بين مرحب بالتخفيف ومحذر من التراخي

الشهر الفضيل يلقي بظلاله على تخفيف التدابير

استطلاع: فتيحة كلواز

 ارتياح المواطن مرتبط بالترخيص بأداء التراويح

 التزام الإجراءات الوقائية للمحافظة على استقرار الوضع الوبائي

استحسن المواطنون تخفيف تدابير الحجر المنزلي الأخيرة وتقليص عدد الولايات المعنية به إلى تسع ولايات. هذه الإجراءات ستسمح بأداء صلاة التراويح والفجر في المساجد، عكس السنة الماضية. لكن لا يجب الاكتفاء بنصف الكوب المملوء فقط، لأن النصف الثاني موجود ومتمثل في إصرار المختصين على ضرورة الإبقاء على الالتزام بالإجراءات الوقائية، لأنها السبيل الوحيد للمحافظة على مكسب استقرار الوضع الوبائي.
بين مطمئنٍ ومتوجس حذر، تباينت آراء المواطنين الذين سألتهم «الشعب» عن تخفيف تدابير الحجر المنزلي، لتكون الطمأنينة والحذر وجهان لعملة واحدة، هي الوضع الوبائي في الجزائر.

رمضان... أهم أسباب الاستحسان

كان سمير صواليلي، موظف في مؤسسة خاصة، أول من سألتهم «الشعب» عن تخفيف تدابير الحجر المنزلي، حيث أجاب قائلا: «منذ سنة عشنا ظروفا مغايرة تماما لتلك التي نعيشها اليوم. فبعد غلق شامل، تم تخفيف إجراءات الحجر المنزلي لنتمكن من التحرك بأريحية بعيدا عن الخوف من أن يتجاوزك الوقت المحدد للحجر المنزلي، ما يعطي المواطن مجالا أوسع لممارسة حياته العادية بكل تفاصيلها، خاصة وأننا مقبلين على الشهر الفضيل، فتحديد فترة الحجر المنزلي من الحادية عشرة ليلا إلى الرابعة صباحا، سيسمح للمصلين بأداء صلاة التراويح والفجر في المساجد، ما سيمنح الكثير منا راحة كبيرة ومتجددة مع كل تلك النفحات الربانية للشهر رمضان الكريم».
وأضاف سمير، قائلا: «كان شعور الكثير منا بالضعف، العام الماضي، كبيرا. فمنظر الكعبة الشريفة فارغة من المصلين والمعتمرين، زرع داخلنا إحساسا بالخوف من أن يكون رمضان 2020 آخر رمضان تشهده البشرية، خاصة وأن الإشاعات والتأويلات على مواقع التواصل الاجتماعي جعلت من فيروس كورونا العقاب الرباني الذي سيُبيدنا جميعا، لكن لطائف الله كبيرة وها نحن اليوم مقبلون على شهر الصيام والمساجد مفتوحة».
لم تكن إجابة كاميليا، أستاذة مستخلفة في مادة الرياضيات، بعيدة عما قاله سمير، حيث عبرت عن ارتياحها لتخفيف تدابير الحجر المنزلي، قائلة: «تعود المرأة إلى المساجد بعد غياب سنة كاملة. شعور غريب انتابني وكأنني سأدخلها لأول مرة في حياتي. صحيح أن الإسلام يفضل صلاة المرأة في بيتها، إلا أن صلاة التراويح في المسجد لها طعم آخر لا تكتمل فيه «بنّة» رمضان دونها».
وأضافت، أن المواطن بعد غلق مطبق وخوف، ها هو اليوم ينتظر حلول الشهر الفضيل ليسترجع كل العادات والتقاليد التي تكرس معاني التضامن والأخوة وصلة الرحم. هي معان إنسانية راقية يحاول الجزائري في شهر الصيام الحفاظ عليها حتى يغنم النفحات الربانية لموسم الحسنات والفضائل، لذلك كان من الضروري، بحسب مدثتنا، العودة إلى أصل ما تربت عليه أجيال متعاقبة من أخوة والتضامن.

تراخٍ غير مبرر

لم يكن رأي نوال بلعاليا، امرأة ماكثة بالبيت، بنفس درجة ارتياح سابقيها، بسبب التراخي والاستهتار اللذين يسودان الحياة العامة في الأسابيع الأخيرة، حيث قالت: «لا أستطيع استيعاب حالة التراخي والاستهتار اللتين تسيطران على يوميات المواطنين، فأغلبهم يتصرف وكأن الوباء انتهى أمره ولم يعد موجودا بيننا، علينا أن نعي أن التخفيف ليس مبررا أو ضوءاً أخضرَ للتخلي عن الإجراءات الوقائية. حقيقة أن المختصين يؤكدون وجود مناعة مجتمعية قاربت أو تساوي 50 بالمائة، إلا أنها تبقى غير كافية للعودة كلية إلى حياة طبيعية».
في نفس الوقت، أشارت إلى أن الكثير من المواطنين توقع الرفع الكلي للحجر المنزلي مع حلول شهر رمضان، لكن التخفيف وانخفاض عدد الولايات المعنية به إلى تسع، أعطاهم جرعة سعادة إضافية، لأنهم سيصلون التراويح هذه السنة في المساجد وربما ستفتح المحلات ليلا، رغم الوقت الضيق في السهرة. لكن الأكيد أن الشهر الفضيل سيكون فاصلا في الوضع الوبائي للجزائر، إذا أخذنا بعين الاعتبار النمط المعيشي للجزائريين فيه، حيث تعرف العلاقات الاجتماعية انتعاشا ملحوظا، بسبب تنامي الشعور بالانتماء إلى العائلة وتعزيز صلة الرحم والقرابة، بالإضافة إلى أن الولايات غير المعنية بالحجر المنزلي 49 يعيش سكانها حياة طبيعية بعيدا عن مختلف الإجراءات الوقائية كارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي».

