الجزائر انتصرت على الإرهاب وخذلت أذنابه

مقاربة متجذرة وتجربة رائدة ترفض المزايدة

علي مجالدي

في عالم مضطرب تتفاقم فيه التهديدات الأمنية العابرة للحدود، وتتعقّد فيه الخريطة الجيوسياسية بفعل تنامي أنشطة جماعات مسلحة وتنظيمات إرهابية، تبرز الجزائر كواحدة من الدول القليلة في العالم التي استطاعت أن تطوّر مقاربة شاملة وفعالة في التصدي لآفة الإرهاب، ليس دفاعًا عن كيانها الوطني فقط، بل أيضًا إسهامًا في الأمن الإقليمي والدولي على حد سواء.

 تأتي تصريحات الفريق أول السعيد شنقريحة، الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، خلال إشرافه على افتتاح ملتقى دولي بالجزائر حول «جيوسياسية الإرهاب في ظل التحولات العالمية الجديدة»، لتعكس هذه الحقيقة وتؤكد، مرة أخرى، أن الجزائر لا تقبل المزايدة على تجربتها أو التشكيك في عمق خبرتها في هذا المجال.
في هذا السياق، شدد الفريق أول شنقريحة على أن الجزائر كانت من الدول السبّاقة لاستشعار خطورة الظاهرة الإرهابية، وأنها واجهتها في أحلك الظروف، حينما كانت أطراف عديدة، إقليمية ودولية معروفة، تتعامل مع الظاهرة إما بتردد أو تواطؤ أو تجاهل.
وأوضح الفريق أول شنقريحة، أن التفاف الشعب الجزائري حول مؤسسات دولته، وفي مقدمتها الجيش الوطني الشعبي، كان العامل الحاسم في إفشال المخططات الإرهابية التي هدفت إلى تفكيك الدولة وزرع الفتنة والدمار، وهو ما أعطى للجزائر مكانة خاصة ضمن الدول القليلة التي انتصرت على الإرهاب بوسائلها الذاتية، دون الاستنجاد بقوات أجنبية أو التورط في تبعيات أمنية خارجية.
علاوة على ذلك، فإن تصريحات الفريق أول شنقريحة، تكتسي أهمية استراتيجية، من حيث مضمونها، وأيضا من حيث السياق الإقليمي الذي يتسم بمحاولات عدائية تستهدف الإساءة لصورة الجزائر، عبر الدعاية المغرضة من خلال «ذباب» وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما كان قد عبر عنه بالدعوة إلى مجابهة هذه الحملات التي تحركها جهات معروفة.
مكانة الجزائر الدولية في مكافحة الإرهاب، صنعتها التضحيات الجسام للجزائريين، ومصداقية الدولة في كونها السباقة إلى تحذير العالم من خطر الآفة التي لا تعترف بالحدود أو بالعرق أو بالدين، ما جعلها فاعلا عالميا تطلب خبرته في مواجهة تصاعد الخطر الإرهابي في مختلف مناطق العالم. وكان الفريق أول السعيد شنقريحة، حاسما، عندما قال في كلمته خلال إشرافه على افتتاح الملتقى، إن «الجزائر لن يزايد عليها أحد في خبرتها في مكافحة الإرهاب، في إطار قوانين الجمهورية، فهي التي اكتوت بناره قبل الجميع، وهي التي أعلنت الحرب حين كان الشك والتردد والتواطؤ يملأ كثيرا من المشاهد السياسية والإعلامية والإقليمية والدولية». ومن هذا المنطلق، لا يمكن لأي آلة دعائية أن تخدش دور الجزائر في محاربة الظاهرة، مهما تعددت المحاولات، ولعل من بينها تطاول الطغمة الانقلابية في مالي، التي تصنع الفشل في هذا البلد المجاور منذ استيلائها على الحكم بالبنادق، وعجزت عن تحقيق أي تقدم في محاربة الجماعات الإرهابية، رغم استعانتها بالمرتزقة الأجانب.  والتزمت هذه الزمرة غير الدستورية، الصمت عندما أدركت أن الحقائق الموثقة تفضحها، بخصوص حادثة إسقاط الطائرة المسيرة، حيث أقدمت على مغامرات متكررة عززت القناعات بأن أجندتها تتجاوز مكافحة الإرهاب إلى زعزعة الاستقرار، بدليل أنها لم تنسق مع لجنة رؤساء الأركان العملياتية المشتركة لدول الساحل (CEMOC)، التي أُنشئت في تمنراست سنة 2010، وتحتضن الجزائر مقرها وعملت دائما على تنسيق الجهود العملياتية والأمنية لمكافحة الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.
