عربدة داخلية وخرق سافر للقانون الدولي

فرنسا أصبحت نهبا للعنصريــة واليمين المتطرّف !

علـي عويـش

زيارة المسمــــــاة داتي للصحراء الغربية المحتلّة ترسّخ «التحالف الاستعمــاري»

لم يعد خفياً على أحدٍ أنّ فرنسا، اليوم، تعيش تحت قبضة اليمين المتطرّف الذي لا يُلقي بالاً لحقوق الإنسان، ولا يكترث للقضاء الفرنسي، فضلاً عن استهتاره الأعمى بالقانون الدولي ومبادئ حسن الجوار.

هذا التوجّه السياسي الأرعن، لا يُمارس في الداخل الفرنسي فقط، ولم يتوقّف ضحاياه عند السترات الصفراء فحسب، بل تعدّاه برأي مراقبين، ليطال المهاجرين وخاصّةً الجزائريين منهم الذين يتعرّضون لأبشع أشكال العنصرية والتضييق، والأدهى والأمرّ من كلّ ذلك، امتداد تبعات هذه العربدة لتشمل سياسات خارجية قائمة على افتعال الأزمات والتدخّل السافر في قضايا الدول ومساندة الاستعمار الجديد في وضح النهار.
لم يعد هناك أدنى شك بأنّ التيار اليميني المتطرّف الذي وضع قدما داخل الحكومة الفرنسية، وبات يسيطر على جزء كبير من القرار الرسمي، يُكنُّ عداءً دفيناً للجزائر، وهو العداء الذي لم ينقطع منذ نيل الجزائر لاستقلالها عام 1962، فأمام كلّ فرصة مواتية، يُسارع الساسة الفرنسيون، سواء من أتباع هذا التيّار المتطرّف أو ممّن يسبحون في فلكهم، إلى افتعال الأزمات مع الجزائر والتكالب على رموزها، سيادتها، وحدتها وأمنها، سواء عبر تصريحات استفزازية تمسّ تاريخها النضالي، أو عبر أكشاك إعلامية تبثُّ سمومها وتحاول نشر الشك بين الشعب الجزائري وقيادته.
إنّ هؤلاء السياسيين الذين يختبؤون خلف قيم الديمقراطية المزيّفة وهم في الحقيقة أتباع لليمين المتطرّف، يمارسون ازدواجية مفضوحة، ففي الوقت الذي يُطالبون فيه المهاجرين بالاندماج، يتفنّنون في ممارسة كلّ أشكال العنصرية والإقصاء ويصوّرونهم كعبء على المجتمع الفرنسي وقيم الجمهورية.
فرنسا التي تدّعي زوراً وبهتاناً أنّها حامية الديمقراطية وحقوق الإنسان، تُثبت للعالم أنّها لا تتوانى عن دهس القانون الدولي عندما يتعلّق الأمر بمصالحها الاستعمارية، وهنا، تقفز إلى ذهن كلّ عاقل العديد من التناقضات التي لا يتقبّلها العقل، فكيف يمكن لدولة عضو دائم في مجلس الأمن، ومسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين أن تنتهك علناً قرارات الأمم المتحدة والمواثيق الدولية بخصوص الصحراء الغربية؟.
 إنّ هذا السلوك الفرنسي الذي أدانته الجزائر، يُمثّل بلا أدنى شك إهانة مباشرة للمؤسّسات الدولية وتهديداً حقيقياً لاستقرار المنطقة، تصطفّ باريس علانيةً إلى جانب الاحتلال المغربي ضدّ حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، في خيانةٍ واضحةٍ لمبادئ الشرعية الدولية، وهي ترسيخٌ للأمر الواقع المغربي في الصحراء الغربية.
لقد بات واضحاً وفق متابعين، أنّ اليمين المتطرّف وأنصاره داخل الحكومة، لا يحترم إلا لغة المصالح والضغط، فهو لا يعبأ بالقانون الدولي إلا عندما يخدم أجندته، وها هو يورط الدولة الفرنسية بحيث أًصبحت في موضع من ينقلب القانون الدولي عندما يتعارض مع مطامعها المرتبطة بالاستعمار.
 وما زيارة وزيرة الثقافة في الحكومة الفرنسية، المسماة رشيدة داتي، إلى الأراضي الصحراوية المحتلة إلا صورة مقيتة للتضامن والتعاضد بين القوى الاستعمارية، قديمها وحديثها، وهي أفعال يمكن قياسها على موقفها من القضية الفلسطينية، حيث تتشدّق بشعارات حقوق الإنسان، لكنّها تدعم الاحتلال الصهيوني بلا خجل.
إنّ زيارة المسماة داتي، المعتدلة انتماءً، المتطرّفة فعلاً، إلى الأراضي الصحراوية المحتلة ليست مجرّد حدث دبلوماسي عابر، بل هي دليل قاطع على أنّ فرنسا اليمينية، تبنّت بشكل فاضح سياسة استعمارية جديدة، سواء في تعاملها مع الجزائر والجزائريين، أو في دعمها للاحتلال، أو في اضطهادها للمهاجرين داخل حدودها.
هذه الزيارة الخسيسة والنجسة، وإن كانت لوزيرة فرنسية من أصول مغربية، فإنّها رسالة واضحة على أنّ فرنسا قد نأت بنفسها عن جهود الأمم المتحدة الرامية إلى التعجيل بتسوية النزاع في الصحراء الغربية على أساس الاحترام الصارم والصادق للشرعية الدولية. وأمام هذه العربدة الفرنسية، يكون الوقت قد حان كي تتصدّى الدول الحرّة لهذا النهج الاستعماري الجديد، بعد أن ثبت زيف الشعارات الفرنسية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، ففرنسا اليوم لم تعد رمزاً للحرية، بل نموذجاً للرياء السياسي والازدواجية الأخلاقية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19763

العدد 19763

الأحد 04 ماي 2025
العدد 19762

العدد 19762

السبت 03 ماي 2025
العدد 19761

العدد 19761

الأربعاء 30 أفريل 2025
العدد 19760

العدد 19760

الثلاثاء 29 أفريل 2025