يعيش المشهد السياسي في الجزائر هذه الأيام تحرّكات متسارعة منذ عودة الرئيس عبد المجيد تبون للبلاد بعد رحلة علاجية قادته إلى ألمانيا دامت نحو شهرين، وأعاد معه حركية كبيرة للعمل الميداني للطاقم الحكومي، وكانت بمثابة ضخ «دم جديد» في الحركية والنشاط، من خلال إعطاء دفع قوي للجهاز التّنفيذي، الذّي وُضع تحت مجهر التقييم لحصيلة سنة كاملة.
في ظرف أسبوع، عقد الرئيس مجلس الوزراء، وترأّس المجلس الأعلى للأمن بعدما أمضى قانون المالية لسنة 2012، ووقّع وثيقة الدستور، استعدادا للدخول في مرحلة التّطبيق والجدّ بعد سنة كبحت كورونا وانهيار أسعار النفط سرعة قطار التغيير، وهو الذي قال في اجتماع أمني رفيع المستوى إنّنا في «مرحلة اليقظة والحذر» على جميع الأصعدة.
وتميّزت عودة الرئيس بتحرّكات على مختلف الجبهات، فعلى المستوى السياسي تحرّك الرئيس عبر إكمال خطة الإصلاح السياسي التي ستظهر نتائجها قريبا جدا عن طريق تسلّمه مشروع القانون العضوي للانتخابات، بعد توقيعه على الدستور، إلى جانب وضع الخطوط العريضة لعمل الحكومة. أما على المستوى الأمني كانت تحركات حثيثة تزامنا مع أزمة مشتعلة على الحدود الغربية للجزائر، حيث حذّر من «محيط إقليمي متوتّر وجد معقّد».
معركة الثّقة..
بادر الرّئيس بخطوات سياسية هدفها بناء الثقة مع المواطن، عن طريق تقييم عمل الوزراء، وقد ترأّس الرئيس اجتماعا لمجلس الوزراء خصّص لتقييم الحصيلة السنوية 2020 لمختلف القطاعات الوزارية.
الحكومة التي أكملت سنة من وجودها، تحتاج حاليا لتقديم حصيلة لها، بعد عام من العمل والتحدي الذي فُرض على نزلاء قصر الدكتور سعدان، بسبب الأزمة المزدوجة التي ضربت البلاد السنة الماضية، النفطية والصحية، حيث أخلطت رزنامة الجهاز التنفيذي وحتًّمت عليه «التعايش» مع المستجدّات الحاصلة.
وعبّر الرئيس عن عدم رضاه بخصوص التعاطي مع بعض الملفات الحيوية، وتتعلق أساسا بقضايا التنمية في مناطق الظل كما أن قطاع المالية الذي يتطلّب مراجعة شاملة تكرّس الشفافية لدى البنوك في منح القروض، وأبدى تبّون في هذا الصدد، عدم رضاه عن تسيير بعض الولاة لملفات التنمية في مناطق الظل.
وترأّس القائد الأعلى للقوات المسلّحة، وزير الدفاع الوطني، اجتماعا للمجلس الأعلى للأمن خصّص «لتقييم الوضع العام للبلاد لاسيما السياسي والاقتصادي، والتطورات الأخيرة في المحيط الإقليمي المباشر والدولي».
نفس جديد وإشارة نحو الإصلاحات
مباشرة بعد عودته إلى مكتبه بالمرادية، وقّع الرئيس قانون المالية لسنة 2021 كما كان منتظرا، حيث دخل حيز التنفيذ ابتداءً من 1 جانفي 2021، حيث صدر في الجريدة الرسمية رقم 83 المؤرخة بتاريخ 31 ديسمبر 2020، لتدخل معه كلّ التدابير التي اتّخذت من أجل مواجهة مخلّفات الأزمة المزدوجة التي ضربت البلاد السنة الماضية، الصّحية والنّفطية.
وكانت الخطوة بمثابة إعطاء إشارة للانطلاق في الإصلاحات الكبرى، وفتح الورشات الكبرى لإعادة النظر في العديد من القوانين على غرار القانون العضوي للانتخابات، الذي سيسلم إلى رئيس الجمهورية قريبا من قبل اللجنة المختصة التي تتولى إعداده بقيادة الخبير الدستوري احمد لعرابة، يتضمّن شروطا جديدة من شأنها تحسين العملية الانتخابية، وأخلقة العمل السياسي، ومحو آثار العهد البائد، بوضع شروط تحدد كيفية الترشح، وبنود «تحصّن» العملية الانتحابية من المال الفاسد، ومحاربة التزوير بكل أشكاله، وفتح المجال واسعا أمام الشباب لخوض المعترك السياسي وتدعيمه ماليا، إلى جانب المضي نحو منح الاستقلالية التامة للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، حتى «تُسيطر» بشكل كامل على مسار الاستحقاقات القادمة، وتحارب تدخل الإدارة، أو أي قطاع من القطاعات في أطوار العملية الانتخابية.
وسمحت عودة الرئيس بإعطاء نفس جديد لعمل الجهاز التنفيذي والإسراع نحو أكمال المشاريع والمخططات المسطرة..فقد ترأّس وزير الطاقة عبد المجيد عطّار الاجتماع الخاص بقطاع الطاقة، حيث تطرّق فيه مع إطارات الوزارة مركزيا إلى ملفات منها المواصلة في التكفل بمناطق الظل ورفع وتيرة ذلك، إضافة إلى مشاريع رقمنة القطاع التي تمّ إتمامها ودخلت حيز الاستغلال بداية السنة.
هذه من بين النقاط التي ألحّ عليها الرئيس خلال اجتماع مجلس الوزراء الأحد الماضي.