وإلى جانب الجهود العملياتية في مكافحة الظاهرة الإرهابية، تولت الجزائر دورا إقليميا في تطويق النشاط الإرهابي، من خلال تأمين حدودها، والتصدي لكل محاولات تهريب أو نقل الأسلحة عبر الحدود أو تنفيذ عمليات اختطاف للرعايا الأجانب مقابل الفدية، في وقت استبيحت حدود دول أخرى، وعبرت منها جيوش إرهابية تم تجميعها في الساحل قبل أزيد من عقد من الزمن بهدف لعب ورقة التطويق الاستراتيجي للجزائر.
في سياق متصل، يجدر التذكير بأن الجزائر لعبت دورًا محوريًا في دعم الاستقرار الإقليمي، ليس فقط من خلال العمل الأمني الميداني، بل كذلك عبر الدبلوماسية الوقائية، والوساطة بين الفرقاء في دول الجوار، على غرار جهودها المستمرة لتقريب وجهات النظر في الأزمة المالية، رغم المواقف العدائية الأخيرة للطغمة العسكرية هناك.
 هذه الطغمة التي أوقفت العمل السياسي وحظرت الأحزاب، تواجه حاليًا انتقادات داخلية متزايدة وتراجعًا في شرعيتها غير الموجودة أصلا، مما يجعل تهجمها على الجزائر محاولة للهروب إلى الأمام وتصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الجزائر تحظى باعتراف دولي رفيع في مجال مكافحة الإرهاب، حيث تشغل حاليًا موقعًا مرموقًا في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GCTF)، كما أن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، يتولى مهمة منسق الاتحاد الإفريقي في مكافحة الإرهاب، وهو تكليف يعكس الثقة الكبيرة التي تحظى بها الجزائر من قبل دول القارة الإفريقية والمجتمع الدولي في هذا المجال.
 تجدر الإشارة هنا، إلى أن الجزائر قدّمت، في إطار هذا المنتدى وفي محافل أممية أخرى، مقترحات عملية لبناء مقاربات شاملة لمكافحة الإرهاب، ترتكز على تفكيك بيئته الفكرية والاجتماعية، وليس فقط مطاردته عسكريًا، مما جعل تجربتها محل إشادة متكررة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
كما أن الجزائر لم تكتفِ بالمستوى الوطني والإقليمي في مقاربتها، بل سعت إلى ترسيخ تجربة وقائية شاملة متعددة الأبعاد، تتكامل فيها الأبعاد الأمنية مع التربوية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، حيث تم إنشاء عدة آليات لمحاربة الخطاب المتطرف، وإعادة إدماج التائبين، وتعزيز دور المؤسسة الدينية الوطنية. وقد أظهرت الإحصائيات أن الجزائر، منذ نهاية العشرية السوداء، نجحت في تقليص العمليات الإرهابية إلى مستوى شبه منعدم، مقارنة مع دول الجوار وحتى بعض الدول الأوروبية، حيث سجّلت في السنوات الأخيرة صفر عمليات كبرى داخل المناطق الحضرية، وهو إنجاز أمني نادر في العالم. وفي السياق، فإن تنظيم الجزائر لملتقى دولي حول «جيوسياسية الإرهاب» بمشاركة خبراء وأكاديميين من الداخل والخارج، يعكس الرغبة الجزائرية في الإسهام في إنتاج المعرفة الاستراتيجية حول الظاهرة، وليس فقط التعامل معها كأمر أمني طارئ. وهو ما أكده فريق أول شنقريحة في كلمته عندما أشار إلى ضرورة فهم التحولات العالمية الجديدة وتأثيراتها على خارطة التهديدات، من أجل بناء ردود استراتيجية فعالة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19767

العدد 19767

الخميس 08 ماي 2025
العدد 19766

العدد 19766

الأربعاء 07 ماي 2025
العدد 19765

العدد 19765

الثلاثاء 06 ماي 2025
العدد 19764

العدد 19764

الإثنين 05 ماي 2025