يواصل اليمين الفرنسي المتطرّف مهاتراته السياسية والدبلوماسية غير محسوبة العواقب في إصرار على استفزاز الجزائر، عبر ممارسات تسيء قبل كل شيء لسمعة فرنسا التي تدّعي أنها مهد الحريات والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، إذ وفي كل مرة تبادر بالتصعيد بقرارات أقل ما يقال عنها إنها لا تحترم الأعراف الدبلوماسية الدولية، ولا حتى القوانين الداخلية الفرنسية، لتكون بذلك هي أول من يخرق قانونها، وبالمقابل تحاول أن تلقي بمسؤولية التصعيد على الجزائر التي تكتفي لحد الآن برد الفعل والمعاملة بالمثل، وحتى في ردودها هذه فإنها تلتزم بالقنوات الدبلوماسية، لتؤكّد أنها تتصرف من منطق دولة لا من منطق أفراد.
يحاول اليمين في فرنسا فرض منطقه «السّاذج»، بمحاولة إصدار أوامر ينتظر من الجزائر أن تنفذها فورا، متناسيا أنه يخاطب دولة ذات سيادة.
وبالعودة إلى القرار الفرنسي الأخير، الصادر بتاريخ 14 ماي 2025، القاضي بإلغاء اتفاق إعفاء الدبلوماسيين من كلا البلدين من التأشيرة بالنسبة لجوازات السفر الدبلوماسية والجوازات لمهمة، فإن القرار لا يعتبر رد فعل على ما تقوم به الجزائر، بل هو مبادرة فرنسية لليمين المتطرّف فرضها التصعيد واختبار صبر الجزائر، التي يعكس سلوكها الالتزام بالأعراف والقوانين الدولية، سواء السياسية أو الدبلوماسية.
تطلب الإعفاء رسميا وتلغيه إعلاميا!!
طلبت فرنسا من الجزائر سنة 2013، إعفاء جوازات السفر الدبلوماسية لدبلوماسيّي البلدين من التأشيرات، وتمّ توقيع الاتفاق القاضي بذلك في ديسمبر 2013، ودخل حيز التنفيذ بتاريخ 4 سبتمبر 2014، عندما أصدر الرئيس الفرنسي، آنذاك، فرانسوا هولاند، مرسومًا يقضي بنشر الاتفاق المبرم بين الحكومة الفرنسية والحكومة الجزائرية حول الإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول للإقامات القصيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية أو جوازات لمهمة، وفق ما جاء في الجريدة الرسمية الفرنسية.
ويرمي الاتّفاق الموقّع بمبادرة فرنسية، إلى تسهيل حركة المسؤولين الرّسميّين بين البلدين، وتعزيز التعاون الثنائي. وجاءت موافقة الجزائر على الاتفاق، بعد محاولات كثيرة وتمسّك فرنسي بالمقترح، ليبدأ العمل بنظام الإعفاء من التأشيرة سنة 2007، ثم وسّع في مرسوم سنة 2013.
هذه بنود مرسوم 2013
ينص المرسوم في مادته الثانية على منح حاملي الجوازات الدبلوماسية والجوازات لمهمة من كلا البلدين، الحق في الدخول إلى أراضي الطرف الآخر دون تأشيرة، بالنسبة للإقامات القصيرة التي لا تتعدى 90 يوما خلال فترة 180 يوما، مع اشتراط التأشيرة، وفق القانون المعمول به، في حال تجاوزت الإقامة المدة المشار إليها.
وتلزم المادة الثالثة من المرسوم الطرفين باحترام القوانين الوطنية والمعاهدات الدولية خلال فترات الإقامة، مع ضرورة تبادل عينات من جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات الخدمة المعتمدة، إضافة إلى تبادل أي تحديثات تطرأ على شكلها أو شروط إصدارها لضمان التطبيق السليم للاتفاق.
ويجيز الاتفاق للبلدين حلّ أيّة نزاعات قد تنشأ عن تطبيق الاتفاق بالطرق الدبلوماسية، بما فيها إدخال تعديلات مستقبلية عليه، وذلك حسب المادة الرابعة من المرسوم.
ورغم أنّ المادة الخامسة من المرسوم تنص صراحة على أنّه يمكن لأي من الطرفين العمل بالاتفاق أو الانسحاب، لكنها اشترطت إشعارا رسميا مسبقا مدّته 90 يوما.
إخلال أحادي الجانب
يذكر أنّ الحكومة الفرنسية لوّحت بإلغاء الاتفاق، شهر فيفري الماضي، وفق تصريحات الوزير الأول فرانسوا بايرو ووزير الخارجية جان نويل بارو، لكن دون نهج القنوات الدبلوماسية، وهو ما يعتبر خرقا للمادة الخامسة من الاتفاق. وقال بايرو في هذا الشأن، إنّ فرنسا أمهلت الجزائر 42 يومًا لمراجعة جميع الاتفاقيات الثنائية.
وعبّرت الخارجية الجزائرية عن استغرابها ودهشتها من الإعلان الذي لم يتم إبلاغها به بأي شكل من الأشكال، مثلما تنص عليه أحكام الاتفاق الجزائري-الفرنسي المتعلق بالإعفاء المتبادل من التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية أو لمهمة. وعزت التصرف الفرنسي غير القانوني -في بيان لها- إلى إصرار وزراء اليمين المتطرف على التصعيد ضد الجزائر في شكل استفزازات متكررة.
وبالطريقة نفسها، كرّرت رؤوس التطرف في فرنسا السلوك غير الدبلوماسي وغير القانوني، عندما نشرت القرار مجدّدا في وسائل الإعلام دون إبلاغ القائم بالأعمال في السفارة الفرنسية بالجزائر، وقد أنكر لدى استدعائه أي علم له بالأمر.
وكانت فرنسا تعرّضت لدبلوماسيّين جزائريّين بالمضايقة، عندما منعت زوجة السفير الجزائري في مالي من دخول التراب الفرنسي، رغم أنّها أظهرت كل الوثائق القانونية التي تتيح لها الدخول، كما أنّها اعتقلت ملحقا دبلوماسيا في السفارة الجزائرية هناك، على طريقة العصابات، ودون احترام أدنى الشروط القانونية والدبلوماسية فيما تعلق بالتعامل مع الدبلوماسيين.
وعلى إثر هذه التّجاوزات الفرنسية التي تضرب عرض الحائط كل القوانين والأعراف الدّبلوماسية، أصدرت الجزائر قرارا يمنع أي سفر ذي طابع سياحي أو شخصي إلى فرنسا للدبلوماسيين وعائلاتهم حتى إشعار آخر، بما في ذلك العبور عبر المطارات الفرنسية، وشدّد القرار على الالتزام والتطبيق الصارم للإجراءات التحفظية.