آليات مستحدثة للتحكم في تأثيرات التغيرات المناخيــة..
تغطية نحو 75% من الاحتياجات الغذائية الوطنية..ونصر كبير في الحبوب
أكد رئيس المؤسسة الجزائرية للهندسة الزراعية، المهندس يحيى زان في حوار مع “الشعب”، أن الجزائر تراهن على دعم وتعزيز قدراتها الإنتاجية من أجل تحقيق أمنها الغذائي المستدام باعتباره أحد مقومات وركائز السيادة الوطنية، وذلك انطلاقا من امكانياتها ومواردها الطبيعية، وكذا تبني استراتيجيات متعددة لتحفيز القطاع الزراعي، وزيادة الإنتاج المحلي للحد من التبعية للاستيراد، ناهيك عن التكيّف مع تأثيرات وتداعيات التغيرات المناخية واستشراف الحلول، باستخدام أحدث التقنيات الذكية التي من شأنها تذليل العراقيل والتحديات التي تعيق هذه الطموحات.
الشعب: تشهد الجزائر تحولا جذريا في استراتيجياتها من أجل تحقيق الأمن الغذائي، سيما قطاع الفلاحة، الذي حقق قفزة نوعية خاصة في. 2024، ما تقييمك للجهود المبذولة لزيادة الانتاج المحلي؟
المهندس يحيى زان: يبرز القطاع الفلاحي في الاقتصاد الجزائري كركيزة استراتيجية، إذ يساهم بنحو 18% من الناتج المحلي الإجمالي أي بأكثر من 4 567 مليار دينار، وما يعادل 38 مليار دولار، ويوفر قرابة 2.7 مليون منصب عمل.
وقد أكد مسؤولو الوزارة أن الديناميكية الحالية للقطاع أسهمت في تغطية نحو 75% من الاحتياجات الغذائية الوطنية، ففي موسم 2022–2023 حققت الجزائر إنتاجا قياسيا من الحبوب بلغ نحو 30 مليون قنطار أو ما يعادل3 ملايين طن، مع غلات تناهز 50–60 قنطار/هكتار في الجنوب و85 قنطارا في بعض الولايات بفضل الري التكميلي المُكثف.
@@ وشهدت منتجات الخضروات الأساسية كالبصل والبطاطا) زيادة 3–5% مما مكن من تغطية كامل الطلب المحلي على الخضراوات والفواكه غير الاستوائية، كما حقق قطاع الألبان واللحوم نتائج ملحوظة، حيث تحقق إنتاج 5.4 مليون قنطار من اللحوم البيضاء، و4.8 مليون قنطار من اللحوم الحمراء، بالإضافة إلى 5.63 مليار بيضة و3.25 مليار لتر من الحليب السائل عام 2023.
هذه القفزة الإنتاجية ساهمت فيها عدة عوامل، منها توسّع مساحات الأراضي المروية عن طريق تعميم أنظمة ري موفرة للمياه، حيث وصلت المساحة المروية إلى 1.49 مليون هكتار عام 2023، وتم استرجاع الأراضي الفلاحية المنسية واستغلالها، من خلال تفعيل نحو 864 ألف هكتار من الأراضي غير المستغلة لتوزيعها على المزارعين، ناهيك عن دعم مدخلات الإنتاج عبر رفع نسبة الدعم على الأسمدة من 20% إلى 50% لتعزيز ربحية الزراعة.
