تقديم مشاريع قوانين جديدة تخدم آفاق اقتصاد الجزائر الجديدة
يَعتبر الدكتور “نور الدين جوادي”، أستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة الوادي، وباحث منتدب بجامعة نانتشانغ بالصين الشعبية، أداء المجلس الشعبي الوطني الجديد مرهون بالعبء الاقتصادي الثقيل بالنظر للملفات المفتوحة المتعددة والعميقة، كما أن تقييم فعله التنموي مرتبط بحجم وعمق دائرة “الاستشارة العلمية والمهنية”.
- «الشعب”: شهدت الجزائر منذ أيام تنظيم انتخابات تشريعية ضمن خطوات بناء المؤسسات الدستورية، كيف ترون انعكاس هذا المسار السياسي على الوضع الاقتصادي؟
نور الدين جوادي: نعم، شهدت الجزائر تنظيم انتخابات تشريعية مصيرية، وتُشكّل هذه الخطوة مفصلا رئيسيا في عملية بناء اقتصاد الجزائر الجديدة، فلا يمكن الكلام عن مشروع للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي للبلاد دون استقرار سياسي، هذا الأخير لا يمكن أن يتجسد إلا ببناء مؤسسات الدولة، والتي على رأسها “المجلس الشعبي الوطني”، سيما وأنه مؤسسة تضطلع بثلاث مهمات إستراتيجية في البناء الاقتصادي للدولة، وهي التشريع الاقتصادي، الرقابة على السياسة الاقتصادية، والتمثيل الشعبي برفع القضايا التنموية الكبرى. ناهيك أنه في المقابل، العبء الاقتصادي ضخم للفراغ المؤسساتي واللااستقرار السياسي والذي يلامس 17 مليار دولار للعام الواحد، فباستحضار المأساة الجزائرية تسعينيات القرن الماضي يتأكد ذلك، فالعام 1990 أي بعد عام واحد بعد الفراغ السياسي الذي دخلت فيه البلاد تراجع معدل النمو السنوي إلى حدود (-1.2%) مقارنة بأكثر من (4.4% ) العام 1989، كما أن الناتج الإجمالي تراجع من حدود 62 مليار دولار إلى أقل من 45 مليار دولار.
- هل سيكون للبرلمان الجديد دور ايجابي في مسايرة القطاعات الاقتصادية الرازحة تحت وطأة سوء التقدير حينا، وسوء التسيير حينا آخر؟
ميدانيا، يَنتظر “المجلس الشعبي الوطني” الراهن عبء تنموي ثقيل، فالملفات الاقتصادية المفتوحة متعددة وعميقة، ورغم ذلك يمكن القول أن تقييم فعله التنموي مرهون بحجم وعمق دائرة “الاستشارة العلمية والمهنية” التي نأمل أن يبادر بها النواب على مستواهم الفردي، أو الحزبي كمجموعات، أو على مستوى لجان البرلمان كهيئات متخصصة أو غيره، وهي الاستشارة التي يجب أن تكون حاضرة في كل جزئيات القضايا المطروحة، من خلال الانفتاح الواسع على الهيئات البحثية ومراكز الدراسات المتخصصة، والتواصل الدائم مع الكفاءات العلمية، والاحتكاك المباشر مع ذوي الخبرات المهنية، والتشاركية مع هيئات المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين. وهو ما يمنح النواب و«المجلس الشعبي الوطني” أداء كفء في تقييم المناخ الاقتصادي للبلاد، وطرح تعديلات للتشريعات سارية المفعول، بقدر ما يمكنهم من تقديم مشاريع لقوانين جديدة تخدم آفاق اقتصاد الجزائر الجديدة.
- يرتقب أن تنبثق حكومة جديدة بحسب دستور نوفمبر 2020، هل ستكون بمثابة انطلاقة تنموية جادّة في رأيكم، وماذا تقترحون؟
بغض النظر عن طبيعة الجهاز التنفيذي الذي سينبثق عن “المجلس الشعبي الوطني” الراهن، والذي قد يتخذ منحيين بحسب دستور نوفمبر 2020، فإن جودة الأداء الاقتصادي للحكومة القادمة مرهون بمدى إشراك أعمق للكفاءات الوطنية فيها، وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة التفرقة بين حاملي الشهادات الجامعية وبين الكفاءات العلمية، فهنالك فرق بين “الوعي العلمي” كمستوى ثقافي و«الشهادة الجامعية” كمستوى دراسي، وبين “الكفاءة العلمية” كممارسة بحثية و«الكفاءة السياسية” كممارسة ميدانية، وبين “الخبرة الأكاديمية” كفعل مكتسب و«الخبرة في التسيير” كضرورة في إدارة مرافق الدولة ومؤسساتها، وهذه المقاربة يجب على الحكومة القادمة استيعابها جيداً للتمكن من صياغة رؤية دقيقة لمشاركة الكفاءات والخبرات الجزائرية في المرحلة القادمة.
- ماذا عن دور الشباب؟
يجب التأكيد على أن مفهوم “الشباب” في قاموس التنمية لا ينحصر ضمن وجهة النظر البيولوجية، أي السن بين 18 إلى 40 سنة، فمفهوم “التشبيب” يجب أن ينظر إليه من الناحية السيكولوجية، الوظيفية والأدائية بغض النظر عن العمر، وبكونه المرحلة التي يكتمل فيها نضج الفرد عضوياً وعقلياً ونفسياً، ويكون فيها واعياً وقادرًا على تحمله مسؤوليته والقيام ببعض الالتزامات تجاه المجتمع الذي يعيش فيه، وتسيير المهام الموكلة إليه بأمانة واحترافية، ومشروع اقتصاد الجزائر الجديدة بحاجة إلى أفكار شابة أكثر من حاجته إلى فئات شابة.
- ديناميكية التغيير الديمقراطي من المؤكد لها آثار إيجابية متعددة الأوجه، كيف تستشرفون الجانب الاقتصادي والتنموي؟
أعتقد أن تقييم الأداء التنموي للمجلس الشعبي الوطني لا يجب أن يُنظر إليه من الزاوية الضيقة من خلال أداء النواب فقط، فالفعل التنموي فعل فسيفسائي يتحمل الجميع جزءًا من المسؤولية فيه، وقد يكون فشل أي طرف ليس لضعف أداءه ولكن بسبب تراخي أداء طرف آخر ذو علاقة مباشرة أو غير مباشرة، وعليه فالدعوة عامة للجميع للمشاركة بقوة في بناء الجزائر الجديدة كل بحسب موقعه وقدرته، والوقوف كسند لبقية الأطراف، ووضع المصلحة العليا للوطن قبل أي مصالح أخرى مهما كان نوعها أو بعدها.
ومن هذا المنطلق الجميع مدعو لمرافقة النواب الجدد كل بحسب موقعه وقدرته، خاصة الكفاءات العلمية والمهنية وفعاليات المجتمع المدني وذلك من خلال تزويد أولئك النواب بالمشورات العلمية، والتوجيهات المهنية، والخبرات الميدانية، لتعزيز دورهم التشريعي والرقابي والتمثيلي خدمة للوطن والمواطن.