تحويل التكنولوجيـا واستقطاب المزيـد من الاستثمـارات ورؤوس الأمـوال
التعــاون الجزائــري السلوفيني يشهد تمــددا متعــدد الأوجــه والأهــداف
الجزائر..أكبر بلد إفريقــي بفضل طاقاته وإمكاناتـه وانخراطـه في مسار التطـور والازدهــار
يشهد التعاون الجزائري - السلوفيني تمدّدا وزخما متعدّد الأوجه يحدوه حرص وقناعة في توسيع مجالات وأفق الشراكة القائمة، ويتوقّع أن يسمح هذا التوافق بإقامة استثمارات منتجة كبيرة وواعدة، يستفيد منها الطرفان، ويرتقب أن يتسنّى التأسيس لتعاون استراتيجي وتاريخي، سيعمّق من الرؤى الاقتصادية المشتركة القائمة في الوقت الحالي، باعتبار أنّ الإرادة قوية والمسار معبّد، والتوافق والجدية يميّزان علاقات وطيدة تجمع بين بلدين صديقين، يطمحان إلى التبادل والرفع من مستوى الشركات وتوسيع العلاقات الاقتصادية أكثر، في منطقة ذات تنافس شديد.
لأنّ إمكانات وإرادة كلّ من الجزائر وسلوفينيا تشجّع على تحويل الفرص إلى مشاريع، وضخّ القيمة المضافة والتموقع في أسواق إقليمية ودولية تنفتح على جميع أشكال التكتّلات سواء كانت كبيرة أو صغيرة، ثنائية أو رباعية، يتوقّع أن يقفز التنسيق والتعاون إلى أعلى مستوياته وينعكس على المبادلات والاستثمار والتعاون في مجالات البحث العلمي والذكاء الاصطناعي.
يتوسّع حضور الجزائر من خلال تطوير علاقاتها الاقتصادية والتجارية المستمرّ داخل القارة الأوربية، ومازالت تمثل مصدرا طاقويا آمنا ورائدا وينظر إليها أغلبية الشركاء كشريك مثالي ومفضّل في عديد المجالات، خاصة بعد أن برزت الفلاحة كرافد اقتصادي يعوّل عليه في منظومة التصدير، ولقد حقّق القطاع نموّا كبيرا وتوصّل إلى الإكتفاء الذاتي في الخضر والفواكه، إضافة إلى أنّ الجهود المنيرة ستتوّج مستقبلا بوقف لاستيراد القمح، وتتقدّم سلوفينها التي تربطها بالجزائر علاقات صداقة وانسجام في عديد القضايا ذات الاهتمام المشترك في قائمة الأصدقاء المفضّلين، وهذا ما يجعل رهان تعزيز الشراكة الاقتصادية الإستراتجية، يتعمّق، وهو مرشّح ليثمر أكثر بفضل زيارة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لأنّ جميع القراءات تتوقّع أن يقفز التعاون الثنائي إلى مستويات مرنة بشكل يتناسب مع أهداف وطموحات الشريكين.
أهــداف ساميـة..
وبالموازاة مع ذلك، تنظر سلوفينيا إلى أكبر بلد إفريقي بارتياح بفضل طاقاته وإمكاناته وانخراطه في مسار التطور والإزدهار، وهذا ما يجعل هذا المستوى الذي تم بلوغه من التعاون أن يعرف تحوّلا نوعيا للاستثمار في التكنولوجيا المتقدّمة، على غرار الذكاء الاصطناعي وإنتاج الدواء وتحويل الخبرات والحلول التكنولوجيا في القطاع الزراعي، والذي تملك فيه سلوفينيا تجربة ثمينة ومتطورة. ومنذ سنوات ارتسمت ملامح شراكة أساسية بين بلدين يطمحان لتقاسم الأرباح والمنافع وفق مبدأ رابح-رابح، وبرزت علاقة جيدة ونموذجية أرست معها أسسا اقتصادية يعول عليها المستقبل في التنامي وتجسيد أهداف اقتصادية وطاقوية ثنائية، يطمح البلدان لاستغلال فرصهما.
ولعل أبرز ما تشتهر به سلوفينيا، البلد الصديق الذي يتوسّط قارة أوروبا، وتجمعه الحدود من جهة الغرب بإيطاليا، ومن الشمال النمسا، والمجر من الشمال الشرقي، امتلاكها لسلسلة من الموارد الطبيعية أبرزها الغابات، والطاقة الكهرومائية، والفحم، والرصاص، والزنك، علما أنّ الاقتصاد السلوفيني يقوم على الصناعة والخدمات، بالإضافة إلى امتلاكها لقطاع زراعي صغير.