- بالإضافة إلى الزيادة في الانتاج، تركز الجزائر على الاستثمار في البنى التحتية، سيما ما تعلق بإنجاز الصوامع ومنشآت التبريد، للحفاظ على استقرار الأسعار ومحاربة التبذير، هل هذا كاف؟ أم يتعين تقديم دعم أكبر للفلاحين؟
بالفعل بالتوازي مع زيادة الإنتاج، شرعت الجزائر في استثمارات كبرى لتحسين البنى التحتية الفلاحية، ففي فيفري 2025 دشن وزير الفلاحة صومعة تخزين جديدة بسعة 100 ألف طن في بسكرة بتكلفة 850 مليون دينار، ويأتي ذلك ضمن برنامج وطني أعلن عنه في جويلية 2024 لبناء 30 صومعة تخزين جديدة وإنشاء 350 مركزا محليا لتخزين الحبوب عبر 44 ولاية، لرفع الطاقة التخزينية للبلاد إلى 9 ملايين طن بحلول 2025.
وأطلقت الحكومة أيضا مبادرات لدعم حفظ الإنتاج بعد الحصاد، أبرزها برنامج قروض بدون فوائد تصل إلى 150 مليون دينار لتشجيع المزارعين على بناء غرف تبريد حديثة لمخزونهم الزراعي، إضافة إلى إنشاء مجمعات تبريد ولوجستيك زراعي بقرابة 30 منشأة بسعة إجمالية 383 ألف م3، جرى استلام خمسة منها بسعة 150 ألف م3، وقد صرّح المسؤولون أن هذه الاستثمارات تهدف إلى امتصاص الفوائض الوطنية، ومحاربة الهدر الغذائي، وضبط الأسعار في الأسواق المحلية، ومن دون شك فإن دعم البنية التحتية بهذه الصورة يعزز من استقرار الأسواق الغذائية ويقلل الفاقد.
تشكل التغيرات المناخية تحديا كبيرا بالنسبة للأمن الغذائي تفرض التكيف مع تداعيتها، هل تعتقد ان الأمر يتطلب مزيدا من الجهود لمواجهة تحدياتها؟
يشكل التغير المناخي تحديا متصاعدا للأمن الغذائي في الجزائر، فالبلاد تواجه موجات متزايدة من الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وفيضانات مفاجئة، وهذا المناخ القاسي يجعل القطاع الزراعي هشّا، نظراً لاعتماده الكبير على الأمطار ومحدودية المياه العذبة.
لذا فإن التكيُّف مع هذه التغيرات يتطلب تكثيف الجهود الحكومية والفلاحية، وقد بدأت السلطات الجزائرية العمل على خطط للتكيف الوطني، لكن تفعيلها على الأرض يتطلب خطوات عملية واضحة، على غرار تعزيز الأصناف المقاومة للجفاف، حيث أن تجارب الحكومات أشارت إلى تزايد زراعة بذور ومحاصيل مخصصة للمناطق شبه الجافة، ففي 2023 نما إنتاج الأصناف المقاومة للدُفُوع الحرارية والجفاف بنسبة تفوق 7% ليصل إلى 17.3 مليون قنطار.
يضاف إلى ذلك تطوير نظم الري الذكية عبر توسيع الاستثمارات في تقنيات الري الحديث والتحلية، فبينما تحسّنت المساحة المروية 2023 إلى 1.49 مليون هكتار، يجري تكثيف استخدام أنظمة ري قُطرية ومحسنة لتقليل الاستهلاك المائي.
إلى جانب إدارة المخاطر وبناء البُنى الريفية، ويشمل ذلك زيادة السدود وتخزين مياه الأمطار، وإنشاء محطات تحلية، إلى جانب أنظمة إنذار مبكر ومراكز بحث زراعي متخصصة في تقنيات الزراعة المستدامة.
فتطوير هذه الإجراءات التكيفية إلى جانب دعم الإنتاج الزراعي التقليدي يعَد أمرا ملحا، لذا يتعيّن توجيه مزيد من الاستثمارات نحو البحث على تقنيات الزراعة الصحراوية “الزراعة المحمية، استخدام المياه المعالجة”، وتسهيل وصول الفلاحين للمعلومات المناخية واتخاذ قرارات مبنية عليها، كلها عوامل مهمة لرفع القدرة على مقاومة التقلبات المناخية.