يصوم الجزائريون، للسنة الثانية على التوالي في ظروف صعبة بسبب استمرار تفشي وباء كورونا العالمي، تفرض المزيد من الحيطة والحذر، وعدم الاستهتار بتعليمات وتدابير اللجنتين العلمية، والدينية، التي تصب في صالح حفظ الصحة العامة، وهي مسؤولية يتقاسمها الجميع لمنع تفشي الوباء، وقطع الطريق على كل من يحاول جعل رمضان شهر «إبادة» وليس «عبادة»، لجرّ الجزائر لمستنقع الفوضى عن طريق كسر النظام العام.
تختلف ظروف صيام الجزائريين، هذا العام، عن السنة الماضية، فقد زال الكثير من التوتر والرعب الذي صادف السنة الأولى من تفشي فيروس كورونا، بسبب الارتفاع الكبير لعدد الإصابات، مقابل إمكانيات بسيطة للمواجهة، وانعدام لقاح يكبح توسع إنتشار الوباء أو يقضي عليه، وهذا لم يعد يشكل هاجسا هذا العام لدى الكثيرين، بعد اكتشاف مخابر دولية عدة أنواع من اللقاحات المضادة للفيروس، حرصت السلطات العمومية على استيرادها وتوفيرها محليا وإطلاق عمليات تلقيح واسعة شملت في بداية الأمر الكبار في السن، وأفراد السلك الطبي، ثم باقي الفئات عبر مراحل متعددة، وهو ما أعاد نوعا من الطمأنينة للنفوس، زادته تراجع عدد الإصابات إلى ما دون المائة، أوتتجاوزها بقليل أحيانا.
ولكن بالرغم من بروز مؤشرات إيجابية عن استقرار الوضع الوبائي في الجزائر، إلا اللجنة الوزارية للفتوى، واللجنة الوطنية العلمية لرصد ومتابعة تطور انتشار فيروس كورونا، بالرغم من السماح بأداء صلاة التراويح في بعض المساجد، تضعان احترام الإجراءات الوقائية في كل المواقع والمرافق المشتركة والفضاءات العمومية، أهم شرط، لحفظ صحة وسلامة جميع أفراد المجتمع، ومسعى لتجاوز هذه الجائحة والتخلص منها في أقرب الآجال.
وواجهت إجراءات ضبط أداء الصلوات في الشهر الفضيل، دعوات لكسرها، والإخلال بالنظام العام، وصفها وزير الشؤون الدينية في تصريح إعلامي بـ»الدعوات الشيطانية»، وحذر الجزائريين من الانسياق وراءها، لأن هناك مثلما قال «من يريد التشويش على العمل المسجدي وإذا انكسر هذا الانضباط في المسجد فسوف ينكسر في جميع أماكن التجمعات كالحافلات وفي السوق وفي الشارع وسنعود إلى الأرقام الكبيرة، على غرار ما حدث في بعض الدول التي عادت فيها مؤشرات الوباء إلى الارتفاع بعد التخلي عن إجراءات التباعد الاجتماعي».
وعليه مطلوب من كل مواطن التحلي بالمزيد من اليقظة والحذر، وعدم الانصياع لدعوات كسر تعليمات احترام الوقاية حتى لا «تنسف» المجهودات المبذولة من طرف السلك الطبي والمختصين كل في موقعه من أجل تقييد حركة انتشار الفيروس والقضاء عليه.
ولعل الحذر مطلوب أكثر في هذا الشهر الفضيل، لأنّ العديد من الولايات تخلصت من الحجر الصحي الجزئي بعد تحسّن الوضعية الوبائية فيها وعدم تسجيل أيّ حالات إصابة جديدة، فمن مجموع 58 ولاية، 9 ولايات فقط، يسري قرار الحجر عليها، وإن كان هذا القرار يطمئن، بقرب زوال الوباء، لكنه في نفس الوقت، يرفع درجة المسؤولية للحفاظ على استقرار الوضعية الوبائية والعمل على التخلص من الوباء، بالسلوكيات المساعدة على ذلك.
وتصر وزارة الشؤون الدينية، على ضرورة اتباع كل البروتوكولات الصحية المصاحبة لفتح المساجد، والالتزام الصارم بتطبيق الإجراءات الوقائية، لاسيما استعمال الأقنعة الواقية، وتعقيم اليدين قبل الدخول إلى المسجد، وتجنب المصافحة، ووضع الحذاء في كيس خاص، واستعمال السجادات والمصاحف الخاصة، وضرورة الخروج من المسجد فور الانتهاء من الصلاة، مع تجنب التجمع والتزاحم عند الدخول والخروج.
كما قررت منع تشغيل المكيفات والمراوح ومبردات المياه، واستعمال أواني الشرب المشتركة، وإحضار الأطعمة إلى المساجد خاصة عند أذان المغرب.
في حين، وضعت شروطا صارمة، تضبط عملية فتح وغلق المساجد، المعنية بالصلوات الخمسة، وصلاة التروايح، حيث حددت مدة وقتها 30 دقيقة، على أن تفتح المساجد لصلة العشاء قبل الأذان بـ15 دقيقة، وتغلق بعد أداء صلاة التراويح بـ15 دقيقة، وتؤدى صلاة العشاء بعد الأذان مباشرة.
ويلزم الأئمة بتخفيف صلاة التراويح بأدائها بحزب واحد، والمصلين باحترام التباعد الجسدي بترك مسافة 1.5م بين كل مصليين اثنين.
كما يمنع تأدية صلاة التراويح في الطرق المتصلة بالمساجد حفاظا على النظام العام، لكنه يمكن الاستفادة من المرافق وساحات المساجد لاستيعاب أعداد المصلين في ظل احترام الإجراءات الوقائية الصحية المطلوبة.
وستكون هذه أول تجربة صلاة التراويح في عصر كوفيد مثلما كانت تجربة صلاة الجمعة، لذلك يجب التحلي بالحيطة والحذر لأن فيروس كورونا والسلالات المتحورة مازالت تحصد الأرواح والضحايا وأرقام الإصابات تتأرجح بين الزيادة والنقصان.