الخبير فـي الاقتصاديـات الحكوميـة..فارس هباش لـــ “الشعـب”:

الجزائر - إيطاليا.. شراكـة استراتيجيــة بأبعاد اقتصاديــة

فايزة بلعريبي

الطّاقـة حجــر الزّاويــة والصّناعـــات الثّقيلـة مشـروع واعــد

 أسمـدة عضويـة مـن “جيتكس” للتّصديــر عــــبر الشّريــك الإيطالــي

منطقـة صناعيـة إيكولوجيــة بالشّراكة مـع “سيجيـت” الإيطاليــة

 اختتمت زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، إلى إيطاليا لتبدأ معها مرحلة جديدة في العلاقات الجزائرية-الإيطالية، تميّزها شراكة واسعة شملت قطاعات إستراتيجية على غرار الطاقة، حيث تحوّلت إيطاليا إلى منصة حقيقية لتوزيع الغاز الجزائري بأوروبا، الطاقات المتجددة بمشاريع واعدة لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، كما حظي قطاع الصناعة بأربع اتفاقيات مهمة. فإيطاليا التي وصفت رئيسة وزرائها جورجيا ميلوني رئيس الجمهورية بـ “الكفاءة”، تراهن اليوم على شراكة إستراتيجية مستدامة مع الجزائر، وآفاق واسعة للتعاون ثنائي يعكس عمق وديمومة ونجاعة العلاقات الجزائرية - الإيطالية.

 أكّد الخبير في الاقتصاديات الحكومية، البروفيسور فارس هباش، في اتصال مع “الشعب”، أنّ زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، إلى إيطاليا في إطار الدورة الحكومية الخامسة رفيعة المستوى، والتي وصفت بـ “التاريخية” بالنظر إلى كم الاتفاقيات المبرمة على هامش هذه الزيارة، وعددها 23 اتفاقية بلغت قيمتها مليار أورو، ستعزّز من موقع الجزائر كشريك صناعي واستراتيجي محوري لإيطاليا في حوض المتوسط، من خلال شراكة مستدامة بقطاعات حيوية كالصناعة والطاقة والاقتصاد الدائري والتكوين المهني والتكنولوجيا والاتصالات والصحة، حيث تمثّل هذه الدفعة الجديدة من الاتفاقيات نقلة نوعية في مسار العلاقات الاقتصادية بين البلدين، من خلال تركيزها على سلاسل القيمة الصناعية والتحول الطاقوي والتكامل التكنولوجي.

أرقام تترجــم الرّابـــط الاقتصـــادي

 وقبل الخوض فيما تمخّض عن هذه القمة التاريخية، قدّم فارس هباش نبذة عن الأرقام التي تعبّر عن مدى ترابط اقتصاد البلدين، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين روما والجزائر خلال الأربعة أشهر الأولى من السنة الجارية، 4.79 مليار أورو، بزيادة قدرها 6.7 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024، لتصبح إيطاليا الشريك التجاري الأول للجزائر من حيث إجمالي قيمة المبادلات التجارية، من الواردات والصادرات، متقدّمة على الصين التي سجلت 3.285 مليار أورو وإسبانيا 2.857 مليار أورو وفرنسا 2.837 مليار أورو.
بالمقابل، بلغت قيمة الصادرات الجزائرية إلى إيطاليا، خلال الفترة الممتدة من 01 جانفي إلى غاية 30 أفريل، وفق ما أدلى به الخبير الاقتصادي، مستوى 3.802 مليار أورو، بزيادة قدرها 6.5 بالمائة، في حين بلغت الصادرات الإيطالية إلى الجزائر خلال نفس الفترة ما قيمته 986 مليون أورو، بزيادة قدرها 7.4 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2024، كما رجّح الميزان التجاري الكفة لصالح الجزائر بنحو 2.8 مليار أورو، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى قطاع الطاقة، حيث يمثل الغاز الطبيعي وحده 79.5 بالمائة من إجمالي الصادرات الجزائرية إلى روما، أي ما يزيد عن 3 مليارات أورو، يليه النفط الخام بقيمة 266 مليون أورو، والمنتجات المكررة بقيمة 62 مليون أورو، بينما تتوزع نسبة 10 بالمائة على المعادن والأسمدة والمنتجات المعدنية شبه المصنعة والمنتجات الزراعية غير المصنعة.

