رؤية واضحة..والكرة في مرمى الفاعلين

2021 عام المقاومة الاقتصادية

سعيد بن عياد

مع بداية العام الجديد أعطيت إشارة قوية للعمل حول بناء قوة اقتصادية وطنية متكاملة، تشكّل قاطرة الخروج من مرحلة الصدمة المالية تحت تداعيات الأزمة النفطية ومخلفات الظرف الصحي جراء وباء كورونا الذي عطّل عجلة النمو، في ضوء اللقاء الأول من نوعه الذي جمع الرئيس تبون مع مسؤولي عدد من كنفدراليات رؤساء المؤسسات والمتعاملين، سعيا لإعادة صياغة مسار العمل الميداني على مستوى المؤسسات وفي كل القطاعات التي تراهن عليها الجزائر لإنتاج القيمة المضافة والتصدير إلى الأسواق الخارجية.

تشكّل سنة 2021 موعدا ملائما للنهوض بالاقتصاد بفضل العمل بمخرجات هذا اللقاء العملي، الذي غلب عليه طابع اتخاذ قرارات أكثر من إلقاء خطابات، أبرز فيه الرئيس تبون التزاما ثابتا بإشراك كافة القوى الوطنية في تعزيز الديناميكية الاقتصادية، والعمل بتعاضد الإمكانيات وتكاتف الجهود على مواجهة التحديات بدل البقاء في حالة تشتت للموارد وضياع للبوصلة وسط محيط اقتصادي إقليمي وعالمي يعكس تهديدات تلوح في الأفق سوف تعصف بالنسيج المؤسساتي حالة عدم القدرة على التكيف مع الواقع، ومواكبة التغيرات للبقاء في الساحة.
لذلك كانت التوجيهات دقيقة ومباشرة لا تحتمل التأخير لوضع المؤسسة الجزائرية في محيط إيجابي يتشكّل لغة وممارسة من عوامل اقتصادية تحكمها قواعد المبادرة الاستثمارية، الشفافية، النتائج الملموسة في المدى القصير لبعض القطاعات الجاهزة للانطلاق مجددا والالتزام بدفاتر الشروط، ذلك أنّ الغاية النهائية تتمثل في حماية الأمن المالي من خلال تأمين احتياطي الصرف بالعملة الصعبة عبر إنتاج القيمة المضافة والرفع من التصدير خارج المحروقات.
كل هذا الطموح المشروع المدعّم بإرادة سياسية واضحة يحوّل البلاد إلى ورشة كبرى هي أساس باقي الورشات، فالاقتصاد يبقى الجسر الوحيد للعبور من مرحلة الأزمة بكل تهديداتها إلى ضفة النمو بكل تطلعاتها، وتكون المؤسسة المحرك الملائم، لذلك ركّز الرئيس تبون على جملة محاور مرافقة ذات طابع استعجالي تضع معالم التوجه الجديد المنسجم مع مسار التغيير لبناء جزائر جديدة عنوانها الكبير الوطنية الاقتصادية.
من التأكيد على ضرورة تفعيل مكافحة البيروقراطية بالموازاة مع توسيع وترسيخ الرقمنة، خاصة في المنظومة البنكية والجمركية والضريبية إلى الانتهاء من معضلة العقار الصناعي بإجراءات ملموسة على أساس تفعيل استرجاع الأوعية المهملة وغير المستغلة، وإطلاق فتح فضاءات جديدة وفقا لخارطة شغل الإقليم، خاصة في الهضاب العليا والجنوب، وتحول دور البنوك من وظيفة تقليدية أظهرت حدودها الى أداء اقتصادي لمرافقة المشاريع الاستثمارية التي تتطابق مع الأهداف المسطّرة، وكذا تعزيز الشراكة مع الجامعات التي يفتح أمامها أفق جديد للمبادرة بعيدا عن المظلة المركزية التي تعيق وتكبح كل مشروع.
إعطاء المؤسسة مساحة أكثر للمناورة بتخليصها من العوائق، وإدراجها في هذه الديناميكية الجديدة ليس لكونها خيارا وإنما حتمية من شانها أن تقود إلى تجسيد كل الأهداف المحورية المتعلقة بالنمو، والتدرج في التموضع جيدا على مستوى الأسواق الخارجية من خلال تحسين مؤشرات التصدير بالوصول إلى سقف 4 ملايير..كما أكّد عليه تبون في تحدّ يمكن رفعه من جانب الجهاز الإنتاجي الجزائري بكل مكوناته، ذلك أن هناك رصيد جاهز للعودة إلى النشاط مدعوما بترسانة إجراءات متنوّعة تعطي صاحب المشروع ورئيس المؤسسة الإمكانيات اللازمة للانتشار في الساحة بثقة أكبر.
