أعطى خيار الاستئناف الحذر للرحلات الجوّية لما يقارب الشهر نظرة واضحة حول تأثير عودتها على الوضع الوبائي، حيث جنّب الفتح بتدابير احترازية وإجراءات وقائية صارمة الجزائر التأزم.
أدت إجراءات الحجر الصحي واختبار كوفيد-19 إلى تضييق دائرة الإصابات وسط العائدين إلى ارض الوطن، مبعدا بذلك شبح العودة إلى الغلق مثلما حدث في الدول التي اختارت الفتح المطلق، فقد تم تسجيل إصابة واحدة فقط بين 10 آلاف عائد إلى أرض الوطن.
بالرغم من التخوف الكبير من بعض المختصين بعد استئناف الرحلات الجوية، يوم 1 جويلية الجاري، لم تشكل هذه الخطوة فارقا في الوضعية الوبائية فقد حافظت على استقرار منحنى الإصابات الجديدة لتقارب 400 في 24 ساعة، حيث جاء هذا القرار بعد إعطاء اللجنة العلمية لمتابعة ورصد انتشار كوفيد-19 الضوء الأخضر لاستئناف الرحلات الجوّية بعد ما يزيد عن السنة من الغلق.
ووضعت هذه الخطوة نقطة النهاية لمعاناة حقيقية عاشتها الجالية الجزائرية في مختلف دول العالم، تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي من خلال صور وفيديوهات لأشخاص وجدوا أنفسهم عالقين ومُرغمين على البقاء في دولة أجنبية بسبب التعليق المفاجئ للرحلات الجوّية وغلق الحدود البرّية شهر مارس 2020، حتى وصل ببعضهم إلى المبيت في العراء، بينما نام آخرون في المطارات خوفا من وضعهم في خانة «المقيمين غير الشرعيين» بسبب انتهاء مدة الإقامة.
وكان شعار»افتحوا الحدود» عنوانا لمعاناة رعايا جزائريين أجبرتهم التدابير الاحترازية المتعلقة بفيروس كورونا على البقاء خارج أرض الوطن، وبين من سافر بحثا عن علاج أو سياحة أو دراسة أو اقتصاد كان الوصف واحدا «عالقون» بإحدى الدول، فلا هُم يملكون الإقامة للبقاء هناك ولا المال الكافي لتسيير أمور حياتهم، ولا النفس الطويل لتحمل البعد عن العائلة والوطن.
وبغية وضع حد لتلك المعاناة وتخفيف الأعباء المالية المرتبطة برحلات العودة إلى الجزائر، أمر رئيس الجمهورية بتخفيض مصاريف الإيواء بنسبة عشرين بالمائة للجزائريين العائدين إلى أرض الوطن مع إعفاء الطلبة والمسنين ذوي الدخل الضعيف من دفع هذه التكاليف.
في ذات السياق، وتبعا لذلك خفضت الخطوط الجوية الجزائرية تكلفة الحجر الصحي المقرر للجزائريين العائدين إلى أرض الوطن، ابتداء من أول رحلة في 1 جوان إلى 33 ألف دج لكل مسافر، فيما تم إعفاء الطلبة والمسنون من ذوي الدخل الضعيف من دفعها.
وتغطي هذه المصاريف تكاليف النقل نحو مكان الحجر والإيواء لمدة 5 ليالي (إقامة كاملة)، بالإضافة إلى اختبار كوفيد-19 يجرى مع نهاية الحجر، كما يشمل الإعفاء من تكاليف الحجر أيضا حدود طفلين أقل من 12 سنة لكل عائلة.
تكييف الحجر وفقا لتطوّر الوضع
ما يؤكد عدم تأثير استئناف الرّحلات الجوّية على الوضع الوبائي تسجيل إصابة واحدة بكوفيد-19 من بين 10 آلاف مسافر عائد إلى الجزائر بحسب ما أعلنه مدير معهد باستور الجزائر فوزي درار، حيث تم عزل الحالة المصابة وتطويق الوضعية بسرعة منعا لانتقال العدوى، ما رجّح إعادة النظر في مدّة الحجر الصّحي للمسافرين العائدين من خلال تكييفه بحسب الوضعية الوبائية، التضييق عند ارتفاع حالات الإصابة والتخفيف عند انخفاضها.
وجاء الاستئناف مغايرا تماما للتجربة التي عاشتها الجزائر، شهر مارس 2020، أين اتخذت قرار الغلق خوفا من انتشار الوباء المجهول في الجزائر، لكن وبعد 15 شهرا من الغلق اتخذت السلطات المعنية قرار الاستئناف، لكن بعد استشارة اللّجنة العلمية لمتابعة ورصد انتشار الوباء، على الرغم من ارتفاع عدد الإصابات الجديدة التي ارتفعت من 87 إصابة إلى 387 إصابة في 24 ساعة.
ولعلّ فرض إجراء ثلاثة اختبارات كوفيد-19، الأول قبل الدخول أرض الوطن بـ36 ساعة، وثاني عند وصولهم أرض الوطن، وثالث عند انتهاء مدة الحجر الصّحي التي حدّدت بخمسة أيام، ساهم في تضييق رقعة انتشار الوباء ومنع تأثير عودة الرحلات الجوية سلبا على الوضعية الوبائية، أو وضع اللجنة العلمية لمتابعة ورصد انتشار كوفيد-19 أمام مراجعة قرار استئناف الرحلات الجوّية.
لتكون الخطوة بذلك معاكسة لما فعلته بعض دول الجوار كتونس ودول أوروبية أخذت قرار الفتح الكلي ورفع الحجر الصحي والمنزلي، ما انعكس سلبا على وضعيتها الوبائية وجعلها تعيش موجات لكوفيد-19 أكثر شدة وفتكا خاصة مع ظهور السلالات المتحوّرة: بريطانية وهندية وبرازيلية ونيجيرية، حوّلت الفتح إلى غلق أعاد إلى الكثير من الدول الصور المرعبة التي شهدتها ايطاليا العام الماضي والهند في الفترة الأخيرة.
من أجل موسم اصطياف آمن
المقارنة البسيطة بين الإجراءات المتخذة من طرف الجزائر اتجاه الوباء مع القرارات المتخذة في دول أخرى يرجّح اختيار الفتح والاستئناف الحذر للرحلات الجوّية، لأنه الخيار الذي يسمح بعودة العالقين والمغتربين إلى أرض الوطن مع تقييد العودة بتدابير احترازية وإجراءات وقائية للحفاظ على استقرار الوضع الوبائي.
في سياق متصل، يراهن المتتبعون للوضع الوبائي في الجزائر على التقيد بالإجراءات الوبائية من أجل موسم اصطياف آمن، خاصة أن الكثير من المواطنين يعوّلون على تعويض ما فاتهم الصيف الماضي والذي عرف غلقا شاملا للفضاءات السياحية من فنادق وشواطئ وغابات، مع تعليق حركة وسائل النقل ما بين الولايات ما حدّ من تنقلات المواطنين.