلى بيان أول نوفمبر 1954 من ديباجة الوثيقة، في وقت لم تنص أي وثيقة دستورية سابقة عن بيان أول نوفمبر فكيف تحذفها اللجنة، والمساس بثوابت الأمة، أو وضع نص يسمح بتقسيم البلاد.
واضطر لعرابة يومها إلى الكلام في الموضوع، وإنارة الرأي العام، وقال إنه لا أحد من أعضاء اللجنة كانت له صفة عضو في أي من اللجان التي شاركت في إعداد الوثائق الدستورية السابقة، وإن كان بعضهم قد استقبل كباقي الكفاءات والشخصيات الوطنية من قبل الجهات التي أشرفت على الحوار.

قطار التغيير... أزمة كوفيد والثورة المضادة

أعلن مشروع تعديل الدستور، في سياق وطني ودولي صعب ميزته أزمة متعددة الأوجه، بدأت مع أزمة صحية بسبب تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، وهبوط حاد لأسعار النفط في الأسواق الدولية، بعد تراجع الطلب عليه، نتيجة ظروف الحجر الصحي المطبق في جميع دول العالم، لأن الجائحة انتشرت بسرعة النار في الهشيم، واخترقت حدود الدول دون تأشيرة مرور أو جواز سفر.
الظرف «الاستثنائي» الذي عرفته سائر دول العالم ولم «تُستثنَ» الجزائر منه، دفع رئاسة الجمهورية إلى تأجيل طرح وثيقة مسودة تعديل الدستور للنقاش أشهرا، لأن «صحة المواطن» و»تأمين أمنه الصحي» أولوية وضرورة تسبق أي مشروع سياسي إصلاحي، وإن كان في صدارة مطالب الحراك الشعبي والنسيج السياسي.
وفضلت السلطات العليا للبلاد التركيز على تطويق انتشار الفيروس التاجي، بعد دخول الأراضي الجزائرية في فيفري 2020 عن طريق إيطالي، وظهور أولى الحالات المؤكدة في ولاية البليدة، بعد «استيراد الإصابة» به من عائلة مغتربة بفرنسا، وسرعان ما بدأ الوباء ينتشر في الولايات، ما دفع الحكومة إلى فرض «حجر صحي» على البلاد، كإجراء وقائي وحمائي، وتأجيل ملفات الإصلاح السياسي إلى حين استرجاع «الأمن الصحي».
انخرطت كل الجهود والطاقات في الحملة الوطنية لمكافحة الجائحة، وانشغل الجميع بمحاربتها، وتعقدت المهمة بسبب عدم توفر لقاح خاص بالفيروس، ومع ذلك ظلت السلطات العليا للبلاد ترد في الخطر عن الشعب، بوضع كل المراكز الاستشفائية والصحية وطاقم طبي تحت خدمة المصابين، وحشد كل الوسائل الوقائية والمستلزمات الطبية المساعدة في محاربة الوباء، واعتمدت في ذلك على مواردها المحلية ولم ترتبك كما حدث في دول عظمى عجزت عن توفير «كمامة» و»سرير إنعاش» لمواطنيها.
ووسط هذه التحديات، برز خطر من أسماهم رئيس الجمهورية «أصحاب الثورة المضادة»، وتحدث عنهم بصراحة في خطابه أمام اجتماع الحكومة والولاة، فقال إن «قوى الشر تستهدف ضرب استقرار البلاد والدخول في أجندة قوة معروفة، فهناك متواطئون مازالوا يتطلعون إلى إثارة الفوضى».
وتحدث عن قيام أحدهم بتهريب ملايين الدولارات وتوزيعها في الخارج، وهناك «من لا يساعده الاستقرار ويريد العودة إلى الحكم لكن هيهات هذا حلم».
وقطع رئيس الجمهورية الشك باليقين، بالقول إن «قطار التغيير انطلق ولن يوقفه أحد، وأن الشعب الجزائري انتفض وإرادته هي العليا لأنها من إرادة الله التي لا تقهر». ودعا للاستعداد لتنظيم الاستفتاء على «دستور توافقي» يلبي مطالب الحراك الشعبي.

دعم سياسي ومؤسساتي... في انتظار الشعبي

الألوان لم تبق محصورة في الأسود والأبيض، وحتى من أصيب «بعمى الألوان» يمكنه إدراك أن الجزائر، كما أنجبت ذات يوم أفراد المقاومة الشعبية والمجاهدين والشهداء، أنجبت «جيلا» ورث الشراسة والتضحية «بالنفس والنفيس» في سبيل استقرار البلاد، ويملك من الأنفة والعزة ما يدافع به عن البلد حتى لا تُستباح حرمتها.
وأبانت أحزاب، رغم اختلاف انتمائها السياسي، رفقة تنظيمات وجمعيات مجتمع مدني، وشخصيات وطنية، عن «نية حسنة» في التعامل مع برنامج الإصلاح الشامل لرئيس الجمهورية و»رغبة» للسير في مسعى تعديل الدستور وإحداث «التغيير» المنشود.
وجندت قواعدها ومناضليها في الولايات للمشاركة في إثراء وثيقة مسودة تعديل الدستور، واجتهدت بتقديم مقترحات عن تعديلات لجنة لعرابة، وصل عددها إلى 5018 مقترح.
وفضلت تشكيلات سياسية توحيد صفوفها مع التنظيمات وجمعيات المجتمع المدني ونقابات مهنية وشخصيات وطنية في مبادرة «القوى الوطنية للإصلاح»، وعملت على صهر مقترحاتها حول وثيقة مشروع تعديل الدستور في بوتقة واحدة، سلمتها لرئيس الجمهورية لتعزيز هذا المشروع.
وانخرط البرلمان بغرفتيه في مسعى تعديل الدستور، وأعلن صراحة رغبته في إنجاح مسعى الاستفتاء الشعبي، لميلاد جزائر جديدة في تاريخ يرتبط بمسيرة كفاح ثوري طويل وروح بيان كتب بدماء المخلصين للوطن وليس بالقلم.
وبين محاولات «يائسة» لوقف مسار التغيير و»رغبة جامحة» في ميلاد الجزائر الجديدة وإنقاذها من «مخاض عسير»، سيقول الشعب كلمته في صندوق الانتخاب، يوم لا كلمة تعلو فوق صوته.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025