يرتكز التصدير على مقوّمات أساسية للمنتوج الجزائري من الجودة باحترام المعايير إلى التحكم في الكلفة بترشيد الإمكانيات مرورا بالذكاء لتحقيق القيمة المضافة، وتكون الصناعة والفلاحة والخدمات القطاعات التي تؤسّس للبنية القاعدية لحمل هذا الطموح ممكن التحقيق ضمن الاطار المحدد، الذي يوفّر المناخ لالتقاء الموارد وتلاقح المشاريع وتقاطع التطلعات بلون اقتصادي قلبه النابض الشراكة الايجابية، والعمل في الميدان حيث المرحلة تفرض تنافس قادة المشاريع على الأرض وليس داخل مكاتب مكيّفة لم يعد لها محل في المشهد الجديد للنموذج الاقتصادي.
ويتّسع هذا المشهد لإنجاز تكتلات حسب الفروع الاقتصادية حول مشاريع كبرى تستجيب لمتطلبات السوق وتواكب التطورات، تكون مسنودة بنسيج واسع لمؤسّسات ناشئة ومنظومة مصرفية مرنة تستوعب كل هذا التغيير ليمكّن من صياغة المسار المرتقب، مع انفتاح على شراكة خارجية تستجيب لمتطلبات المعركة، بحيث تقوم على مشاريع إنتاجية وفقا لقاعدة رابح - رابح، وتمتد في الزمن خلافا لما كان في الماضي وكلّف البلاد الكثير، وهي مسؤولية تقع على عاتق القائمين على الدوائر القطاعية المختلفة التي لا مجال لها للخطأ.
تبقى الصناعة والفلاحة التحويلية والخدمات في الصدارة على سلم أولويات الظرف بالنظر الى المؤشرات المقبولة التي أظهرتها خلال الأزمة، وبالذات مع جائحة «كوفيد-19»، غير أن المهمة تتطلب تحسين الأداء وفقا لمعايير المنافسة على صعيد الأسواق الخارجية انطلاقا من احترامها في الأسواق الداخلية لاكتساب التقانة في التصدير مع إطلاق المهن المرافقة في هذا المجال، فلكل حرفته من منتج ومصدّر ومسوّق، يتقاسمون الاحترافية كضمان للديمومة بالموازاة مع تكفل الجانب الإداري المكلف بإقامة مرصد للأسواق الخارجية من خلال اعتماد الرقمنة، وهو أمر في المتناول لتوفر الأدوات التكنولوجية والموارد البشرية لتكتمل السلسلة وتتوسّع باستمرار.
الآن وقد اتّضحت المقاربة وأزيل ما علق بها من ضبابية، فإنّ الكرة في مرمى الفاعلين الاقتصاديين بدءاً بالكنفدراليات التي جمعها الرئيس لإعطاء إشارة بأنّ الجزائر الجديدة تحتضن كافة المخلصين الذين لديهم ولاء للوطن أكثر من الأشخاص، وللمواطن الجزائري أكثر من غيره ويتشبّعون بثقافة الوطنية الاقتصادية القائمة على التشاركية والتعاون وليس النهب والتهريب والعيش على الريع بالمجان، فالدولة تمنح لمن ينتج قيمة مضافة مهما تواضع حجمها، ولمن يساهم في حمل العبء بما أمكنه من قدرات ليكون الوطن في المحصلة هو القاسم المشترك، وبدونه لا مستقبل لأي كان ما يستوجب تصحيح المفاهيم وضبط المخططات على عقارب ساعة النمو الاقتصادي، وهو ما يمتحن فيه كافة المتدخّلين والشركاء خلال 2021 عام المقاومة الاقتصادية لتنمية الموارد المالية والصحية لكسر موجة كورونا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19819

العدد 19819

الخميس 10 جويلية 2025
العدد 19818

العدد 19818

الأربعاء 09 جويلية 2025
العدد 19817

العدد 19817

الثلاثاء 08 جويلية 2025
العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025