يلتحق اليوم، الطلبة بمراكز الامتحان لاجتياز شهادة البكالوريا وكلهم أمل في أن تكون أول مفاتيح الحياة التي يتحصلون عليها بجدارة واستحقاق، في ظل ظروف استثنائية نقلت الموعد من صبغته التعليمية إلى صبغة صحية تحمل الكثير من التحديات أهمها تفادي تحول مراكز الامتحان إلى بؤر لانتشار العدوى.
«الشعب» رصدت أجواء هذا الامتحان المصيري مع الممتحنين وأوليائهم بعد انقطاع طويل عن الدراسة، جمعت آراءهم وسلطت الضوء على الضغط الرهيب الذي سكن دواخلهم بسبب خوف ضاعفه كوفيد-19.
...خوف نفسي ومخاوف صحية!!
التلميذ «نزيم - ك» واحد من المقبلين على موعد امتحان شهادة البكالوريا ببلدية القبة، سألته «الشعب» عن تحضيراته لهذا التاريخ الذي جاء في ظروف استثنائية هذه السنة، والذي أجاب بالقول إنه:» منذ شهر مارس وأنا انتظر هذا اليوم فقط لارتاح من هم كبير سكن روحي وعقلي زاده اهتمام والدتي ثقلاً، وضعت على عاتقي مسؤولية تحقيق حلم والدي المتوفي في أحد المصانع التي عمل بها لسنوات، كان ظلم المسؤول له سببا في جلطة دماغية تسببت في موته، أخبرتني والدتي أنه كان دائما يراني إطارا في الدولة أحاسب كل من تسول له نفسه ظلم العامل البسيط».
واستطرد نزيم قائلا:»أنا تلميذ مجتهد في دراستي أحاول بكل ما أستطيعه تحقيق حلم والدي، لكن الظروف الاستثنائية التي عاشتها الجزائر والعالم كله بسبب الجائحة العالمية كان له الأثر الكبير على تحضيراتي للبكالوريا، فالانقطاع الطويل عن الدراسة جعلني أفقد التركيز مع المراجعة خاصة قبل تحديد تاريخ إجراء الامتحان، رغم إصرار والدتي وتهيئتها لكل ما يمكنه مساعدتي على ذلك لكن الخوف من الموت أو العدوى أو المرض سيطر على ذاتي وكل جوارحي وإلى اليوم عجزت عن إيجاد الطريقة الصحيحة للمراجعة».
ماليا جمّال هي الأخرى تنتظر امتحان البكالوريا في شعبة رياضيات، استطاعت تجاوز مشكلة الانقطاع الطويل عن الدراسة عن طريق الدروس الخصوصية، حيث قالت:» لم أتوقف عن الدراسة رغم الغلق الشامل لكل المؤسسات التعليمية والدروس الخصوصية، فقد كنت أتلقى دروسا تدعيمية طوال تلك الفترة بطريقة سرية تحت إشراف أساتذة واصلوا إعطاء الدروس الإضافية لعدد قليل من الطلبة ممن هم بالنسبة لهم أهل ثقة حتى لا يتم التبليغ عنهم، طبعا مع أخذ كل الاحتياطات اللازمة كارتداء القناع الواقي، التعقيم والتباعد الاجتماعي، حيث طبق الأساتذة كل الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية التي أوصى بها الأطباء».
وأضافت ماليا قائلة:» لا يمكن تخيل الضغط الذي عاشه تلميذ البكالوريا طيلة مدة الحجر الصحي خاصة في الفترة الأولى، حيث لم تتضح الرؤية في مصير امتحان البكالوريا، خاصة عندما بدأت بعض الإشاعات تؤكد إمكانية إلغائه والاكتفاء بمعدل الفصلين الدراسيين، تلك القرارات التي كنا نسمع عنها في ظل صمت الوزارة الوصية التي ربطت قراراتها بتقرير وزارة الصحة، الكم الهائل من الأخبار أدخلنا في دوامة نفسية لم نستطع الخروج منها بسهولة، لذلك فضلت البقاء على تواصل دائم مع الدراسة حتى لا أفقد تركيزي، فرغم كل تلك الإشاعات لم أتغيب يوما عن دروسي الخصوصية واليوم أنا جاهزة للامتحان وإن شاء الله سيكون بوابتي إلى الجامعة والمستقبل».
كمال بن دالي، أب يحاول إعطاء ابنه المقبل على اجتياز شهادة البكالوريا طاقة إيجابية تكفيه للإجابة عن الأسئلة بأريحية خاصة وأنه من النجباء، لكن الظروف غير المنتظرة جعلته يفقد تركيزه في الدراسة بعد الانقطاع الطويل عن جو التعليم الذي توفره له الثانوية المنتسب لها.