وتزدهر في سلوفينيا مجموعة من الصناعات الرئيسية المتطورة، نذكر منها صناعة السيارات و والإلكترونيات، إلى جانب المنتجات الكيميائية، والأدوية. وأمام الجزائر فرص متعدّدة لتنويع الشراكة وتحويل الخبرات من خلال الانفتاح على الاستثمار في مجال صناعة السيارات لتطوير البنية التحتية في هذا النوع من الصناعة الثقيلة والمتطوّرة، خاصة أنّ تعليمات رئيس الجمهورية جاءت واضحة بخصوص ضرورة تموين السوق الوطنية بسيارات محلية الصنع ورفع نسب الإدماج وتوفير نسيج من مؤسّسات المناولة لتوفير قطع الغيار، كما أنّ الصناعة الإلكترونية يمكن أن تجد موضع قدم لاستثمارات مشتركة بين شركات جزائرية ونظيرتها السلوفينية، وكانت سفيرة دولة سلوفيننيا قد كشفت في تصريح صحفي أنّ سلوفينيا تطمح إلى الانفتاح على السوق الجزائرية، من خلال بناء الشراكات وتعزيز التعاون.
الإقتصاد ركيزة المستقبل..
تطورت العلاقات بين الجزائر وسلوفينيا خلال السنوات الأخيرة، ممّا رفع من حجم الطموح، لأنّ سلوفينيا تحتاج إلى الطاقة الجزائرية، خاصة كون الجزائر ستتحول في المستقبل القريب إلى محور للهدروجين الأخضر في تمويل أوروبا، ويهم الجزائر أن توسّع في ضفة المتوسّط من شركائها، فإلى جانب كل من إيطاليا وألمانيا وإسبانيا، تمثل سلوفينيا بلدا مهما في معادلة الشركاء التي تبنيها الجزائر، وتحرص سلوفينيا على تعزيز التعاون الثنائي في قطاع الطاقة، وترجمت ذلك في سنة 2024 من خلال التوقيع على ملحق الاتفاقية المبرمة في عام 2022، حول توريد الغاز الطبيعي بين كل من “سوناطراك” و«جيوبلين”، وكما انتعشت بوادر التعاون عقب زيارة الوزير الأول السلوفيني روبرت غولوب في شهر ماي 2024 إلى الجزائر، وكان قد اعترف بالمستوى المهم المحقّق في مجال التعاون الثنائي، ووقّع الطرفان جملة من الاتفاقيات بينها اتفاقية تعاون بين الحكومتين حول الإعفاء المتبادل من متطلّبات الحصول على التأشيرة قصيرة المدى لحاملي الجوازات الدبلوماسية، وكذا مذكّرات تفاهم تشمل عدة قطاعات مهمة من بينها الطاقة والبيئة والتعليم العالي والبحث العلمي و الذكاء الاصطناعي، إلى جانب الاتفاق على إنشاء لجنة مختلطة بين البلدين لتحديد مجالات الشراكة وتنمي إرادة التعاون المشتركة والقائمة على علاقات صداقة وانسجام، ويعكسها دعم البلدان لبعضهما من خلال عضويتهما في مجلس الأمن.
البحث.. جوهر التطوّر الإقتصادي
ويمثل التعليم العالي والبحث العلمي أحد المجالات الحيوية المرتقب أن توسّع من حجم التعاون، في ظل امتلاك سلوفينيا لمنظومة تعليم وبحث متطوّرة، ترغب الجزائر أن تقاسمها التجربة المهمة بجامعاتها، التي يتخرّج منها مئات الآلاف سنويا، وعلى اعتبار أنّ الجامعة والبحث العلمي جوهر التطوّر الاقتصادي والتكنولوجي، وينظر البلدان باقتناع أنّ التعاون الاقتصادي الحتمي والمثمر يعد قاعدة متينة تتعزّز بها العلاقات المشتركة، ومن المقرّر أن تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين المزيد من التطوّر خاصة في ضوء الزيارة الرّسمية لرئيس الجمهورية، على صعيد تعزيز إقامة الشراكات المنتجة واستقطاب الاستثمارات السلوفينية وبالمقابل اقتحام المتعاملين الجزائريّين للسوق السلوفينية، وفي ظل وجود اتفاق التعاون الاقتصادي الذي دخل حيّز السريان في مارس 2024، وسيترجم على أرض الواقع باستغلال الفرص الواعدة المتوفّرة وينتظر اقتناصها من طرف المتعاملين الاقتصاديّين في الجزائر وسلوفينيا على حدّ سواء.
حسمت الجزائر في خيار تنويع الشراكات مع العديد من البلدان وماضية في تحقيق ذلك بقيادة رئيس الجمهورية، لأنها بلد كبير ويزخر بمقومات وقدرات جذابة، ومختلف البلدان تتحمّس من أجل تطوير تعاونها، لكن الجزائر بدورها تبحث عن تحويل التكنولوجيا، لأنها ليست مجرّد سوق للسلع، بل تتطلّع لاستقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية في ظل وجود نصوص تشريعية ملائمة وبيئة استثمارية إيجابية.