المخزن المغربـي يخصـص أموالا ضخمة لإنتـاج محتـوى مُضـلّل وكـاذب
مكاوي لـ “الشعب”: تلاعب بمحركات البحث عبر نشر عناويــن خادعة ومقالات مضللة
تتعرّض الجزائر منذ مدة، إلى حملة من الهجمات السيبرانية والأخبار المضلّلة، تستهدف بشكل ممنهج استقرارها الداخلي وسمعتها على الساحة الدولية، حيث تؤكّد العديد من التقارير وتصريحات المسؤولين، وعلى رأسهم وزير الاتصال محمد مزيان، أنّ البلاد تتعرّض بشكل يومي لمحاولات تضليل واسعة النطاق، تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتجنّد آلاف الصّحفيين في “الغرف المظلمة”، من أجل التلاعب بالرأي العام وتشويه صورة الجزائر.
الهجمات التي تتعرّض لها الجزائر ليست عشوائية، بل تندرج ضمن ما يعرف في الأدبيات السياسية والإعلامية بـ “الفوضى الخلاقة”، حيث يسعى المتآمرون إلى زعزعة الاستقرار الداخلي من خلال نشر أخبار كاذبة وتشتيت انتباه الجمهور عن القضايا الجوهرية.
وفي هذا السياق، يوضّح الدكتور مكاوي سمير، الخبير في الدراسات الأمنية في تصريح لـ “الشّعب”، أنّ الأطراف المتورّطة في هذه الحرب الإعلامية معروفة، وعلى رأسها النظام المخزني المغربي الذي يكرّس إمكانات ضخمة لإنتاج محتوى مضلّل يستهدف الدولة الجزائرية ومؤسّساتها.
وتتم هذه العمليات عبر آلاف المواقع الإلكترونية التي أُنشئت خصّيصًا لنشر أخبار مزيفة، فضلاً عن الحملات المنظمة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تستهدف وعي الجزائريّين عبر تقنيات متطورة.
ويرى مكاوي أن هذه ليست مجرّد حملات تضليلية عادية، بل هي حرب إعلامية شاملة، تستخدم فيها تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والتلاعب بمحرّكات البحث عبر نشر عناوين خادعة ومقالات مضلّلة يتم الترويج لها على نطاق واسع.
ولا يقتصر الأمر على الجهات الإقليمية فقط، بل يشير إلى دور فرنسي، في دعم هذه الحرب الإعلامية، خاصة من خلال بعض المؤسسات الإعلامية التي تدّعي الموضوعية والمصداقية، لكنها في الواقع تروّج لمحتوى مغلوط حول قضايا سياسية حساسة، مثل العلاقات الجزائرية السورية.
التلاعب بمحرّكات البحث
أحد أخطر الأساليب التي تعتمدها هذه الحرب الإعلامية هو التلاعب بمحرّكات البحث العالمية، مثل “جوجل” و«ياهو”، حيث يتم إنشاء مئات المواقع ونشر أخبار مضلّلة يتم فهرستها باستخدام تقنيات متقدمة تتجاوز أدوات الرقابة. وتعتمد هذه المواقع على كلمات مفتاحية مدروسة تظهر للمستخدم الجزائري عند بحثه عن مواضيع سياسية أو أمنية حساسة، ما يجعل من الصعب التمييز بين المعلومات الصحيحة والمزيّفة.
وتشير الدرّاسات إلى أنّ هذه العمليات تُنفّذ بأساليب احتيالية تُمكن الأخبار المضلّلة من احتلال مراتب متقدمة في نتائج البحث، ما يُسهم في توجيه الرأي العام نحو تصوّرات خاطئة ومشوهة عن الواقع. وهذا ما يجعل الصّحافة الجزائرية والمؤسسات الإعلامية المحلية أمام تحدٍّ كبير لمجابهة هذا المد التضليلي وإبراز الحقيقة للرأي العام.
وفي هذا السياق، يؤكّد د.مكاوي أنّ التصدي لهذه العمليات يتطلّب إستراتيجية شاملة، تقوم على عدة مستويات، منها تعزيز التوعية الإعلامية، مع اضطلاع وسائل الإعلام الوطنية بدور محوري في كشف أساليب التضليل، من خلال إنتاج محتوى تحليلي يفضح هذه المخطّطات ويوضح كيفية التلاعب بالمعلومات، كذلك حجب المواقع المضلّلة وفرض رقابة إلكترونية صارمة عبر حظر عناوين IP الخاصة بالمواقع التي تُستخدم لنشر الأكاذيب، والعمل على إيقاف انتشارها داخل الجزائر، كذلك تعزيز المحتوى الإعلامي المضاد وعدم ترك الساحة فارغة أمام هذه الحملات المضللة، بل يجب تكثيف الجهود لإنتاج محتوى إعلامي جزائري قوي يعتمد على المعلومات الدقيقة والمصادر الموثوقة، ما يُسهم في تحصين الجمهور ضد الأخبار المزيفة.
وفي ظل هذه التحديات، بات الأمن الإعلامي يشكل ركيزة أساسية في منظومة الأمن القومي الجزائري، حيث أصبح من الضروري إدماج استراتيجيات مكافحة التضليل الإعلامي ضمن الخطط الوطنية لحماية البلاد من التدخلات الخارجية. فالرهان لم يعد مقتصرًا على المواجهة التقليدية، بل أصبح يشمل معركة سيبرانية وإعلامية معقدة، تستدعي تطوير الأدوات الدفاعية وتعزيز الوعي الجماعي بمخاطر الحروب السيبرانية.
كما أنّ معركة الجزائر ضد التضليل الإعلامي ليست مجرّد مواجهة إعلامية، بل هي صراع استراتيجي يهدف إلى حماية السيادة الوطنية ودرء المخاطر التي تهدّد استقرارها الداخلي. لذا، فإنّ نجاح هذه المواجهة يتطلّب تضافر الجهود بين الدولة والإعلام والمجتمع المدني، لضمان بناء حصانة وطنية قوية ضدّ الهجمات السيبرانية التي تستهدف الجزائر ومؤسساتها.