التّحـول الرّقمي والطّاقـوي..خارطـة اقتصاديـــة جديــدة

 وبالرّجوع إلى مخرجات القمة الحكومية الخامسة رفيعة المستوى، أوضح فارس هباش، أنّ الاتفاقيات المبرمة تعكس حجم موثوقية الجزائر كشريك استراتيجي بالقارة الإفريقية، حيث تجاوزت الشراكة بين البلدين مفهومها الكلاسيكي، من خلال خطوات واسعة ونموذجية في التعاون الثنائي.
وأشار البروفيسور هباش، في مثال عن ديمومة ونجاعة التعاون الجزائري - الإيطالي، إلى الاتفاقية الموقّعة بين الوكالة الجزائرية العمومية “سوناريم” ووكالة التجارة الإيطالية، والتي اعتبرها من أهم الاتفاقيات، إذ تنص على إنشاء مركز تدريب تكنولوجي إيطالي -جزائري في قطاع الرخام والأحجار الزخرفية بوهران، بتمويل إيطالي للمشروع، في حين ستتكفّل الجزائر بالبنية التحتية والدعم اللوجستي. ويهدف المركز إلى تطوير القدرات المحلية في هذا القطاع الذي يعد من روافد التصدير خارج المحروقات ممّا سيقلص من التبعية لعائدات قطاع الطاقة.
كما تطرّق هباش إلى الشراكة الواعدة بين البلدين في المجال الصناعي، التي باتت ملامحها واضحة من خلال الاتفاقية المبرمة الشركة الإيطالية “سيجيت” والشركة القابضة الجزائرية “ACS”، لإقامة مصنع على مساحة 10 آلاف متر مربع بسطيف، لإنتاج مكوّنات بلاستيكية موجّهة لصناعة السيارات، مع إدماجها ضمن سلاسل توريد مجموعة “ستيلانتيس”.
أمّا الاتفاقية الثانية، فكانت بين الشركة الإيطالية نفسها و«مجمع مدار” لإنشاء منطقة صناعية إيكولوجية تحمل اسم “أونريكو ماتي” بتيسمسيلت، وستضم مؤسسات مندمجة في سلاسل التوريد، ما يعزز الجاذبية الصناعية للمنطقة ويعيد تشكيل خريطتها الإقتصادية.
أما في قطاع الطاقة، فقد رسّخت الجزائر مكانتها كمورد طاقوي موثوق - يقول محدّثنا - وذلك من خلال مذكرة تفاهم جديدة بين سوناطراك و«إيني” الإيطالية، تهدف إلى تأمين الإمدادات وتعزيز التحول الطاقوي من خلال استثمارات جديدة في الاستكشاف والإنتاج، بالإضافة إلى تمديد عقود التوريد المقررة آفاق 2027، ما يكرس عمق الشراكة الطاقوية بين البلدين.
وفي قطاع الاتصالات، تمّ الإعلان عن مشروع استراتيجي مشترك بين “تيليكوم إيطاليا سباركل” و«اتصالات الجزائر” لمد كابل بحري جديد عالي السعة لنقل البيانات بين الجزائر وإيطاليا، إلى جانب تطوير مراكز بيانات مشتركة وبرامج تكوين رقمي تستهدف تعزيز المهارات في مجال الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيات الناشئة.

إزالة الكربـون والاقتصــاد الدّائــري..اهتمــام مشـترك

 وفي السياق نفسه، وسّع البلدان تعاونهما في مجال الاقتصاد الدائري والطاقات المتجددة، أين ستتعاون شركتا”دوفيرغو “ و«كوبريسود” في تطوير مشاريع الطاقة الخضراء وبنى تحتية كهربائية، كما وقّعت “سيب سكارل” و«كوبريسود” - يقول هباش - اتفاقية لإجراء دراسة جدوى لإنشاء مصنع لإنتاج الحديد المختزل مسبقا في الجزائر، من خلال مشروع تدعمه إيطاليا، من قبل 12 مصنعا يستخدمون أفران القوس الكهربائي.
ويسعى هذا المشروع الذي تبلغ مدته التعاقدية الأولية سنتين، إلى إدماج مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر في عمليات الإنتاج، في انسجام مع أهداف إزالة الكربون، مستفيدا من الطاقة الجزائرية منخفضة التكلفة وقربها من الأسواق الأوروبية.
وفي سابقة اقتصادية، أبرم “مجمّع جيتكس” اتفاقية مع الشريك الإيطالي “أورغانزوتو” لتجسيد مشروع لإنتاج أسمدة عضوية انطلاقا من نفايات الجلود، موجهة بالكامل للتصدير.
وبالموازاة، اتفقت “تيكنوكريو” و«ريانوكس” على إنشاء منظومات تثمين النفايات العضوية لإنتاج الغاز الحيوي وثاني أكسيد الكربون المبرد الصالح للاستهلاك الغذائي. كما ستتعاون شركتا “ستيميم” و«كوندور”الجزائرية لإنشاء مجمع صناعي لمعالجة وصهر خردة الحديد، في خطوة داعمة لمنظومة الاقتصاد الدائري.
وفي قطاع الصناعات الغذائية، ستقوم مجموعة CFT الإيطالية بتوريد تجهيزات صناعية لشركة “لابال” الجزائرية.
من جهة أخرى، أشار البروفيسور هباش إلى أن التعاون الثنائي شمل أيضا مجال التكوين والتدريب المهني، من خلال اتفاقية شراكة لإنشاء مراكز تدريب متخصصة في المهارات الصناعية، واتفاقيات لإنتاج نسيج طبي موجه للاستعمال في قطاع الصحة.
أما مذكرة التفاهم الخاصة بمشروع الحديد المختزل مسبقا، فقد مثّلت - حسب المتحدث - خطوة متقدّمة نحو بناء سلسلة توريد صناعية جزائرية-إيطالية في قطاع الحديد، وهي سلسلة يعوّل عليها لتحقيق استقلالية إستراتيجية للصناعة الفولاذية الأوروبية، حيث من المنتظر أن يقدم الملف التقني إلى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار من أجل نيل الاعتماد الرسمي، والاستفادة من الحوافز المنصوص عليها في قانون الاستثمار الجديد.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19853

العدد 19853

الثلاثاء 19 أوث 2025
العدد 19852

العدد 19852

الإثنين 18 أوث 2025
العدد 19851

العدد 19851

الأحد 17 أوث 2025
العدد 19850

العدد 19850

السبت 16 أوث 2025