وأكد بن دالي قائلا:» كان من المفروض في هذا الوقت من السنة مناقشة التسجيلات الجامعية لطلبة الجامعيين الجدد، لكن كوفيد-19 أرغم الجهات الوصية على اختياره لإجراء امتحان البكالوريا، ما خلق توترا وضغطا نفسيا كبيرا لدى المقبلين على هذا التاريخ المهم في مسيرة كل طالب ثانوي، وجواً مشحوناً داخل كل بيت أحد أفراده معني باجتيازه».
وأوضح المتحدث قائلا:» لا يمكن بأي شكل كان فصل تلميذ شهادة البكالوريا عن محيطه لأنه من يصنع حالته النفسية وغالبا ما تكون انعكاسا لتلك التي تسيطر على الأولياء الذين يجدون في ابنهم الفرصة الذهبية لتحقيق أحلام عجزوا عن تحويلها إلى حقيقة، لذلك الأهم بالنسبة لنا توفير كل ما يمكنه تحويل الحلم إلى حقيقة، لكن التخوف من الفشل سيطر على الجميع لأن فترة الانقطاع أثرت سلبا على قدرة استيعاب الطلبة، حتى أصبح ابني مثلا ينام نهارا ويدرس ليلا هربا من الجو المشحون الذي خلقه بقاء الجميع في البيت بسبب الحجر الصحي».
ترفض إجراء الامتحان بسبب كوفيد- 19
في المقابل «صليحة- ث» أم عانت كثيرا بسبب رفض ابنتها إجراء الامتحان المصيري بعد وفاة والدها شهر أوت الماضي بفيروس كورونا، حيث كشفت:» الرابطة القوية التي جمعت ابنتي بوالدها جعلتها تفقد القدرة على استعادة تركيزها على المراجعة، فبعد إصابتي ووالدها بعدوى الفيروس نقلنا إلى المستشفى وبقيت في العناية المركزة لأكثر من عشرة أيام توفي خلالها زوجي ونجوت أنا، لكن أثر ما حدث كان كبيرا على أطفالي الذين وضعوا في الحجر المنزلي ممنوعين من الخروج أو زيارتنا في المستشفى، ما زاد الطين بله موت ودفن والدهم في صمت دون توديعه».
واستطردت صليحة قائلة:» عندما عدت إلى البيت علمت أن ابنتي تخلصت من كل كتبها وكراريسها وكل ما له علاقة بالدراسة، في البداية ظننت أنها ستعود إلى رشدها لكن تعنّتها زاد حدة وإصرارها على رفضها إجراء الامتحان بات جليا والسبب وفاة والدها الذي وعدها بهدية كبيرة بعد حصولها على شهادة البكالوريا، أبكتني وآلمتني لدرجة فقدان القدرة على إجبارها، لأن العامل النفسي يلعب دورا مهما في معادلة النجاح وهي تقريبا غائبة معنويا عن أجواء التحضيرات والمراجعة، فضلت التعامل معها بذكاء مخافة أن تقدم على عمل متهور لا تحمد عواقبه، خاصة وأن عدم إصابتهم بالعدوى نعمة كبيرة فضلني بها الله تعالى على كثيرين».
على عكس صليحة، وجد ريان جلالي نفسه أمام رهان النجاح بعد تعافيه من كوفيد - 19 منذ ما يقارب الأربعة أشهر، حاول خلالها استدراك ما فاته من المراجعة، لكنه وجد صعوبة كبيرة أمام رفض البعض مساعدته خوفا من العدوى.
عن هذا الموضوع قال:» سجلت هذه السنة مع الطلبة الأحرار لاجتياز امتحان شهادة البكالوريا، فبعد ثلاث سنوات من التحاقي بالجامعة تخصص علم النفس قررت البحث عن تحقيق حلمي في دخول المدرسة العليا للإدارة، وبالفعل قمت بكل الإجراءات الواجب إتباعها من أجل التسجيل في قائمة الأحرار، لكن حمل لي الزمن مفاجأة مدوية كان جوهرها الفيروس العالمي الذي أطبق الخناق على الكرة الأرضية».
وأضاف ريان قائلا :» في البداية شعرت بإحباط كبير، كاد يفقدني الرغبة القوية في اجتياز الامتحان لكن استعدت عزيمتي شهر جوان في المراجعة وبالفعل استعنت ببعض الأصدقاء لمساعدتي في استرجاع البرنامج الدراسي ممن لم يتخوّفوا من العدوى فقد رفض البعض ذلك بحجة كوفيد-19 رغم شفائي وتعافي منه، مع مرور الوقت استطعت تجاوز القطيعة مع مقاعد الدراسة طوال فترة دراستي الجامعية والتركيز على أهم احتمالات اختيار مواضيع الامتحان، مع التركيز على تطورات الوضع الوبائي في الجزائر لمعرفة الضغوط الصحية التي سنواجهها أيام الامتحانات خاصة في ظل توصيات صارمة لتطبيق البروتوكول الصحي الخاص بشهادة البكالوريا».