«الحياة الطبيعية»... إغراء مُهلك

«الحياة الطبيعية» إغراء لن يستطيع مقاومته الكثير من المواطنين، بعد سنة كاملة من الحجر المنزلي، تدرّج من الإغلاق الشامل إلى الفتح التدريجي، هذا ما قاله مصطفى جيلاني، ممرض في إحدى العيادات الخاصة بباش جراح، عند سؤاله عن تخفيف تدابير الحجر المنزلي، حيث أجاب: «العودة إلى الحياة الطبيعية وعدم التخلي عن العادات اليومية، هوس أصاب الكثير منا بعد إجراءات الغلق والحجر الصحي الشامل، خاصة وأن طبيعة النمط المعيشي للجزائريين يتميز بعلاقات اجتماعية متقاطعة ومتشابكة، سواء كانت جيدة أو سيئة، ففي كلتا الحالتين يحتاج الفرد إلى محيطه ليستشعر أناه الداخلي، لذلك وجد الكثير منا صعوبة في تأقلم مع العزل الاجتماعي، خاصة في المناسبات الدينية كشهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى».
في ذات السياق، قال مصطفى إن الجزائر بحاجة إلى وضع النقاط على الحروف. فلا يمكن ترك هذا الاستهتار دون عقاب، لأن النتيجة إن خرجت عن المنتظر ستكون مأسوية على الجميع. الكثير من الدول تعاني اليوم موجة ثالثة لسلالة متحورة سبقها فتح كلي أو جزئي لمختلف الفضاءات والنشاطات، لكن غالبا ما يكون الاحتفال المفرط «بالانتصار» على فيروس خفي أثبت جدارته في التحور خطوة غير محسوبة عواقب... على الجميع أخذ الدروس والعبر مما مررنا به من غلق وخوف. عدم الثقة في فيروس كورونا أصبح ضرورة قصوى، لأنها السبيل الى اليقظة والحذر».

الحذر طوق حماية ونجاة

«الحذر، ثلاث مرات» هي إجابة مختصرة لمختصة التخدير والإنعاش نصيرة شرقي، لأن فيروس كورونا  -بحسبها- مازال يخبئ للإنسانية كثيرا من المفاجآت، لذلك كان الحذر هو الوسيلة الوحيدة لحماية المجتمع من موجة ثالثة، قد تكون أكثر فتكا وشراسة، مع وجود السلالتين المتحورتين اللتين يقترب عدد الإصابات بها من عتبة 100 إصابة، منها 30 سلالة للمتحور البريطاني و56 سلالة للنيجيري، هي موجودة رغم غلق المطارات والمعابر البرية، يجب أن يعي المواطن خطورة الركون إلى التراخي والتهاون والاستهتار في تطبيق الإجراءات الوقائية، خاصة في الفضاءات العامة والمساحات الكبرى ووسائل النقل، وكذا التجمعات كالأعراس والجنائز.
وأكدت المتحدثة، أن الالتزام بالتدابير الوقائية، كالتباعد الجسدي وارتداء القناع الواقي والغسل المتكرر لليدين في إطار البروتوكول الصحي، «أفضل سلاح نملكه في الوقت الراهن للحد من العدوى وكسر سلسلة انتشارها، فلا يمكن المجازفة باستقرار الوضع الوبائي بسبب غياب الوعي الصحي لدى المواطنين»، ويجب أن يدرك الجميع أن الوزارة الأولى عند اتخاذها قرار تخفيف تدابير الحجر المنزلي أوصت أيضا بالتزام الإجراءات الوقائية.
في نفس الصدد، قالت شرقي إن المواطن أخذ بالتخفيف وتغافل عن الالتزام بالإجراءات الوقائية، رغم أن الكثير من الدول تعرف في هذه الفترة موجة ثالثة، ما استدعى غلقا شاملا لمنع خروج الأوضاع عن السيطرة. فدول مثل بريطانيا، ألمانيا وفرنسا لم تتردد في العودة الى الحجر الصحي الشامل، بما فيه غلق المدارس بعد أن سبقتنا في الفتح والتعايش مع المرض وتطبيق مناعة القطيع.
وأوضحت، أن استقرار الوضع الوبائي مكسب دفع ثمنه كل أولئك الذي رابطوا على مدار ثمانية أشهر في مواقع عملهم، عايشوا خلالها معنى العمل والتفاني رغم فقد الأحبة والزملاء، لم يكن بإمكانهم التوقف أو السماح للحزن أو الألم أن يثبط عزيمتهم للبقاء في معركة الجزائر ضد وباء كورونا.
في هذا الإطار، استغربت المتحدثة عدم قدرة المواطن على تحويل الإجراءات الوقائية من مجرد سلوكيات مفروضة بقوة القانون إلى سلوكيات يومية مكتسبة. فبالرغم من مرور شهور طويلة على التزامه بها، لم يستطع التعود عليها ولا تكرار فعلها بعيدا عن العقاب، مؤكدة أن فشل المجتمع في اكتساب ثقافة صحية سليمة بعدم استغلال فرصة ذهبية كالجائحة العالمية لإعادة إعطاء الفرد تربية صحية صحيحة، يستدعي بحثا نفسيا واجتماعيا في الموضوع.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19819

العدد 19819

الخميس 10 جويلية 2025
العدد 19818

العدد 19818

الأربعاء 09 جويلية 2025
العدد 19817

العدد 19817

الثلاثاء 08 جويلية 2025
العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025